مجلة الرسالة/العدد 246/خالد بن الوليد وأمير حمص

مجلة الرسالة/العدد 246/خالد بن الوليد وأمير حمص

مجلة الرسالة - العدد 246
خالد بن الوليد وأمير حمص
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 03 - 1938



رواية شعرية في فصل واحد

بقلم السيد محيي الدين الدرويش

(قواد العرب المسلمون مجتمعون للمداولة في حرب الرومان)

أبو عبيدة:

أرى الرومان قد حشدوا جنوداً ... يضيق السهل عنها والفضاء

كأن الليل يزحف وهو داجٍ ... ونحن على جوانبه ضياء

ولولا الصبرُ والإقدام فازت ... جيوش الشرك وانكشف الغطاء

عمرو:

صدقت (أبا عبيدة) ما ونينا ... ولم يُفْلَلْ لضرمتنا مضاء

وكنا كالصواعق غاضبات ... تميد الأرضُ منها والسماء

ولكن كان جمعهم عديدا ... فلم يوهنْ صفوفهم اللقاء

ولو أوتوا قلوباً لا تبالي ... لحاق بقومنا منهم بلاء

رأيت الجند بالعزمات يسمو ... وحقَّ له مع اليأس الشقاء

و (خالد) لِمْ تأخر؟

أبو عبيدة:

لست أدري ... سأصبر علَّ يحمله المساء

أتاني من (أبي بكر) كتابٍ ... فزال الكرب عني والعناء

يبشرني بمقدمه نصيراً ... بروحي منه ذّياك السناء

هو البطل الذي قهر الأعادي ... وليس له سوى التقوى وقاء

تعالى الله حين مضى سريعاً ... ووجه الأرض تخفيه الدماء

رأينا كيف تُنْزَعُ المعالي ... ويرفع في السماء لنا لواء

(تسمع ضجة)

ماذا؟ هتاف؟ ما لخبر؟ عمرو:

لعل (خالداً) حضر

أبو عبيدة:

تبينوا ماذا جرى ... لم يبق لي من مصطبر

(تهليل من الدخل ونشيد من قبل القادمين)

الجنود:

جردوا البيض وسيروا للكفاح ... فمنادي الحرب بالأعراب صاح

إن نيل المجد في الدنيا متاح ... لشعوب زانها العزم الخطير

سوف يلقى (الروم) أنواع البلاء ... من كماة نافسوا الشهب علاء

نحن سر المجد بل رمز الإباء ... لا نبالي ما حيينا بعسير

أنتم الأبطال آساد العرين ... من رأى الآساد يوماً تستكين

فاشحذوا العزم ولبوا مسرعين ... لبناء المجد والعز الأثير

(خالدٌ) قائدنا يوم اللقاء ... ولنا من سيفه أقوى مضاء

زلزل الفرس فمغناهم خلاء ... ومضى في نهجه غير حسير

خالد:

سلام عليكم ليوث العرين ... ونسل الكرام من الفاتحين

أبو عبيدة:

عليك السلام زعيم النضال ... وسيف الإله على الكافرين

أطلت علينا الغياب فأمست ... تسافر نحو (العراق) العيون

علام التأخر؟

خالد:

شأنٌ عجيبٌ ... وشكٌ تغلغل فيه اليقين

أبو عبيدة:

فديتك هات الحديث العجيب ... وأدل برأيك للمسلمين

خالد: الله أكبر تم الفتح وارتفعت ... على (العراق) بنود النصر والظفر

خضعنا معارك يرتاع الحديد لها ... حيث المنية لا تبقي على بشر

فاهتزت الأرض لما ثار ثائرنا ... وأصبحت دولة الأوثان في سقر

رام الأعادي بنا كيداً وما علموا ... أن العروبة لا تخشى من الخطر

وعدت نحوكم بالجيش مرتقياً ... صحراء تزخر بالويلات والغير

لا ماء فيها ولا رغد يلوح بها

أبو عبيدة:

ماذا شربتم إذن؟

خالد:

كنا على حذر

أعطشت أنيقنا ثم ارتوت عَلَلاً ... وكنت أنحرها في وقدةِ السُّعُر

سريت خمس ليال ما شكا تعباً ... منا امرؤٌ

أبو عبيدة:

