مجلة الرسالة/العدد 240/ليلى المريضة في العراق

مجلة الرسالة/العدد 240/ليلى المريضة في العراق

مجلة الرسالة - العدد 240 المؤلف زكي مبارك
ليلى المريضة في العراق
ملاحظات: بتاريخ: 07 - 02 - 1938


للدكتور زكي مبارك

- 9 -

خرجت من عند ليلى وقد انتصف الليل، فما كدت أبلغ الجادة حتى لمحت إنسانة تعدو خلفي في الدربونة فالتفت فإذا هي ظمياء

- دكتور، متى أرجع إليك؟

- حين تشائين يا ظمياء، ولكن ما الموجب لهذا الاستعجال؟

- هل نسيت البقية من قصة ليلى مع عبد الحسيب؟

- ما نسيت. ارجعي إليّ مساء الغد يا ضمياء، ومعك ماعون من الكُبّة الموصلية

لا موجب للنفاق في هذه المذكرات. إن ظمياء فيما يظهر تتشهى أن تتكلم في عبد الحسيب؛ وأنا فيما يبدو أتشهى الكلام عن درية؛ وأكرر ما كتبته من قبل: (إني لا أعرف كيف يلذعني هذا الاسم) وربما كان هذا من جنون الشعراء، فأنا شاعر مقل، ولكن الإقلال لا يمنع من التشرف بجنون الشعراء. ولعل الإقلال أدل على الجنون؛ وإلا فما كان الذي يمنع من أن أفجع العالم بعدة دواوين ليصبح شعري حديث الأدباء في سائر البلاد؟

درية! درية! ما أعذب هذا الاسم! وما أشقاني في (استلطاف) الأسماء!

رجعت إلى المنزل وأنا أتشوق إلى اقتيات النعاس، فقد كنت انتشيت في حديث ليلى، والمنتشون يتشوقون إلى الهجود؛ كذلك سمعت. ولكني صادفت ما أطار النوم من رأسي، فقد وجدت جريدة الشباب بين البريد وفيها هذه الكلمات:

(فجع الأدب والعلم ونكبت الأخلاق الكريمة بوفاة الأديب الكبير المحقق والكاتب العبقري المنقطع النظير المرحوم الأستاذ محمد صادق عنبر المنشئ الشهير واللغوي المعروف، فقوبل الخبر بحزن شديد، وألم عميق، لما أشتهر عن المرحوم من واسع العلم والإطلاع وصدق الوداد ومكارم الأخلاق)

وقد هدني هذا الخبر المزعج، ونشر أمام عيني كثيراً من الصور والأطياف، فتذكرت أني رأيت صادق عنبر أول مرة سنة 1923 في جريدة الأخبار، فسألني عمن أفضل من الشعراء فقلت: شوقي. فقال: أسألك عن الشعراء الثلاثة. فقلت: من هم؟ فقال: أبو ت والبحتري والمتنبي. فقلت: أنا أفضل الشريف الرضي على هؤلاء الثلاثة. فاستغرب وقال: هذا كلام لم يقل به أحد سواك!

وتذكرت أني كنت أتلقى مجلة النهضة النسائية وأنا في باريس سنة 1927 وفيها رسائل وجدانية عنوانها: (الرسائل الضائعة) وهي رسائل نفيسة بقلم صادق عنبر، فلما لقيته بعد حين أثنيت عليها، فقال وهو يتوجع: ليتها كانت صحيحة، فهي خيالية! فقلت: ليتك تمضي في هذا النظام البديع!

وبعد رجوعي من باريس في سنة 1931 كان أول من سأل عني، فمررت عليه في قلم المطبوعات فحبسني ساعتين ليمتع أذنيّ برسائله: (رسائل الحب بين قيس وليلى) فقلت: أهي أيضاً رسائل خيالية؟ فتنهد وقال: لو كانت تنبئ عن وجد دفين لما كان جسمي أضخم جسم في هذه البلاد؟ فنصحته بتكلف العشق ليخف وزنه فيمسي وهو فتى رشيق؟

وتذكرت أني أردت مداعبته في جريدة البلاغ سنة 1935 فذهب إلى صديقي الأستاذ كامل كيلاني وقال له: قل للدكتور زكي مبارك: إن صادق عنبر لن يقرأ البلاغ ولن يعرف ماذا يقول؛ فليثق حضرته بأن الأرض لن تُزلزل تحت قدميّ، ولن يتقوض ماضي صادق عنبر لأن زكي مبارك يهجم عليه في جريدة البلاغ!

