مجلة الرسالة/العدد 244/فلسفة التربية

مجلة الرسالة/العدد 244/فلسفة التربية

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 03 - 1938



تطبيقات على التربية في مصر

للأستاذ محمد حسن ظاظا

- 11 -

(التربية مهمة دينية ورسالة مقدسة)

(هربارت)

(من يدر المدرسة يوجه مستقبل الأمة)

(بسمارك)

(أم المسائل في مصر مسألة التربية والتعليم، فلو أن كل مصري وضع في تشييدهما لبنة لأقمنا للوطن صرحاً يبقى ما بقى الزمن)

(الملك فؤاد)

1 - اليوم والغد

رأيت فيما سلف ضرورة الفلسفة للتربية، وتبينت الكثير من تلك (الأصول العامة) التي تقيم عليها الأمم الديمقراطية الحديثة تربيتها الصالحة وتعليمها السليم. والحق أن ذلك كله لم يكن غير مقدمة عامة أحببت أن أمهد بها لنقد التربية والتعليم في مصر وطننا المحبوب. فلعلك قد وعيت ما قدمت وتود صادقاً أن ترى إلى أي طريق نحن مسوقون، وأين نحن من تلك الأصول وهاتيك الفروع. ولعلك تشعر معي أن مثل ذلك الموضوع خطير كل الخطورة، ودقيق كل الدقة، لأنه وحده بيت الداء ومناط الرجاء، وأننا محتاجون فيه إلى كثير من الصراحة وسعة الصدر حتى نستطيع أن نشخص الداء على حقيقته، ونقرر الدواء الناجع والعلاج الصحيح! ثم لعلك ترى أننا اليوم في عصر جديد يتطلب منا تربية خاصة تحقق الأمل في توطيد الديمقراطية وصون الاستقلال، وبعث المجد القديم، وتزعم الشرق الحديث، وإعلاء القومية إزاء مطامع الطامعين، ومسايرة الحضارة جرياً وراء قفز المتقدمين. . .! أجل، ولعلك قد استطعت أن تتبين أن نهضتنا الحديثة ما تزال مشوبة بضعف في الخلق والتواء في الشخصية، وضيق في العقل وانحلال في الشعور، وأننا قد أصبحنا مهددين بثورتين جارفتين وقانا الله شرهما: إحداهما ثورة المتعلمين العاطلين، والأخرى ثورة الجاهلين القانعين. . .! أجل؛ ولعلك قد استطعت أن تدرك أنه لا سبيل إلى تحقيق شيء من هذه المشروعات الاجتماعية الإصلاحية الكثيرة التي يقترحها المقترحون، إلا إذا كوّنا أولئك (الرجال البواسل) الذين نستطيع أن نعهد إليهم حقاً بمباشرة تنفيذها، لأن نفوسهم قد تهيأت بالفعل لها وآمنت بها. . . وأن الدولة التي تنفق على التربية والتعليم كثيراً وتخصها بأعظم عنايتها تحيط نهضتها بكل أسباب القوة والنجاح، وتوفر على نفسها من الجهود والمشقات، والأموال والاضطرابات، ما لا أول له ولا آخر. . .

لعلك إذن تعرف ذلك كله، وتود حقاً أن تعلم أين نحن وإلى أين نسير؛ وتعجب كل التعجب من إغفال الأحزاب السياسية في هذا البلد لقضية التربية والتعليم كجزء من برامجها لا يتجزأ، وكخطة في الإصلاح جوهرية لها فسلفتها المعقولة وحدودها المرسومة، وكوسيلة لتحقيق الأماني القومية تغني عن التشريع المزعزع، وتمهد لنتائج وأحوال مضمونة كل الضمان ومؤكدة كل التأكيد. . .!

أجل! ولعلك تعجب كذلك من ندرة البحوث التي يقدمها الكتاب والمحاضرون للرأي العام فيما بين الآن والآخر متعلقة بذلك الشأن، ودائرة على الخصوص حول التجريح وإظهار العيوب!! كأنما الموضوع مقدس لا يجوز الاقتراب منه! أو كأنما هو ضئيل الشأن في حياتنا المادية والمعنوية فلا ضرورة للاهتمام به!! أو كأنما هو سر من أسرار الدولة لا داعي لإشراك الرأي العام فيه!!

