مجلة الرسالة/العدد 220/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 220/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 09 - 1937



كتاب إحياء النحو

اكتشاف لغوي مهم

للأستاذ يوسف كركوش

تمتاز اللغة العربية عن سائر اللغات بحركات الإعراب التي تلحق أواخر الكلم، إلا ما يقال عن بعض اللغات السامية: كاللغة السريانية: من أن لها علامات إعرابية، وهي لغة ميتة. وأما سائر اللغات سواء الحية منها أو الميتة فان أواخر كلماتها ساكنة، مهما تغير موقع تلك الكلمات من الجملة، وأما باقي أبحاث اللغة: من صرف، واشتقاق، وبلاغة، إلى غير ذلك فهي موجودة في أكثر لغات العالم

وقد بذل علماء اللغة العربية - منذ القرن الأول للهجرة - جهوداً جبارة للكشف عن حقيقة هذه الظاهرة الإعرابية، ومعرفة أسبابها، فاستنبطوا قواعد وضوابط زعموا أنها تكشف عن حقيقة هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها. فكان من نتيجة استنتاجهم أن هذه الحركات الإعرابية متأثرة بعامل يكون في الجملة، فكأنهم اعتبروها كائنات حية تؤثر أثرها. وإنا لنعترف لهم بالفضل لتتبعهم واستقرائهم كلام العرب، منظومه ومنثوره ورحلاتهم الطويلة الشاقة لأجل مشافهتهم الأعراب: ولكنهم لم يوفقوا في استنباط هذه القواعد والدساتير

وقد أولعت منذ نعومة أظفاري - بدرس اللغة العربية ومدارستها، وقرأت كل ما وصل إلى يدي من مؤلفاتها؛ ومع ذلك لم يزل الشك يساورني في صحة هذه القواعد والدساتير التي وضعها علماء اللغة لها، هذا مع اعترافي بصحة هذه الظاهرة الإعرابية.

فكنت على الدوام أتطلب وأتساءل وأجمع المعلومات لعلي أهتدي إلى تعليل صحيح لهذه الظاهرة بحيث يكون قريباً من الذوق الفطري.

وصادف أني اجتمعت بزميل لي يشاركني هذه الفكرة ويجول في ذهنه ما يجول في ذهني ويتمنى لو تسني له أن يزيل اللثام عن هذه القضية. فقد احتلت حيزاً كبيراً من عقله فكان حين صادفني هذه المرة أن قال لي قبل كل شيء: البشرى. فقلت له: ومثلك من يبشر بخير. فقال: طلع علينا كتاب من مصر لأستاذ مصري اسمه إبراهيم مصطفى واسم (إحياء النحو) فيه تحقيق فكرتنا. ثم ناولني نسخة من هذا الكتاب فكان سروري به عظيما لا يوصف. فقرأته بإمعان وترو متجرداً من عواطف الحب والكره، فرأيت المؤلف قد علل الحركات الإعرابية من ضم وفتح وكسر، وكذا التنوين وعدمه بتعليل طبيعي فطري يجري مع الذوق السليم. فكدت أطير فرحاً وزال عني ذلك الكابوس الذي كان جاثماً على صدري

فالكتاب جليل عظيم القدر، لا باعتبار مادته، بل باعتبار نزعته التجديدية، وترتيب معلوماته ترتيباً منطقياً لاستجلاء تلك الفكرة السامية. فهو بحق (إحياء النحو). وهذا العمل اكتشاف مهم في اللغة العربية: لإظهاره ما للغة العربية من مزايا جليلة، ولإزالته عناء البحث عن طالبيها، فبعد أن كان الطالب يحتاج إلى مدة كبيرة لمعرفة أسباب هذه الظاهرة صار يكفيه من الوقت لمعرفة ذلك أقل بكثير