وتذكرت والدمع يملأ عيني أن الأستاذ محمد علي الطاهر أراد أن يحتفل بسفري إلى العراق فدعاني إلى الغداء عند العجاتي مع جماعة من أهل الأدب والعلم والبيان، كان فيهم الأستاذ صادق عنبر، ولكنه يومئذ لم يشترك في أطايب الحديث، فهل كان انتهى من دنياه؟

يرحمك الله يا صديقي، ويرحم عهدك في جريدة اللواء، يوم كان أكثر كتاب اليوم أطفالاً يلعبون!

الشجي يبعث الشجي!

هل أستطيع أن أنتهز هذه الفرصة فأدون في هذه المذكرات حادثة عجزت عن تدوينها منذ أشهر طوال؟ هل أستطيع أن أقول بصراحة إنني كنت من أشد الناس ارتياحاً إلى اصطخاب الجدل السياسي في مصر؟ لقد آن لقلبي أن يفصح عن بلائه المكنون. إن الجدل السياسي في مصر كان نعمة وارفة الظلال لأنه استطاع أن يشغل صديقي الأستاذ عباس الجمل عن أفدح نكبة أصيب بها في دنياه، وهي اختصار الغصن المطلول الذي أسمه طاهر عباس الجمل الطالب بكلية الحقوق

آن أن أصرح بأن هذا الأديب المفقود كان يحفظ ديواني، وأنه تفضل فأسمعنيه قبل أن يذهب إلى دمياط بيوم واحد. آن أن أصرح بأن هذا الشاب كان يراني أكرم أصدقاء أبيه، وكان يرى من البر أن يحفظ أشعاري ويقتني مؤلفاتي. آن أن أبكي هذا الشاب النبيل الذي كان أطهر ضحية ظفرت بها الأمواج

لقد حضرت الذكرى الأخيرة من ذكريات سعد زغلول وكان مجلسي في السرادق يواجه مجلس النقراشي باشا فلم أسلم عليه؛ وظن بعض الحاضرين أنني خشيت أن يكون في السلام عليه ما ينقض مودتي للنحاس باشا. فهل أستطيع أن أنص في هذه المذكرات على أنني لم أخف يومئذ إلا أن يقع بصري على الأستاذ عباس الجمل فأذكره بتلك المصيبة التي تذيب لفائف القلوب؟

كان طاهر الجمل لا يلقاني في الطريق إلا دعاني إلى رؤية منزلهم الجديد في مصر الجديدة، وكان يغريني فيقول: إن لونه كالشليك!

ولكني لم أطعه ولم أر المنزل. وما أظنني سأراه في بقية حياتي، لأن جزعي على طاهر خليق بأن يقتلني إذا رأيت ما كان يهواه في دنياه

أخي الأستاذ صادق عنبر

أرأيت كيف كانت مصيبتي فيك باباً من البلاء!

إن طاهراً في نضارته كان مثلك في ذكائك؛ وعبقرية النضارة لا تقل روعة عن عبقرية الذكاء. وأنت قد تجد من يحبر الرسائل الطوال في الثناء عليك، ويقيم لك حفلات التأبين؛ أما طاهر الجمل فيستصغر ناس قدره، لأنه كان طالباً بالسنة الثالثة بكلية الحقوق، فلم يبق إلا أن أقف وحدي لبكاء تلك الزهرة النضيرة التي اقتطفها الموت في شاطئ دمياط

وما يؤذيني وأنا أكتب هذه الكلمات إلا أن تحمل نسائم الهواء إلى الأستاذ عباس الجمل أنني فكرت في طاهر، فيتذكر أنني ما عزيته فيه، فيتجدد عتبه على صديقه القديم، أو يؤذيه أن يتذكر ابنه بعد تناس؟ ولكن كيف يتناساه بعد أن نعم بوجهه وروحه سنين وسنين، وأنا ما نسيته مع أن بصري لم يقع على وجهه الجميل غير مرات؟

يا طاهر! اذكرني عند ربك، وقل إن في سكان الأرض ناساً يحفظون الجميل!

