مجلة الرسالة/العدد 251/ليلى المريضة في العراق

مجلة الرسالة/العدد 251/ليلى المريضة في العراق

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 04 - 1938


للدكتور زكي مبارك

- 16 -

خرجت من منزل ليلى نشوان، نشوان إلى حد الجنون. والمرء في العراق لا يكون إلا في حالين اثنين: حال تحدثه فيه النفس بالغرق في دجلة من الفرح، وحال تحدثه فيه النفس بالغرق في دجلة من الغيظ. فالمرء في العراق إما أن يكون سعيداً كل السعادة، وإما أن يكون شقياً كل الشقاء

وكذلك حال ليلاي، فهي قد ترق وتلطُف فأدخل دارها بُعَيْد الغروب ولا أخرج إلا قُبَيْل الشروق؛ وقد تقسو وتعنف فتطردني من دارها بلا ترفق ولا إشفاق

خرجت من منزل ليلى نشوان، فقد رضيتُ عنها ورضيت عني، ولكن الحادث الأخير ترك في القلب عقابيل، فأخذت احترس، وهل يتفق الحب والاحتراس؟

نعم يتفق الحب والاحتراس، ولكن يضيع النعيم فالمحب المحترس يثق بنفسه، ولكنه لا يثق بمن يحب. . . وليلى بدأت تعد ذنوبي ولكن من أي تاريخ؟ منذ اليوم الذي اطمأنت فيه إلى عودة العافية!

فمن أنا في دنياي؟ من أنا في دنياي؟

لقد كنت أرجو أن تعمى ليلى عن عيوبي، ولكن هكذا كنت في حياتي، فما أذكر أبداً أني عانيت الظلم إلا على أيدي ناس أحببتهم واستقتلت في الدفاع عنهم. كنت كالسيف يلقيه صاحبه بعد أن يفله القتال. كنت كالغصن المثمر يؤخذ للوقود بعد إنتهاب ما يحمل من ثمرات. كنت وكنت، فما أشقاني وما أعظم بلائي!

كذلك دار رأسي وأنا ماض إلى قطار البصرة. وما أدري كيف صاغ الله عقلي على هذه الصورة، فعقلي لا يغفو أبداً؛ وهو دائب على الدرس والتحليل، وليس من الزهو أن أذكر أن أعلم ما يساورني من المعضلات الفلسفية أهتدي إلى حله في أحلامي، والمسيو ماسينيون يذكر ذلك، فقد كانت لي معه مواقف يوم كنت تلميذه في باريس

أمسيت أحقد على ليلى، ولكن لا بأس، فقد وثقت بي، واطمأنت إلي، فأخذت تصادق من أصادق، وتعادي من أعادي؛ وليس ذلك بالقليل، فما الذي يمنع من أن أحتمل ما يثو صدرها أحياناً من براكين؟

أليست عراقية؟

بلى، هي عراقية

وأنا رأيت الأعاجيب في العراق

فمنذ ليال أويت إلى فراشي في منتصف الليل والسماء صاحية، ثم انتبهت على الروع والفزع، فقد كان المنزل ترج سقوفه وحيطانه بعنف، فأوقدت المصباح وأنا خائف أترقب، ثم عرفت بعد التأمل أن الصحو أعقبه غيم ومطر وصواعق

ولما خرجت في الصباح رأيت الشمس آست ما جرح الليل، وكأن لم يكن شيء!

ذلك هو العراق

وكذلك تكون ليلاي في العراق

فما الذي يمنع من الصبر على دلالها أو أذاها شهراً أو شهرين حتى تمل هي من النضال؟

إن بعض المرضى يريحهم أن يثوروا على الأطباء. ومن واجب الطبيب أن يرحب بمثل هذه الثورة، لأنها بشير العافية. وستذكر ليلى أني كنت من الصابرين، وأني منحتها عطف المحب ورفقة الطبيب! ولن أفارق بغداد قبل أن تبذل في سبيلي غاليات المدامع، أن كتب الله أن تأخذ عن طبيبها أدب الصدق والوفاء

لن أنساك يا ليلى فقد عاديتُ فيك وعُوديت

واحمل في ليلى لقوم ضغينةً ... وتُحمل في ليلى عليَّ الضغائنُ

ولكن هل تفهمين أو تعقلين؟

أما والله لو تجدين وجدي ... جمحتِ إليَّ خالعة العذار

كانت هذه الخواطر السود تنتاش قلبي وأنا في طريقي إلى المحطة، ثم تفجر الحنان في قلبي على غير انتظار، فقد سمعت المذياع يرسل هذه التغريدة رحمة للقلوب

