مجلة الرسالة/العدد 251/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 251/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 04 - 1938


1 - حياتي

بقلم موسوليني وترجمة الأديب محمد عبد الحميد

2 - جمال الدين الأفغاني

بقلم الأديب محمد سلام مدكدر

كتابان يعرضان لك سيرة رجلين أولهما خالق أمة وثانيهما باعث نهضة. وما أحوجنا أن نلم بسير الرجال في نهضتنا الحالية

نقرأ في الكتاب الأول حياة موسوليني كما كتبها بنفسه أو كما أملاها؛ وشخصية موسوليني لا شك من الشخصيات الجديرة بالدراسة من حيث كونه أحد عظماء هذا الجيل من ناحية، ومن ناحية أخرى من حيث كونه من الرجال الذين تمس أعمالهم في بعض وجهاتها مصر من بعيد أو من قريب

أجل يعتبر موسوليني مهما تكن نظرتنا معشر المصريين إلى سياسته من كبار عظماء هذا الجيل إن لم يكن في طليعتهم. فهو رجل درج في عش الفاقة، ثم كان في مستهل حياته من الأوزاع والهمج؛ ولكن كانت تتأجج في صدره شعلة الحماسة، تلك الشعلة التي لا تقوم عظمة بدونها؛ وتجهمت له الأيام وتحدته الصعاب فمضى لا يعرف سهلا ولا صعباً حتى خلق من حالة أشبه بالعدم أمة قوية تتشكل سياسة العالم الآن حسب ما تأتيه من حركات، وتضطر أعرق الأمم جاهاً وأعظمها سلطاناً أن تخفف أمامها من غلوائها، وأن تخفي سيفها وراءها وتتقدم إليها بغصن الزيتون؛ والرجل دائب العمل يأتي من ضروب النشاط والمغامرات ما يحمل حتى أكبر أعدائه على الإعجاب بمقدرته وبيقينه وبتفانيه في خدمة بلاده. . .

والفاشية نظام تردد اسمه في الشرق وأقبل على دراسته أهل السياسة وأهل الثقافة؛ وأكبر ظني أن دراسة نظام كهذا النظام لا بد أن تستند قبل كل شئ إلى دراسة حياة صاحبه، بل إن دراسة هذه الحياة أمر جوهري لمن يريد أن يعرف حقيقة هذا النظام وينفذ إلى لبه. ولئن سلمنا صاحب الدعوة قد يتعامى عامداً أو غير عامد عن بعض سوآتها، فأننا من ناحية أخرى نسلم أن صاحب الدعوة أدرى بحقيقتها وأعرف بخفاياها من سواه

لذلك أرى أن القارئ يصيب من مطالعة هذا الكتاب غرضين: معرفة موسوليني وتفهم الفاشية. وكلاهما ليس بالهين. وهو أثناء ذلك يستمتع ساعات من الزمن بتلك الروح القوية تطالعه من بين سطور الكتب، روح موسوليني، ثم بتلك الحوادث العظيمة كالزحف على روما ومغالبة الصعاب حين القيام بأعباء الحكومة؛ ثم الكفاح والجلاد للمحافظة على البنيان بعد إقامته وتدعيمه والعمل على إعلائه

من أجل ذلك أتقدم بالثناء والشكر للأديب المعرب لاختياره هذا الكتاب. أما من حيث الترجمة فليس لدي الأصل حتى أراجع عليه التعريب، ولكني أميل إلى الاعتقاد أن من يضطلع بنقل مثل هذا الكتاب الفذ، وله من شرف غرضه حافز، جدير أن يتوخى الأمانة وأن يتحرى الدقة. وأما من حيث الأسلوب فإني أجدني مضطراً أن أصارح المعرب الفاضل أني كنت أحياناً يعسر على فهم بعض الفقرات، كما كان يلتوي على بعضها كما أني كنت أقف عند بعض الكلمات التي وضعها في العربي كما هي في الأصل إذ لم يجد لها مرادفاً عربياً، ولكنه كان حرياً أن يشرح المراد منها، على أن هذا على أي حال يسير إذا قيس إلى ما بذل من جهد محمود