أجل، ولعلك تقول معي الآن إن النهضات الكبرى التي ازدانت بها صفحات التاريخ لم تقم إلا على أساس من النقد الذي هدم البالي وأقام الجديد، وأننا في نهضتنا وظروفنا الحاضرة محتاجون كل الاحتياج إلى هذا النقد الحر النزيه، وإلى سعة في الصدر تسمح به وتشجعه وتقابله بالكثير من الهوادة والرفق، وتصفح عما قد يتعرض ل من خطأ وشطط. . .!

قالوا وما زالوا يقولون: لنستر العيوب لنستر العيوب! وأقول وما زلت أقول: وماذا بعد ستر العيوب؟ وما جدوى السير في طريق شائك نهايته تعسة إذا كانت القافلة التي تسير فيه هي قافلة الأمة؟؟ على أني لست أذهب في التشاؤم إلى هذا الحد فأدعي أن تعليمنا شائك كله ونهايته تعسة كلها؟! بل إنه لمن الخير أن أسجل بمداد الفخر أننا قد بدأنا نلمس الضعف منذ أعوام ونعمل على إصلاحه، فراحت وزارتنا تطلب رأي الخبيرين، وراح أحد وزرائنا يكتب بنفسه في التعليم لثانوي، وأقيمت بالفعل مدارس جديدة، وأدخلت إصلاحات مهمة وخطيرة. هذا إلى ما يدرس الآن تمهيداً لاعتماده وتنفيذه. . . وتلك ولا ريب باكورة طيبة تذكر بالشكر لرجال المعارف ويرجى منها خير جزيل. وما دام الأمر كذلك فلا مندوحة لنا كرجال تربية من معاونة الوزارة في مهمتها بتقديم آرائنا وتجاربنا وكل ما نملك من قول أو فعل يحقق للوطن أمانيه وينجيه من عيوبه وأمراضه. . .

فترى ما هي هذه العيوب وتلك الأمراض؟ كل منا يستطيع أن يذكر الكثير من ذكرياته كطالب ومن تجاربه كمعلم، وكل منا يستطيع أن يقرر أن ماضينا كطلبة مليء بألوان من التربية لا نتفق وتلك الأصول التي قدمنها في كثير ولا قليل، ولا تصلح إلا لأن تكون ذكريات مرة فيها ما يضحك ويبكي ويؤلم ويؤسف، وكل منا يستطيع أن يقرر أن حاضره كمعلم مشوب بأساليب من النقص بعضها هين يسير وبعضها ثقيل عسير. ومن اشتغل منا (بالتعليم الحر) أو درسه عن كثب يستطيع أن يقدم للقراء قصة فيها من المآسي والفواجع ما يثير التقزز والاشمئزاز ويبعث على الأسف والرثاء؛ ولقد كنت أعد نفسي وأنا - أكتب مقدمتي للقراء - لمثل هذا النقد البريء، فوقعت في يدي رسالة حديثة صغيرة بالإنجليزية لأحد أساتذة المعهد وهو الدكتور (جاكسون)، تناول فيها بعض نواحي التربية في مصر بالنقد الحصيف والاقتراح الصائب، فأعجب بها كل الإعجاب، وشعرت أنها قد ذكرت الكثير مما كنت أريد وزادت عليه، ولذلك لم أر بداً من تلخيصها والتعليق عليها وتقديمها لقراء العربية كنظرة عامة جادت بها قريحة إنجليزي خيِّر خدم التربية في مصر ودرسها عن كثب، وأبى إلا أن يرد لهذه البلاد العزيزة فضلها عليه بشيء من النقد والإرشاد

فإلى اللقاء إذاً حيث نستعرض هذه النظرة ونتبعها بأخرى. وإلى اللقاء حيث أسمعك ما قد يصلني من إجابات حضرات رجال التعليم من مفتشين ونظار ومعلمين على الأسئلة الآتية:

1 - ما هي أهم عيوب التربية المصرية في العصر الحاضر؟

2 - وما هي الأغراض التي يجب أن تتوخاها التربية المصرية حتى تحقق للوطن أمانيه الجديدة؟

3 - وماذا يروقك في ماضي التربية وحاضرها؟ (يتبع)

محمد حسن ظاظا

مدرس الفلسفة بشبرا الثانوية الأميرية