(ليه تلاوعيني، وأنت نور عيني)

وهي من تغاريد أم كلثوم، وكأني اسمعها أول مرة، فرجعت على نفسي باللوم وقلت: كذلك يكون العقاب! وهممت بالرجوع إلى ليلى لأقول:

(ليه تلاوعيني، وأنت نور عيني) ولكن تذكرت أن الوقت لا يتسع للقيام بواجبين في وقت واحد: عتاب ليلى وملاقاة صاحبة العينين التي أرجو أن ادفع بوجهها المشرق وحشة الطريق وظلام الليل

ودار ذهني يحاور ويجادل:

- كيف تشرك بليلى هذا الإشراك؟

- أنا أُشرك بليلى؟ معاذ الحب!

والحق أني أشرك بهوى ليلى، ولكن هذا الشرك هو طريقي إلى التوحيد. أنا احب جميع الملاح لأهيئ قلبي لحب ليلى. أحب من أجلها كل ما في الوجود، وأصبح من أجلها عن جميع الذنوب

وصاحبة العينين ستسألني عن ليلى؛ والسؤال عن ليلى، من ذلك اللسان الألثغ الملجلج هو في ذاته زُلَفى إلى ليلى. وأنا أيضاً رجل مكروب تضيق به دنياه، والظلال في هوى العيون قد ينسيني كروبي؛ وليلى يسرها أن أعيش أيطيب العيش، وهي تعرف أني لا أحيا بغير الحب والنسيم، شفاها الله وشفاني

طوّفت بجميع إرجاء المحطة لأرى صاحبة العينين، وما رأيت صاحبة العينين

فتشت جميع دواوين القطار لأرى صاحبة العينين، وما رأيت صاحبة العينين

ورأى حيرتي ناظر المحطة فقال في تلطف: ضاع منك شيء؟ فقلت: لا، ما ضاع مني شيء، وإنما أخاف وحشت الطريق وظلام الليل

فتعجب الرجل من هذا الجواب المضحك وانصرف

فهل رأى الناس حالاً مثل حالي؟ هل رأوا من قبلي رجلا يرحّب بالشّرك فيعز عليه الشرك؟

أن الحب يريد أن اذهب إلى البصرة وليس في قلبي غير ليلاي وكان لي في القطار رفيقان: أولهما الدكتور عبد المجيد القصاب، وهو طبيب يمثل عذوبة الروح، وصفاء القلب، وهو من خيرة الذين عرفتهم في العراق، وثانيهما السيد ظالم وهو صحفي آيب لا تعرف بصحبته ضجر السفر ولا طول الطريق وليس فيه غير عيب واحد هو التجني على الموسيقار محمد عبد الوهاب والغناء المطلق في الغاني أم كلثوم

جلس حضرته يدندن، ولكن كيف؟ بعد أن لبس عباءة فضفاضة جعلته نسخه من سلطان زنجبار

وأمسى ديواننا في القطار قريب الشبه بالغرفة التي يجلس فيها احمد رامي بدار الكتب المصرية، الغرفة التي ترق فيها الدندنة وتشتبك حتى لتحسبها خيوط العنكبوت، الغرفة الجذابة التي يحرم دخولها على احمد الزين ثم يحل ويباح لمن يسألون عن رباعيات الخيام أو تأملات لامرتين

وظالم ورامي يشتركان في صفات كثيرة أهمها تشويه الوجه ورخامة الصوت

- يا سيد ظالم!

- نعم، يا سيدنا ألبيه!

- هلم بنا إلى العشاء

- عشاء إيه، أنت عاوز تخرب جيبك؟

- أخرب جيبي؟ وكيف؟

- العشاء في القطار غال جداً

واعترض الدكتور القصاب فقال: أما يسرك أن تصنع مثل الذي كنت تصنع في قطار ليون!

- لا بأس إذن تنتظر إلى أن يقف القطار في المحطة المقبلة

وفي المحطة تقدمت فلاحة في خمار اسود ومعها ماعون هائل من اللبن الرائب، فاشتريناه بعشرة فلوس، وتقدم طفل، وفي يده رغيفان؛ فساومناه، فاشتط في الثمن، فقاومناه، فقبض على الرغيفين بأسنانه والقطار يمشي، فرميناه بعشرة فلوس ونزعنا من أسنانه الرغيفين!!