وقضيت تلك الليلة وأنا مؤرق الجفون؛ وزاد في الغم والحزن أن الوهم خيل إليّ أن صادق عنبر قد يكون مات بسبب ليلى، مع أن ليلاه خيالية، فكيف يكون مصيري وليلاي امرأة رخيمة الصوت ساحرة العينين تقيم بشارع العباس بن الأحنف في بغداد؟!

وفكرت ثم فكرت، والشجون من جملة الأرزاق!

ولكن وقع حادث طريف خفف ذلك البلاء:

فقد صمم سعادة وكيل وزارة المعارف العراقية أن يزورني في منزلي ليؤدي واجب التحية لرجل هجر وطنه وأهله ليتشرف بخدمة الأدب العربي في العراق؛ وكانت زيارته في الليل، فراعه أن يرى الظلام يغمر السلالم والدهاليز، فاستشاط غضباً وقال: كيف يجوز لصاحب هذا المنزل وهو عضو بمجلس النواب أن يهمل الإضاءة الواجبة، وهو يعلم أن من سكان منزله صاحب النثر الفني؟ سأعرف كيف أحاسب ذلك النائب وكيف أقهره على تعميم النور في دهاليز ذلك البيت؟

فقلت وأنا أتخوف العواقب: أنا مطمئن إلى هذا الظلام يا سعادة الأستاذ!

فقال: وأنا أخشى أن تشكونا إلى مجلة الرسالة أو جريدة البلاغ ولم يمض يومان حتى نفذ النائب المحترم ما أراد سعادة الوكيل؛ ولكن ظمياء استرابت بهذه الأنوار ورفضت دخول البيت!

- ماذا تخافين يا ظمياء؟

- أخاف الأقاويل والأراجيف

- من المفهوم أنك وصيفة ليلى، وأني طبيب ليلى

- هذا كلام لا يصدقه غير المطلعين على ما جرى في هذا الشأن من المخابرات بين الحكومة العراقية والحكومة المصرية

- والجمهور؟

- أترى الجمهور يصدق حقيقة أنك جئت لمداواة ليلى المريضة في العراق؟

- خبر أسود!

- خبر أسود، خبر أبيض، خبر بنفسجي، خبر عنابي، خبر برتقالي، خبر بني، خبر خمري، أنا لا أدخل هذا البيت في هذه الأنوار وكل سكانه يعرفون أنك رجل وحيد

- نعم، أنا رجل وحيد

- وحيد، أعني تعيش وحدك

- مفهوم، يا ألأم النساء في بغداد

- إيش لون؟

- لا شيء، أقول إنه لا موجب لهذا التخوف، فأنا طبيب ليلى وأنت وصيفة ليلى

- اسمع يا دكتور، أنا أثق بأمانتك، وليلى لم تنهني عن التودد إليك، ولكني لا أقبل أن أكون مضغة الألسنة في هذا الخان

- ومن الذي سيعرف مثلاً أنك ظمياء؟

- يجب أن تفهم أنك في بغداد!

- باسم الله الحفيظ!

- أسمع يا دكتور! يظهر أنك رجل طيب أكثر مما يجب. إن التعرض لأقوال الناس كالتعرض لأقوال الجرائد؛ وربما كان كلام الجرائد أسلم عاقبة من كلام الناس، لأنك تستطيع أن تكذب ما تنشر الجرائد من الباطل فتدفع ما تؤذيك به من بهتان؛ أما كلام الناس فلا سبيل إلى دفعه لأنه ينتقل من أذن إلى أذن ومن لسان إلى لسان، ثم لا تمضي غير أيام حتى يأكل لحمك المفترون، ويأثم بسببك الأبرياء

- وماذا أصنع يا ظمياء؟

- ارحل عن هذا البيت

- وكيف بعد أن تكلف صاحبه ما تكلف في تبديد الظلمات؟

- اختلق سبباً من الأسباب

- أختلق؟!

- الاختلاق مما يجوز في بعض الأحيان

وعندئذ تذكرت أن الأستاذ بهجة الأثري كان اقترح على صاحب البيت أن ينظم الحمام ولم يفعل؛ فطمأنْتُ ظمياء. ومضيت فقضيت معها السهرة في بيت أمها، وهو منزل صغير في درب ضيق لم أسأل عن أسمه، وهو درب يشبه ما يسمونه في مصر: شق الثعبان وفي صباح اليوم التالي قابلت حضرة النائب المحترم وذكرته باقتراح حضرة الأستاذ بهجة الأثري، فأراد أن يتحلل من الوعد فتكلفت الغضب وقلت في سخرية مصطنعة: كذلك تكون وعود النواب!!

