مجلة الرسالة/العدد 221/الخريف

مجلة الرسالة/العدد 221/الخريف

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 09 - 1937



للشاعر شارل هوبر ميلله فوي

ترجمة السيد عارف قياسه

(ميلله فوي شاعر فرنسي رقيق من شعراء القرن التاسع عشر (1782 - 1816) طبع بطابع الحزن العميق. تجرع كأس الحمام والغصن أملود والشباب ريق، عقب هزال ألح عليه إلحاحاً فحطم جسمه تحطيما. نظم ميلله فوي مراثي عديدة - وبذاك نبه ذكره وعلا شأنه - ولعل أشهرها

أحس الشاعر الشاب بالموت يدب في مفاصله اللدنة وأعضائه الغريضة فعمد إلى يراعته وقرطاسه واثبت هذه الآية الشعرية يبكي فيها حياته الفقيدة وشبابه الراحل وغصنه الذاوي. وأنت حين تقرأ غير هذه المرثية مما سجلته يراعة (ميلله فوي) تحس بالكآبة تسيل من كلماته وتفيض وتفيض حتى تغمر قلبك فلا تستطيع أن تحبس عينك عن إرسال أدمعها)

(عارف)

تناولت يد الخريف الغابات فنضت عنها ثيابها، وعرت الأشجار من أوراقها الذاوية، وكست أديم الغبراء بطبقة صفيقة منها، ففقدت الغابة سرها، وصمت البلبل الغريد عن الشدو

شاب مريض تبلغت به العلة - أفعم الأسى فؤاده في فجر حياته، ودب دبيب الموت في جسمه في ميعة صباه - اخذ يطوف بخطى بطيئة متمهلة في الغابة العزيزة على سنيه الأولى وينشد هذه الألحان:

(أيتها الغابة التي أحب! وداعاً ما بعده من لقاء. المنية تنشب أظفارها في جسمي. حدادك أنذرني بجدي العاثر. إني أرى في كل ورقة تساقط آية من آيات موتي

أي عرافة (أبيدور) المشئومة! لقد قلت لي:

(ستذوي أوراق الأشجار وستصفر في نظرك ولكن للمرة الأخيرة)

السرو الخالد المتموج المياد أرخى فوق رأسه أفنانه الطويلة وابتدرني قائلاً: (سيذوي شبابك. سيذوي قبل ذوي عشب المرج وعسلج الهضاب)

يا لله! هاأنذا أقضي نحبي. مسني قر نكباء حر جف

أرمي ربيع حياتي يتلاشى (كتلاشي الشموع في زفرة اللظى الحمراء)

تساقطي أيتها الورقة الزاهقة تساقطي!

غشاؤه على الأبصار وحجاب الأعين هذه السبيل

إنها تخفي علي يأس أمي مقري في الغد

ولكن إذا توجهت حبيبتي - مع دلوك الشمس - شطر المسلك المنعزل، شعثاء الشعر، مشقوقة الجيوب تبكي علي، أيقظي بهمساتك الخفيفة ظلي القرير.

قال ذلك، ثم طفق يبعد. . . وبلا إياب

الورقة المتساقطة أخيراً أعلنت انطفاء شعلته

تحت السنديانة شق لحده. ولكن حبيبته لم تأت لزيارة جدثه، وراعي الوادي هو الوادي هو الوحيد الذي يكدر صفو الرمس بوقع أقدامه

حماه (سوريا)

عارف قياسه