ما اظرف العبث في قطار البصرة وما أحلاه؟

وفهم الرفيقان أني ميت من الجوع فلم يأخذا من الطعام غير لقمتين

وما كاد الطعام يستقر في جوفي حتى هجم النوم هجوما لم أشهد مثله منذُ أعوام طوال، فعرفت أن ذلك اللبن الرائب أراح أعصابي، وهي أعصاب أرهقها النضال وسهر الليالي

اتكأت على المرفقة ونمت وأنا جالس، نوماً شهياً جداً، ولم يعكر نومي غير الجدل السياسي الذي أثاره الدكتور القصاب مع رفيق غاب عني اسمه، وكانا يتحدثان عن المعارك الحزبية في دمشق وفي تلك الغفوة الشهية صاح صديق:

دكتور، دكتور، أنظر، أنظر، أنظر

فنظرت من نافذة القطار فإذا صاحبة العينين في سيارة مغروزة في الوحل

وهممت في النزول من القطار لأُرى هذه المرأة كيف أنفع في لشدائد!

ثم تذكرت أنني أيضاً في سيارة مغروزة في الشوك، هي سيارة الحب

ونظرت إليّ المرأة نظرات الملهوف

ونظرت إليها نظرة الغريق

نظرتْ ونظرتُ، ثم نظرتْ ونظرتُ

وأنقذ القطار الموقف فسار لا يلوي على شيء

- دكتور، دكتور

- نعم، نعم

- أنظر، أنظر

ففتحت عينيّ فإذا الشمس أشرقت وإذا سرب من الظباء الوحشية يجول في البيداء، وهي أول مرة أرى فيها الظباء الوحشية ذات الأجياد والعيون

أتكون هذه الظباء الوحشية هي البشير بالاقتراب من الظباء الإنسية؟

هو ذلك، فلم يبقى بيننا وبين الأنس بوجوه أهل البصرة غير ساعتين

الله وأكبر ولله الحمد!

هذه هي البصرة، هذه هي البصرة، وما تخونني عيناي

هذا هو البلد الطيب، بلد المبرد، المبرد صاحب الكامل في اللغة والأدب والنحو والتصريف

وبفضل الكامل للمبرد وصلت إلى منصب الأستاذية في الأدب العربي؛ وبفضل الكامل للمبرد صحبت الشيخ سيد المرصفي سبع سنين؛ وبفضل الكامل للمبرد استطاعت القاهرة أن تزاحم البصرة، فسيذكر التاريخ أن الأزهر جلس على حصيره الممزق رجل أعلم من المبرد، هو الشيخ سيد المرصفي أستاذي وأستاذ الأساتذة طه حسين وعلي عبد الرزاق واحمد حسن الزيات، وأول أستاذ تصدر لتدريس الأدب بالأزهر في العصر الحديث الله أكبر ولله الحمد!

هذه هي البصرة ذات النخيل

هذه هي المدينة التي تجري من تحتها الأنهار

هذه شقيقة الفيوم، على أزهاره وأشواكه أذكى التحيات

هذه هي البصرة، وما تخونني عيناي

فإذا قيل إن منظر القناطر الخيرية على النيل منظر لا ثاني له في الوجود؛

وإذا قيل إن شواطئ الإسكندرية في الصيف لا ثاني لها في الوجود؛

وإذا قيل إن حي الشانزليزيه في باريس لا ثاني له في الوجود؛

وإذا قيل إن السهل الذي تصادفه بعد الانحدار من جبل لبنان منظر لا ثاني له في الوجود؛

وإذا قيل إن مفترق الطرق بين شارع عماد الدين وبين شارع فؤاد شيء يفوق الظنون؛

وإذا قيل إن الغبوق بمصر الجديدة والصبوح بالزمالك نعيم يذكّر بنعيم الفراديس؛

وإذا قيل إن صبايا المنصورة لها مذاق لا ثاني له في عالم الجمال؛

وإذا قيل إن مناظر الكروم في بوردو لا شبيه لها ولا مثيل؛

وإذا قيل إن بغي المصريين بعضهم على بعض معنى فريد في الوجود؛

وإذا قيل إن قبة الجامعة المصرية اعظم قباب الشرق؛

وإذا قيل إن زكي مبارك اسعد من استصبح بظلام الليل في بغداد؛

إذا قيل ذلك أو بعض ذلك فأعرف أن مدينة البصرة هي شيء فريد في دنيا الشرق، ودنيا الغرب. هي غريبة الغرائب، وأعجوبة الأعاجيب. هي فوق الأوهام والظنون، وإن جهلها فريق من أهل العراق