وكنت أعتقد أن هذا الكتاب سوف يحدث ضجة في العالم العربي ولا سيما مصر، وأن الأقلام ستأخذه بالنقد والتحليل لإظهار حقيقته؛ ولكن - مع كل الأسف - لم يقع بعض هذا، مع أن في العالم العربي لا سيما في مصر فطاحل العلماء في اللغة العربية. هذا مع خطورة هذه المسألة، فهي جديرة بالبحث لأنها مسألة حيوية لها صلة بالتفكير والتعبير. ولو أن مثل هذا الكتاب ظهر في إحدى البلدان الغربية لأعاروه أهمية عظمى. وأني لأربأ بأبناء أمتي أن يبلغ بهم الجمود هذا الحد فيصدق فيهم قول أعدائهم من الأجانب: إن الأمة العربية أمة بعيدة عن التطور عدوة لكل تجديد.

والعجب كل العجب من الأستاذ (احمد أمين) أنه حين كتب في (الرسالة) حول موضوع (ضعف اللغة العربية) لم يجعل الضعف ناشئاً من قبل قواعد اللغة، بل اعتبره ناتجاً من قلة كفاية المعلم، وما إلى ذلك من مناهج، وتفتيش ووسائل التربية. وهذا لا ينكر أن لها أثراً في ضعف اللغة، ولكنها في المرحلة الثانية، وهي غير خاصة باللغة العربية، بل تشمل سائر الدروس

وبصفتي فرداً من أبناء الأمة العربية - أقترح: أن يشكل (مجمع اللغة العربية الملكي بالقاهرة) لجنة تنظر في هذا الكتاب وتمحصه تمحيصاً دقيقاً، وتختبر هذه النظرية التي دعا إليها المؤلف في كتابه وتضع لنا قواعد على ضوء هذه النظرية. إذ أن مثل هذا العمل من أهم أغراض المجمع المذكور، فان من جملة أغراضه أن يبحث كل ما له دخل في تقدم اللغة العربية

(الحلة - العراق)

يوسف كركوش

كتاب في قصور دمشق

ثلاثون قصة وقصة (من لب الحياة)

تأليف الأستاذ محمد النجار

أخذ الاهتمام بالقصص يزداد في العالم العربي لما تبين من نفاسة قيمته الفنية والأدبية، وعظم فائدته القومية والإنسانية. وكانت مصر وما تزال مجلية في الحلبة؛ ثم بدا نمو هذه الحركة ونشاطها في لبنان. أما دمشق فظلت في تأخر حتى إذا ظهر كتاب (في قصور دمشق) رحب به الأستاذ منير العجلاني في المقدمة التي كتبها له واستزاد مؤلفه من أمثاله وحثه على الاستمرار في الكتابة

وأقاصيص الكتاب صغيرة تتراوح بين ثلاث وأربع صفحات تفضح - إذا صح القول - كثيراً مما في زوايا الخدور في صراحة يستهجنها بعض المتأدبين ويحبها المحافظون، وفيه كثير من الأساليب واللهجات العامية

تلذ قراءة هذا الكتاب للفتيان لأنهم يذهبون مع رغباتهم ويستطيبون لذات الحياة مهما كبحوا جماح أهوائهم وربما فسروا حكاياته مع ما يتفق وغرورهم، أما الكهول فلعلهم لا يجدون في هذه الأساطير كبير غرابة لأنها أحاديث تملأ المجالس الخاصة، وما هي بالأمر الذي يطغي على دمشق بل هو ناحية صغيرة من نواحيها الجديرة بالاهتمام. وليست هذه الحال تختص بدمشق وحدها ففي كل بلد من عجائب أسرار البيوت ما تعافه النفوس الأبية.

ولا ريب أن الأستاذ النجار قد عانى مر المشاق في سبيل تلقف هذه القصص وجمعها من مجالس اللذات وأفواه الهامسين وأحاديث الأندية، وهو على عنايته بإبراز هذه الصور واضحة مجردة عناية يشكره الأدب الواقعي عليها، مصلح ينبه قومه إلى هذه الأسواء وضرورة معالجتها.

(دمشق)

مظفر البقاعي