مجلة الرسالة/العدد 230/مقالات إسماعيلية

مجلة الرسالة/العدد 230/مقالات إسماعيلية

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 11 - 1937



لأستاذ جليل

- 9 -

(فصل) قال رسول الله : (من عرف نفسه عرف ربه) وقال عليه الصلاة والسلام: (عرفت ربي بربي) أشار إلى أنك لست أنت إنما هو أنت بالهو أنت لا هو داخل فيك، ولا أنت داخل فيه، ولا (هو) خارج منك، ولا أنت خارج منه. وما عنى بذلك أنك موجود وصفتك هكذا بل عنى به أنك ما كنت ولا تكون إلا بنفسك لا هويتك المضنونة هي العدم، فأنت لا فان ولا موجود. أنت هو وهو أنت بلا علة من هذه العلل، فإن عرفت وجودك هكذا فقد عرفت الله تعالى وأكثر العارفين (أضافوا) معرفة الله تعالى إلى فناء الوجود وإلى فناء فنائه (فهذا) إثبات الشرك؛ فإن معرفة الله تعالى (لا) تحتاج إلى فناء الوجود، ولا إلى فناء فنائه، ولا شيء لا وجود شيء، وما لا وجود (له) لا فناء له، فإن الفناء لا يكون إلا بعد إثبات الموجود، والوجود الإضافي عدم، والعدم لا شيء، فإن عرفت نفسك بلا وجود ولا فناء فقد عرفت الله تعالى. قال السيد راشد الدين (علينا منه السلام): (لولانا بشهوتنا للأشياء لما كان إلا الله ولا شيء سواه. وفي إضافة معرفة الله تعالى (إلى) فناء الوجود وإلى فناء فنائه إثبات الشرك، فإن النبي قال: (من عرف نفسه عرف ربه) ولم يقل من أفنى نفسه عرف (ربه) فإن إثبات الغير تناقض فنائه، وما لا يجوز ثبوته لا يجوز فناؤه، ووجودك ووجوده لا شيء لا يضاف إلى شيء. أشار عليه الصلاة والسلام إلا أنك معدوم كما كنت قبل متكوناً التقدر فلا أن الأزل والأبد والله تعالى (موجودون) هو وجود الأزل والأبد، وذات جميع الموجودات والوجود ولو لم يكن كذلك ما كان إلا الله وحده بنفسه لا يوجد الله تعالى فيكون رباً ثابتاً وهو محال، فليس لله تعالى شريك في ملكه ولا ند ولا كفؤ. ومن (جعل) لا شيء مع الله وهو محتاج إلى الله فقد جعل ذلك الشيء شريكا له لأنه محتاج إليه. ومن توهم موجوداً سواه قائماً به ثم يصير فائناً فناءه ويصير فائناً في فنائه فتسلسل الفناء بالفناء شركا بعد شرك. ومن كان هذه معرفته فهو مشرك لا عارف، والعارف بالله وبنفسه هو الذي يعلم أن الله كان ولم يكن معه شيء وهو الآن كان، فإن قيل: إن النفس ليست هي الله ولا الله تعالى هو النفس، قلنا: إن النفس هي وجودك وحقيقتك إلا النفس اللوامة والأمارة والمطمئنة. وأشار النبي صلعم إلى الأشياء الموجودة فقال عمّ (ربي أرني الأشياء كما هي) وعني بالأشياء كما توُهِّمَ أنها غير الله (تعالى) أي عرفني ما سواك من سائر الأشياء لا أعلم هل هي أنت أم غيرك؟ وهل هي قديمة أم باقية أم فانية؟ فأراه الله ما سواه، فإذا هي نفسه بلا وجود ما سواه، فرأى الأشياء كما هي، أعني رأى الأشياء ذات الله بلا كيف ولا أين لأنه هو تعالى هوية الكل بالحقيقة، واسم الأشياء يقع على النفس من الأشياء، فإن وجود النفس ووجود الأشياء شيئان في المشيئة التي عرفت الأشياء وعرفت النفس، ومتى عرفت النفس عرفت الرب، لأنه الذي تظن أنه غير الله ليس هو سوى الله، ولكنك ما تعرفه وأنت (لا) تراه، ولا تعلم أنك هو فإذا عدّمت إياك في ذاته بذاته لذاته علمت أنه كنه مقصودك وغاية مطلوبك وعلمت أن (كل شيء هالك إلا وجهه) أعين لا موجود إلا هو وجود لغيره مع وجوده فيحتاج (كل شيء) إلى الهلاك، ويبقى وجهه أعني لا شيء إلا وجهه، أعني لا نفس إلا نفسه، ولا وجود إلا وجوده، كذلك قال النبي (لا تتبقَّ الدهر بَانَ الله) أشار بذلك لا وجود للدهر، وجود الله تعالى ووجود جميع الكائنات وجوده؛ ليس للأشياء من ذاتها إلا العدم جداً ووجودك ووجوده لا إله إلا الله وأنا لا أنا هو كما وجب وجوده وجب عدم ما سواه، فإن الذي تظن أنه غيره ليس هو غيره إذ لا وجود مع وجوده أنى وجوده ظاهراً وباطناً، ومن مات موتاً معنوياً عدمت ذاته وصفاته، وكذلك قال النبي (موتوا قبل أن تموتوا) أي: اعرفوا نفوسكم واعرفوا ذاتكم العديمة لتعاينوا عين الهوية الحقيقة، وكانت كل حالة لله تعالى لأنه كان هو، وقد قال رسول الله : (لا يزال العبد يتقرب بي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) لأن حركاته وأفعاله كلها لله تعالى لا له فالذي عرف نفسه يرى وجود ذاته بل كان جاهلاً بمعرفة وجوده؛ فمتى عرفت نفسك ارتفعت في عينيك وعرفت أنك لم تكن غير الله تعالى. وحقيقة معرفة النفس أن تعلم (أن) وجودك ليس بموجود ولا معدوم، فإنك لم تكن كائناً ولا كنت ولا تكون تعرف معنى قوله: (لا إله إلا الله)، ولا وجود لغيره ولا غيره سواه، لا إله إياه، وليس هذا بل بتعطيل الربوبية لأنه لم يزل رباً ولا مربوباً، ولم يزل خالقاً ولا مخلوقاً، خلاقيته وربوبيته لا تحتاجان إلى مخلوق، ولا إلى مربوب، ووجود الأشياء كان الله، ولا شيء سواه، وهو الآن ولا شيء سواه، فوجود الموجودات وعدمها شيئان فلا هو إلا هو، وما سواه عدم والسلام

(* * *)