يا لكم من فتية صُبُر

خالد:

أصليت (بهراء) حرباً فاستكان لنا ... قوم سما مجدهم في سالف العُصُر

و (مرج راهط) قد ريعت فوارسه ... من بأسنا وكذا (بصرى) على الأثر

أبو عبيدة:

يحيا البطل سيف الله

الجميع:

يحيا يحيا يحيا يحيا

خالد:

نبئوني عن حالكم إن قلبي ... يتنزى شوقاً إلى الهيجاء

أبو عبيدة

قد قهرنا الرومان في (أجنادين) ... وأضحى (اليرموك) مثوى العناء داهمونا بجيشهم فغدونا ... نتراءى كالشامة البيضاء

قد قسمنا جنودنا وصمدنا ... فملأنا الوهاد بالأشلاء

خالد:

ما أراكم قد أصبتم بانقسام ... إنما الانقسام رأس البلاء

أجمعوا أمركم وكونوا بناء ... هازئاً بالعواصف الهوجاء

إنما الفوز للقوي فسيروا ... نبتن العز في ذرا الحوزاء

وامهروا المجد بالدماء تفوزا ... في جنان الخلود بالآلاء

السلاح السلاح يا قوم إني ... سوف أغدو أمير هذا اللواء

أبو عبيدة:

يحيا القائد يحيا خالد ... الجميع: يحيا يحيا يحيا يحيا

(يذهبون إلى الحرب وتنشب المعركة ثم يعود خالد بعد جلاء العدو)

خالد:

لك الحمد رب الكون تم لنا النصر ... وقام عمود الحق وانقمع الكفر

ورف على الأكوان نور (محمد) ... فأشرقت الدنيا ولاح بها الفجر

فعاد لنفسي زهوها ورجاؤها ... وقرت بي العينان وابتسم الثغر

تمنيت أن ألقى الشهادة راضياً ... ولله أمر لا يغالبه أمر

وأوردت نفسي مورداً دونه الردى ... فأخطأني وا لهفتا ذلك الأجر

عجبت من (الرومان) هانت نفوسهم ... فلم يثبتوا عند اللقاء وهم كثر

لئن هيمن الضعف المهين على امرئ ... فأجدى لهذا المرء من عيشه القبر

(دمشق) عروس الشام دانت لحكمنا ... وأرجو (بحمص) أن يطالعنا النصر

جندي:

سيدي قد أتى من الرومان ... فارس لا تملُّه العينان

يرتجي أن يراك

خالد:

أدخله حالاً ... لنرى ما يرومه من شان (يدخل أمير حمص)

الأمير:

أيها القائد رفقاً بِشَجٍ ... فلقد كنت نصير البائسين

إنني سيد (حمص)

خالد:

مرحباً ... بفتى (غسان) وضاح الجبين

أوضح الأمر وقل لي ما الذي ... تشتكيه كي أبيد الغاشمين

صلة تجمعنا من (يعرب) ... لم يبدد عقدها مر السنين

الأمير:

قد أتيت اليوم أشكو ملكا ... آثر البغي وراع الآمنين

قيصر الروم (هرقل)

خالد:

ويله ... سيرى في الغد عقبى الظالمين

الأمير:

قد بنى في (حمص) قصراً شامخاً ... يتعايا عن ذراه الناظرون

دوحة (الميماس) تهفو حوله ... ومياه النهر تروي الظامئين

ومضى يمعن في آثامه ... لا يبالي بانتقاد اللائمين

فاستثارت (حمص) من أعماله ... كيف ترضى (حمص) فعل الجاهلين؟

إنما (حمص) منارٌ للألى ... عزمهم في الرَّوع يأبى أن يلين

لم يكن يدري (هرقل) أننا ... لا نبالي ما حيينا بالمنون

عرب من آل (غسان) لنا ... طأطأ الناس جميعاً خاشعين

أنتم إخواننا أهلاً بكم ... وليمت في كيده ذاك اللعين

إن يُفرق بيننا الدين فقد ... وحَّد الجنس قلوب المخلصين

قد أتينا اليوم نرجو عطفكم ... وغدونا في ذَراكم لاجئين

أنتم السادة خالد:

لا تخشى الأذى ... قد وجدت الأهل

الأمير:

دمتم فائزين

خالد:

قد نهى الإسلام عن إيذائكم=وقضى ذلك خير المرسلين

الأمير:

سوف نُمضي معكم عهداً على ... أن تصونوا دمنا

خالد:

لنا نَمين

شيعة العرب وفاء بالذي ... وعدوا لا درَّ درُّ الناكَثين

أيُّ شأن لعهود قُطعت ... ثم أضحت تُرَّهات بعد حين!

لا تغُرَّنك قصاصات غدت ... شَركاً تنصبُ للمستضعفين!

ارجع الآن (لحمص) إنني ... قد تصبَّاني لمرآها الحنين

بشر الأقوام أنا في غد ... سوف نبدو في رباكم فاتحين

(يذهب الأمير ويدخل القواد)

أبو عبيدة:

سلام يا أمير المسلمينا ... له أرَجٌ يفوق الياسمينا

عمرو:

لقد خضعت لعزتك البرايا ... ودان لك الأعادي صاغرينا

فكنت القائد النَّدْب المرجَّى ... وكنت أمامَنا حصناَ حصينا

قائد:

وكيف نخاف للأعداء بأساً ... وسيف الله والإِسلام فينا؟

خالد:

أراكم قد بلغتم فيَّ حدّاً ... تسامى فوق وصف الواصفينا ألستم عدتي عند الرزايا ... ألستم في الحوادث لي يمينا

حمدت جهادكم والهول باد ... وقد جنت بوادره جنونا

وزلزلتم صروح الكفر لما ... أتيتم كالصواعق راعدينا

تفرَّدت العروبة بالمعالِي ... سلوا الأحقاب عنها والسنينا

ألم تملأ زمازمها البرايا ... وتتركْ في الزمان لها رنينا

فويلُ للألى غمزوا قناها ... لقد سلكوا سبيل الجاهلينا

إليك (أبا عبيدة) خذ كتابا ... أتاني من أمير المؤمنينا

أتانِي ناعياً

أبو عبيدة:

من ذا توارى؟

خالد:

(أبو بكر) إمام المصلحينا

هوى طودٌ من الإسلام فابكوا ... معي الأخلاق والحلم الرزينا

أبو عبيدة:

سنذكره على مَرِّ الليالي ... ونذرف بعده الدمع السخينا

وأيُّ خليفة أضحى بديلاً ... لخير الناس أخلاقاً وديناً؟

خالد:

هو الفاروق منضور السجايا ... إمام لا يرى في الحق لينا

أناط بك القيادة فاستلمها ... فإنك كنت في الدنيا أمينا

وأعلمه بأمر الفتح حالاً

أبو عبيدة:

معاذ الله أن أنسى الجهودا

أأغدو قائد الأبطال حقَّا ... و (خالد) يملأ الدنيا رعودا

وكيف أرى البنود عليَّ تهفو ... وسيف الله قد هزَّ البنودا؟

تقدم أيها البطل المفدَّى ... فقد ذللت بالعزم الحديدا أشر للدهر يخضع للمعالي ... وأومئ للأنام تكن عبيدا

وسر بالمسلمين إلى الثريا ... فقد كنا ولم نبرح جنودا

خالد:

(أبا عبيدة) ما حاربت مرتقباً ... طيب الثناء ولم أطمح إلى الرتب

ولا صبوت إلى الدنيا وزخرفها ... ولا سموت إلى مال ولا نشب

في ذمة الله ما قدمت من عمل ... تبقى مآثره دوماً على الحقب

عساه ينفعني إما قدمت إلى ... ربي ويعصمني من سورة الكرب

بذلت نفسي قرير العين مغتبطاً ... حتى تعالى لواء العرب في السحب

ولم أكن غير جندي أهاب به ... إلى الجهاد يقينٌ غير مضطرب

والآن سيروا إلى (حمص) فإن بها ... هان العسير وتم النصر للعرب

(حمص)

محي الدين الدرويش