ولم تمض غير ساعات حتى انتقلت إلى منزل آخر في شارع السموءل

ولكن كيف انتقلت بهذه السرعة في يوم واحد؟

ذلك أمر كان يعجز عنه السنهوري والزيات وعزام

والواقع أني رجل خطر جداً، فقد أمسيت أعرف بغداد كما أعرف باريس؛ ومعرفتي بهاتين المدينتين تساوي جهلي بمدينة القاهرة التي لا أعرف منها غير ثلاثة أحياء. أما الإسكندرية فلا أعرف منها غير الشاطئ الذي تعطره أنفاس الملاح في الصيف

ولكن لماذا اخترت شارع السموءل؟

لأنه شارع البنك وجميع سكانه من أهل المال، وأهل المال في الأغلب لا يعتدون على الأعراض، وإنما يعتدون على الجيوب. فالشرطة في مثل هذا الشارع لا تفكر في الفجرة وإنما تفكر في اللصوص، وكذلك تعودني ظمياء بلا تهيب، لأن المآثم في هذه الجادة قليلة الخطورة بالبال، وذلك كل ما أتمناه للسلامة من أهل الفضول

وقد عز عليّ أن يتطاول بنو إسرائيل على اسم السموءل فيسموا به شارع البنك؛ وكان السموءل على يهوديته عربياً سخي اليدين، فما كان ضرهم لو نطقوا أسمه على طريقتهم فقالوا (صمويل). ثم تذكرت أن السموءل كان أقدم من عبر عن ضمائر البنوك حين قال:

وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول

فالبنك هو الذي ينكر ما تقول، ولا تستطيع أن تنكر ما يقول، فهو الفيصل في التصحيح والتزييف

ولعل انتقالي إلى شارع السموءل يدخل على طباعي بعض التعديل. ولعلني أكتسب شيئاً من أخلاق بني إسرائيل، فان الحب يبدد ما اجمع من المال. أليس من السفه أن أراني مسئولاً عن طوائف من البيوت تُسدل ستائرها على طوائف من الوجوه الصِّباح؟ وهل رأى الناس حالاً أغرب من حالي وأنا أنفق على بيت في النمسا منذ سبع سنين لأن فيه فتاة جميلة كانت ترافقني في السوربون؟ أمري إلى الهوى!

تركت أول منزل سكنته في بغداد. ويا حسرة القلب على فراق ذلك المنزل الجميل! فقد كان صورة صحيحة للمنزل الذي كنت أسكن فيه حين كنت طالباً بالأزهر الشريف. كان صورة لربع يعقوب بالغورية، على أيامها السلام! وكانت جاراتي في ذلك الربع من الغيد الحسان، وكان فيهن اسرائيلية تأتمنني على كل شيء وتقول: الشيخ زكي مسلم ولكنه ابن حلال

وكنت حقاً ابن حلال. كنت مستقيماً أؤدي الفرائض وأقرأ الأوراد، وما تغير حالي إلا منذ استطعت أن أقول: بونجور مدموازيل! بونسوار مدام!

لم أفارق منزلي في شارع الرشيد بدون حسرة لاذعة، فقد أقمت فيه ثلاثة أشهر أنشأت فيها تسعمائة صفحة، واستقبلت فيه ظمياء تسع مرات، وهو يذكرني بمأواي القديم في ربع يعقوب الذي ألفت فيه كتاب الأخلاق عند الغزالي، واستقبلت فيه الشيخ الزنكلوني والشيخ عبد المطلب؛ ويذكرني بأول منزل سكنته في مصر الجديدة وهو الذي ألفت فيه كتاب التصوف الإسلامي، واستقبلت فيه الدكتور طه حسين والمسيو لالاند والمسيو ماسينيون؛ ويذكرني بغرفتي بشارع أراس في باريس، وهي الغرفة التي ألفت فيها كتاب النثر الفني، وسمعت فيها أنغام اللغة الفرنسية كما ينطقها بناتها، وكما يلحن بها الإنجليزيات والأسبانيات والنمسويات والألمانيات، ولا سيما الشقراء التي ما كانت تتكلم بغير الغناء:

هل الله عافٍ عن ذوب تسلَّفتْ ... أم الله إن لم يَعْفُ عنها يعيدها؟

أمري إلى الهوى!!

