مجلة الرسالة/العدد 24/الشافعي واضع علم أصول الفقه
مجلة الرسالة/العدد 24/الشافعي واضع علم أصول الفقه
للأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرزاق. أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية
الآداب
- 2 -
والمروي عن الشافعي: انه قال: انه حمل إلى مكة وهو ابن سنتين من غزة أو عسقلان.
وفي كتاب (معجم الأدباء) لياقوت: وفي رواية أن الشافعي قال: ولدت باليمن فخافت أمي على الضيعة فحملتني إلى مكة وأنا يومئذ ابن عشر أو شبيه ذلك. وتأول بعضهم قوله (باليمن) بأرض أهلها وسكانها قبائل اليمن، وبلاد غزة وعسقلان كلها من قبائل اليمن وبطونها.
قلت: وهذا عندي تأويل حسن إن صحت الرواية وإلا فلاشك انه ولد بغزة وانتقل إلى عسقلان إلى أن ترعرع، ج6ص318.
ويقول ابن حجر في توالي التأسيس ص49: (والذي يجمع الأقوال أنه ولد بغزة عسقلان، ولما بلغ سنتين حولته أمه إلى الحجاز ودخلت به إلى قومها وهم من أهل اليمن، لأنها كانت أزدية، فنزلت عندهم، فلما بلغ عشراً خافت على نسبه الشريف أن ينسى ويضيع فحولته إلى مكة).
وليس من رأيي التوفيق بين الروايات المتضاربة قويها وضعيفها على هذا الوجه، فتلك طريقة ليست من التمحيص التاريخي في شيء، بل يجب تخير الروايات الصحيحة السند التي يرجحها ما يحف بها من القرائن والذي تدل عليه الروايات الراجحة أن الشافعي ولد بغزة ومات فيها أبوه كما مات بها من قبل هاشم جد النبي عليه السلام. ثم حملته أمه إلى عسقلان وهي من غزة على فرسخين أو أقل. وكان يرابط بها المسلمون لحراسة الثغر منها. وكان يقال لها (عروس الشام) وفي كتاب (أحسن التقاسيم) للمقدسي المعروف بالبشاري: (أن خيرها دافق، والعيش بها رافق).
وكل هذه الاعتبارات جديرة بأن تجعل الأيم الفقيرة تختارها سكنا لها ولطفلها اليتيم الغريب.
فلما بلغ الطفل سنتين وترعرع وأصبح يحتمل السفر حملته أمه إلى مكة لينشأ بين من قريش، ولعلها كانت تريد أن تستعين على تكاليف العيش بما ينال الطفل من سهم ذوي القربى باعتباره مطلبياً.
على أن حظ الطفل من خمس الغنائم لم يكن ليرفه من عيشه فنشأ في قلة من العيش وضيق حال. قال الرازي:
(وذكروا أن الشافعي رضي الله عنه كان في أول الزمان فقيرا، ولما سلموه إلى المكتب ما كانوا يجدون أجرة المعلم، وكان المعلم يقصر في التعليم إلا أن المعلم كلما علم صبيا شيئا كان الشافعي رضي الله عنه يتلقف ذلك الكلام، ثم إذا قام المعلم من مكانه أخذ الشافعي رضي الله عنه يعلم الصبيان تلك الأشياء، فنظر المعلم فرأى الشافعيرضي الله عنه يكفيه من أمر الصبيان أكثر من الأجرة التي يطمع بها منه، فترك طلب الأجرة واستمرت هذه الأحوال حتى تعلم القرآن كله لسبع سنين) ص15و16.
ويروى عن الشافعي: انه كان يحدث عن طفولته فيقول: (وكانت نهمتي في شيئين؛ في الرمي، وطلب العلم. فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة. وفي رواية من عشرة تسعة، وسكت عن العلم، فقال عن بعض من كان يستمع اليه: أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي).
ويروى عنه أيضا: أنه قال: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: (أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر) تاريخ بغداد ج6 ص59، 60.
ويظهر: أن حب الرماية لم ينزعه من بين جوانب الشافعي جلال السن وجلال الإمامة.
(عن المزني قال: كنت عند الشافعي فمر يهدف، فإذا رجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي وكان حسن الرمي فأصاب سهاما، فقال له الشافعي: أحسنت، وبرك عليه، قال لي: ما معك؟ فقلت: ثلاثة دنانير، فقال: أعطه إياها واعذرني إذ لم يحضرني غيرها (توالي التأسيس) ص67.
قال الشافعي: (لما ختمت القرآن دخلت المسجد أجالس العلماء وأحفظ الحديث والمسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، وكنت فقيرا بحيث ما أملك ما أشتري به القراطيس، فكنت آخذ العظم أكتب فيه وأستوهب الظهور من أهل الديوان وأكتب فيها) - الرازي ص16.