أتحدث بعد عن الكتاب الثاني (جمال الدين الأفغاني) وقد حببه إلي عدة أشياء: أولها أن مؤلفه الشاب الأديب محمد سلام مدكور أحد تلاميذي، حضر علي دروساً في التاريخ أيام كنت أقوم بالتدريس في الأزهر، وأشهد لقد توسمت فيه النجابة يومئذ ورجوت فيه وفي بعض زملائه الخير. واليوم أقرأ له مؤلفاً فأغتبط وأفخر، وأي شئ هو أحب إلى المدرس من أن يرى ثمرة من ثمار غرسه؟

وحبب إلى الكتاب بعد ذلك أن يضعه أحد أبناء الأزهر عن جمال الدين، فيكون الكتاب بذلك. فضلاً عن أنه علامة اجتهاد، دليل عرفان للجميل نجحوا أحد بناة هذا الجيل. ومن كجمال الدين أحق بعرفان الجميل وتخليد الذكر على يد الأزهر بين خاصة وبني مصر والعالم الشرقي عامة؟ ثم عطفي على الكتاب فوق ذلك أنه يدور حول تلك الشخصية الفذة المحبوبة، فلقد كان جمال الدين رحمة الله ورضوانه عليه قبساً من روح الشرق انبعث في ظلمة الأيام والتمع كما يلتمع الشهاب في دجنة الليل، وراح يعمل وحده ويبذر بذوره أينما حل! أجل كان جمال الرجل الذي يظهر حين تتهيأ الظروف وتصبح بحيث لا بد لها من رجل؛ واحسبني لا أغالي إن قلت إن نهضة الشرق الحديث إنما هي من صنع يده؛ ولذلك فأنا أعده من رجال العالم المعدودين إن كانت له في تاريخ العالم حركة تركت أثرها في دورانه. . .

ولقد قدم هذا الكتاب بكلمة طيبة أحد رجال الأزهر الأمائل هو: الأستاذ الجليل مصطفى عبد الرازق بك، وإني أشاركه رجاءه وعطفه على المؤلف الشاب. . .

وبعد، فقد عودت طلابي ومنهم المؤلف الذكي أن يسمعوا من كلمة الحق في جلاء، وأنا موقن أنهم اعتادوا ذلك وراضوا أنفسهم الفتية المتوثبة عليه. لذلك أصارح سلاماً في جلاء أنه كان يستطيع أن يظهر الكتاب في ثوب أجمل من هذا الثوب فالكتاب بذلك جدير. كذلك كان يستطيع أن يتدارك كثيراً من الأخطاء المطبعية لو أنه ألقى إلى عمله من الاهتمام أكثر مما فعل. فليسمع لومي على تقصيره، وليأخذ نفسه بعد اليوم بتحري الدقة والإتقان، هذا إلى أن أسلوبه وإن كان راقني في كثير من مواضعه، يتطلب التهذيب في بعض النواحي

أما عن البحث في ذاته فحسبه في هذا المجال وفي هذه العجالة أن أعلن إليه أنه جاء على خير ما يرجى ممن كان في سنة وفي مثل درجة ثقافته. وهو يبشر بالتفوق في المستقبل إن شاء الله. ولقد أعجبني أنه لا يقتصر على مجرد سرد الحوادث فانه يقف ليرينا أثر تلك الحوادث في مجرى التاريخ

أثني على مدكور وأرجو الخير منه ومن زملائه من ناشئة الأزهر الحديثين. ولعل الله يجعل منهم في غد رجالاً أفذاذاً يعود بهم الأزهر المعمور سيرته الأولى من الزعامة في حياتنا الفكرية فذلك لعمري خير ما نرجو وما نرضى.

الخفيف