مجلة الرسالة/العدد 242/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 242/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 242
المسرح والسينما
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 02 - 1938



هنري إيرفنج

1838 - 1938

بقلم محمد علي ناصف

منذ مائة علم في مثل هذا الشهر من اليوم السادس على

الترجيح كان مولد الطفل جون هنري بردريب، ولم يكن بعد

(هنري إيرفنج)

ولد في سومرست، وقضى سنيه الأولى الباكرة في كورنوول. وفي الحادية عشرة انتظم بإحدى مدارس التجارة بلندن وتركها بعد سنتين ليلتحق بأحد مكاتب المحاماة حيث كان من المأمول أن يكون كاتباً نابهاً. وبعد عامين آخرين (1853) حدث له وهو في الخامسة عشرة مثل ما حدث للممثلين العظيمين تالما وكين فظهرت دلالات ميوله إلى المسرح

وقد أشبع هوايته بعض الشبع بتعرفه بعد عام إلى وليام هوسيكنز الممثل الذي تلقى عليه هنري أول دروسه في التمثيل فيما بين الثامنة والتاسعة من صباح كل يوم قبل ذهابه إلى العمل.

ظل هنري طوال مدة عمله بمكتب المحاماة نهبا موزعا بين وساوس أحلامه وزخارفها، بين جحيم المكتب ونعيم المسرح، فكان يجلس إلى مائدة الكتابة ينسخ الصحائف ويدون الأرقام. . ولكنه كثيراً ما كان يحس فجاءة بجمهور كبير من حوله، من الحسان، ومن الكبار، يتطلع إليه، ويصفق له، فيهيم في أودية الخيال ويقفز من لباس إلى لباس، ومن مكان إلى مكان، ومن شخص إلى شخص، ومن عصر إلى عصر. . . ذلك نعيم المسرح (فترة راحة صغيرة)

(أكتب هذا ثانية يا سيد برودريب لو تفضلت)

(شخص أقبل ثم ذهب. سكون مخيم قابض)

وسرعان ما يهبط السيد برودريب من حالق. سرعان ما تتبخر الأحلام وتتجسم الحقائق، وتتكدس الأوراق أمامه، وتتراجع الكلمات الحلوة من فوق شفتيه لينطق بجملة واحدة مريرة. . . (هذا جحيم المكتب)

ولم يطل تردده بين نعيمه وجحيمه. فذات مساء في أواخر يولية سنة 1856 كان وليام هوسكينز جالساً أمام نار المدفأة مستغرقاً في بعض شئونه، وإذا بطرق متواصل على بابه لم يدعه طويلاً رب الدار الذي أسرع نحو الباب، فإذا به يجد الطارق تلميذه هنري، وقد بدا مشرق الوجوه بنور باهت هادئ أوضح ما يرى على وجه تخلص صاحبه من عذاب طويل.

علم الأستاذ أن تلميذه قد انتهى من الاختيار، وأنه اختار النعيم الذي ارتآه

وقد ودعه هوسكينز في ذات الليلة بعد أن سلمه خطاباً فضه هنري في الطريق فطرب من كلمات الثناء التي قدمه بها معلمه إلى ا. د. دافيز بمسرح الليسام بسندرلاند. ولم يكن في تقدير هوسيكنز أو هنري أو دافيز أو أي أحد أن هذا الزائر الجديد سيصبح مدير الليسام وأحد قادة المسرح في جميع العصور

وفي 18 من سبتمبر عام 1854 رفع الستار لأول مرة على هنري كممثل محترف. وكانت كلمات المسرحية الأولى (إنا نبدأ المسعى). . . ولم تكن بداءة مشجعة لهنري، فقد نصحه بعض الناقدين وقتئذ بمغادرة المدينة على أول باخرة فاستجاب إليهم، ولكن ليواصل جهاده في أدنبره حيث قوبل في أول الأمر بالصفير والهزء كممثل طريد، ولكنه سرعان ما نقض هذا الحكم، وسرعان ما أصبح نجم الليسام وأحب ممثل إلى الجماهير

ولقد مثل في هذه الفترة 429 دوراً مختلفاً في 782 يوماً، وهذا رقم قياسي في تاريخ كبار الممثلين. مثل في جميع أنواع المأساة والملهاة: مثل الذئب في وأوجور في - وكاسيو في وسيلفيو وأورلاندو في وسبعة أدوار مختلفة في

وفي عام 1871 ظهر لأول مرة على الليسام بلندن وصار من ذلك الحين (هنري إيرفنج)

وقد عزى إلى إيرفنج أنه لم يكن يحفل باختيار ممثلين تتكافأ صفاتهم مع صفته ومكانته، حتى قال برنارد شو في إحدى مقالاته في النقد سنة 1897: (إن المرء في الليسام معرض للجنون في الفترات التي يخلو المسرح فيها من هنري إيرفنج وأليس بتري) غير أن هناك من ينتحل الأعذار لإيرفنج في هذا الصدد لاشتغاله ممثلاً ومديراً ومخرجاً في آن واحد؛ فلم يكن يستطيع فوق ذلك أن يتفرغ لشئون تلاميذه وممثليه. ومن هؤلاء المدافعين عن هذه النظرية التي سافرت إلى هوليوود قريباً، وكانت في صباها من ممثلي الليسام. . .

وعلى ذكر شو نقول إنه من الكتاب القليلين الذين اجترءوا على نقد إيرفنج؛ وكان أكثر ما يأخذه عليه مسخه لشكسبير وإهماله لإبسن. ففي شكسبير كان شو يعتقد أن الجماهير تذهب لمشاهدة إيرفنج لا من أجل الكاتب الإنجليزي الكبير. وأما مسرحيات إبسن فقد كان إيرفنج يتخلى عنها لألين بتري وجنفياف وارد في الأدوار الرئيسية

ومهما قيل في إيرفنج فليس هناك من ينكر فضله بين زعماء المسرح الخالدين

ولقد قدر أخيراً لجون هنري برودريب ابن أحد فلاحي سومرست أن يلقى مضجعه الأخير في وستمنستر آبي مقر عظماء الإنجليز باسم (سير هنري إيرفنج) وأن يكون الممثل الوحيد الذي يقام له تمثال في لندن يحج إليه في السادس من هذا الشهر كبار ممثلي إنجلترا يحيون أعظم رجل عرفه المسرح الإنجليزي

محمد علي ناصف