مجلة الرسالة/العدد 226/ليتني

مجلة الرسالة/العدد 226/ليتني

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 11 - 1937



للأديب محمود السيد شعبان

أظْلَمَ الكونُ فَمَنْ فيهِ نِياَمْ ... غيرَ قلبٍ في دُجَى الَّليلِ يَسِيحْ!

هتَفَ النجمُ بهِ: ياَ ابْنَ الظلامْ ... ما الذِي تَهَوى مِنَ الليلِ القبيح؟!

قالَ: أهوَى وَحْشَتَهْ!

قال: أهوى ظُلْمَتَهْ!

قال: أهوى فيه أطيافَ الهمومْ ... وأنينَ العاشقِ الباكي الحزينْ

وأناجي البدرَ فيهِ والنجومْ ... مُنْشِداً وحدِي نشيدَ العاشِقِينْ

ساهداً أحرُسُ حبِّي!

ساهراً أعبُدُ رَبِّي!

إيهِ يا ليلَ الأمانيِ والحنينْ ... دَعْ فؤادِي فِيكَ يحياَ بالمُنَى!

إِنَّنِي يا لْيلُ مِنْ ماءٍ وطِينْ ... ليتني كنتُ شُعاَعاً مِن سَنَا!

ساطعاً يهدِي الأناماَ!

لامعاً يمحُو الظلاماَ!

ليتني كنتُ على خَدٍّ أسِيلْ ... دَمْعَةً يشرَبُ مِنها وَرْدُهُ!

دمعة تجري على خَدٍّ جميلْ ... قدْ حَلاَ لِي وصَفاَ لِي وِرْدُهُ

حيثُ لا أخْشَى رقيباَ

أوْ بعيداً أو قريباَ!

ليتني ضَمَّةُ معْمُودٍ صَرِيعْ ... قد تلاقَى بعد هجرٍ بحِبِيبِهْ!

يَخْفُقُ القلبُ لها بيْنَ الضلوعْ ... كذبالٍ يَتَلَوَّى فِي لهِيبِهْ!!

ليتني كنتُ عِناقاَ!

أو صُدوراً تَتَلاَقَى!

ليتني قُبْلَةُ ظمآنٍ علىَ ... شفَتَيْ حَسنْاَء يهواهاَ فُؤَادُهْ!

قبلة طابَتْ ولذَّتْ مَنهلاَ ... هي خمر العاشقِ المُضْنَي وَزَادُهْ!

هيَ كأسٌ مِن عقيقِ! مَلأُوها بالرَّحيقِ!!

ليتني آهَةُ محزُونٍ كئيبْ! ... ليتني أَنَّةُ مظلومٍ ينوحْ!

إِننَّي أهوَى البكا أهوَى النحيبْ ... إنَّ قلبي بِدُموعي يسترِيحْ!

فدعُوني يا رفاقِي. . .

فالبكا حُلْوُ المذاقِ!!

ليتني قَطْرَةُ ماءٍ فوقَ زَهْرَهْ ... في رياضٍ باسماتٍ لِلنَّدَى!

إنَّ طَلَّ الفجرِ ما أعَجبَ أمْرَهْ ... يَمْلأُ النفْسَ جلالاً وهُدَى!

جَلَّ باريهِ تَعالىَ

ملأَ الدُّنيا جَمالاَ

ليتني كنتُ فَرَاشاً هائماَ ... جَالَ في الروضِ فحيَّاهُ العَبِيرْ!

أقْطَعُ العيْشَ وحيداً حائماَ ... بيْنَ روضٍ وسماءٍ وغدِيرْ!!

ذاكراً حُلْوَ الأمانِي

ناسِياً مُرَّ الزَّماَنِ!

ليتني سَجْدَةُ شَيْخٍ في صَلاَتِهْ ... يعبُدُ اللهَ الذِي يَرْهَبُ بأْسَهْ

ليتني زَفْرَةُ مَيْتٍ في مَماتِهْ ... حَطَّمَ الدَّهرُ ويا لَلْهَوْلِ كأْسَهْ!

إنَّنا أهل التراب

قد خُلقنا لِلْعذابِ!

ذاكَ ما أهوَاهُ من دُنيا الشُّرورْ ... ذاكَ ما أَرْضاَهُ مِنْ دار الفَناَءْ

عالَمٌ كادَ على الناسِ يَثُورْ ... مُذْ طَغَوْا فِيهِ وَلَجُّوَا في العَدَاءْ

هَلْ لِنفْسِي مِنْ مُؤَسىِّ

قَبْلَ أَنْ تأفُلْ شَمْسي؟!

(الإسكندرية)

محمود السيد شعبان