لقد انزعج صاحب المنزل حين رأى الحمالين من الأكراد ينقلون أثقالي، وبالغ في التلطف ليردني إلى المنزل. ولكن هيهات، فأنا طبيب أفسده الأدب والطبيب الفاسد لا يطاق

أنا أعرف أني خاصمت نائباً، ولكن يعزيني أن نواب العراق لا يلتفتون إلى المسائل الشخصية، فلن ينالني شر من هذا النائب على الإطلاق. وسأرجو الأستاذ معروف الرصافي أن يصلح ما بيني وبينه إن رأيت ما يوجب ذلك. . . وهل من الكثير أن أخرج على أصول الأدب والذوق في سبيل ظمياء؟ إن هذه الوصيفة تعرف جميع أسرار ليلى، وهي أيضاً ستحدثني عن درية. ويا لوعة القلب من طيف درية! فهل يتلطف الحظ فيمتعني بهوى امرأة تحمل هذا الاسم الجميل؟!

إن أحزاني لا تحملها الجبال، ولكن الله بعباده رؤوف رحيم؛ فهو يسوق إليّ موجبات الأبتسام، أنا الرجل الحزين الذي لم يعرف قلبه الفرح منذ سنين، وكيف أفرح وقد طلبني أبي يوم موته أكثر من خمسين مرة فلم أكد أصل إليه حتى بكته النائحات؟

انتظرت ظمياء في المنزل الجديد وأنا محزون، وأشهد أني مُكره على تأدية هذه الخدمة الوجدانية، فما أعرف كيف يصير حالي مع ليلى، ولعلها تُعافَى ويمرض الطبيب!

ودخلت ظمياء وهي تُرغي وتُزبد

- هل عرفت ما صنعت المرأة جميلة؟

- ماذا صنعت؟

- لقد مزقت قمصانك بعد أن غسلتها وكوتها

- عجيب! ولماذا؟

- لأنها قرأت في مجلة الرسالة أن أسمها جميلة، واسمها الحقيقي هو. . .

وعندئذ ضحكت ضحكة قوية كادت تمحو سطور الأحزان من القلب العميد

إن تلك المرأة لم تعرف إحساني إليها بتلك التسمية، فقد خلعت عليها اسماً أحبه أصدق الحب، ورحمتها من الاسم الذي كانت تحمله، لأنه يقربها من شيخ أبغضه أشد البغض، ويكفي أن يكون أسمها واسمه مبدوءين بحرف الحاء

تلك امرأة حمقاءّ! ولكني لن أنسى معروفها عندي، فقد كانت أول امرأة خدمتني في بغداد. ولو رآها الجاحظ لصاغ لها عقود الثناء

- ظمياء

- نعم يا مولاي

- لا أريد أن أسمع اسم هذه المرأة مرة ثانية، ولا أحب أن أراها بعد أن مزقت قمصاني

- وأنا أكره لسيدي الطبيب أن يتصل بهذه المرأة فقد بدأت تغتابه منذ يومين

- تغتابني؟ وما عساها أن تقول؟

- تقول إنك تحب ليلى

- أنا أحب ليلى؟ وهل جننت حتى أحب امرأة عليلة لا تملك من شواهد الحياة غير صوت بَغوم وطرف يشيع فيه التكسر والنعاس؟

- إيش لون؟

- ما أدري يا ضمياء

- الأفضل أن نعود إلى قصة عبد الحسيب

- أو قصة درية

- قصة عبد الحسيب

- قصة درية، قصة درية

- وهل تكره قصة عبد الحسيب؟

- قصي على حديث الأخوين: درية وعبد الحسيب

- وأخذت ليلى تقلب الجرائد بحضور السيدة نجلاء فرأت في السياسة الأسبوعية مقالة في رثاء أستاذ مستشرق أسمه بول كازانوفا كتبها أستاذ مستغرب أسمه طه حسين. وتدخل الشيخ دّعاس ليشرح المراد من الاستغراب والاستشراق

(للحديث بقايا)

زكي مبارك