ما هذه المدينة؟ ما هيه؟

لقد استأنست كل الاستئناس حين عرفت أن اللغة العربية لا تزال تسيطر على مثل هذا الثغر الجميل

لقد كبرت وهللت حين رأيت وطن المبرد والجاحظ والحسن البصري وإخوان الصفاء

لقد كبرت وهللت حين عرفت أن للعروبة مواطن لا تقل روعة عن القناطر الخيرية

ثم غلبني الحزن حين تذكرت أن مناظر شط العرب تشبه مناظر القناطر الخيرية في الحظ. فعن شط العرب تغافل الشعراء، وعن القناطر الخيرية تغافل الشعراء

ليس على شط العرب قصور، وليس على القناطر الخيرية قصور.

الله أكبر ولله الحمد!

هذا طريق النخيل، وهو صورة أروع من غابة بولونيا، ولكن أين الظباء؟

وهؤلاء البصريون وفي عيونهم السحر الحرام أو الحلال، ولكن أين الشعراء؟

عرفت في البصرة رجلين:

الأول هو السيد تحسين علي، حاكم البصرة، أو متصرف البصرة

والسيد تحسين علي هو ملك في صورة إنسان

هو تحفه من الأريحية العربية التي جاد بها الله على الوجود السيد تحسين علي هو الشاهد على أن شعراء العرب لم يكونوا في مدائحهم من الكاذبين

السيد تحسين علي هو الخليق بأن يقال فيه اطهر من الماء، وارق من الهواء

السيد تحسين علي هو مجموعة من الخلائق والطباع: فيه أدب مصطفى عبد الرزاق، وتباله محمد العشماوي، وتغافل منصور فهمي، وطيبة محمد جاد المولى، وسماحة علي الزنكلوني، وذكاء لطفي السيد، وسذاجة زكي مبارك، وعقل زكي مبارك، إن كان له عقل!

وبفضل السيد تحسين علي عرفت من البصرة في يومين ما لا يعرفه غيري في سنين

أكتب هذا والدمع في عيني، فالدنيا ألأم وأغدر من أن تسمح لي بملاقاة هذا الرجل مرة ثانية. فإن كان هذا آخر العهد فحسبي من الوفاء أن أسجل ثنائي عليه في هذه المذكرات، ولها قراء يعدون بالألوف

يا سيد تحسين

سلام عليك، سلام رجل مصري يحفظ عهد العراق

أما الصديق الثاني فهو الدكتور عبد الحميد الطوخي، وما ادري إلى أي بلد أُضيف هذا الطبيب، فقد عرف المنصورة وشبين الكوم والقاهرة وبغداد والبصرة والموصل، فهو بالاختصار رجل مخضرم: فيه رقة المنصورة وأدب شبين الكوم وعقل القاهرة وذكاء بغداد وظرف الموصل وكرم البصرة، هو شخصية دولية يحسب لها المنصف ألف حساب

وبفضل هذا الطبيب قضيت يومين في ابتسام، فقد ترك سيارته تحت تصرفي يومين، وكانت فرصة تذكرت فيها الزميل الغالي علي جارم بك، فعهدي به يهرب مني، لأني كنت أرجو أن ينقلني بسيارته من وزارة المعارف إلى محطة المترو، وكان ذكاءه يسعفه بالهرب مني، فكان يقول: يا دكتور زكي، أنا رائح عند العشماوي بك، ثم يروح ولا يعود!

ولما قدم الجارم بك بغداد كنت انتظر أن ينتفع بخبرتي فيسألني عن الحياة العلمية والأدبية والفلسفية، ولكنه لم يسألني إلا عن شيء واحد؛ لم يسألني والله العظيم إلا عن أسعار البنزين في بغداد!!

نحن في البصرة

إي والله، نحن في البصرة

وفي تلك المدينة تسأل سيدة نبيلة عن طبيب ليلى المريضة في العراق

وتطلب أن تراني وحدي، فاذهب إليها وحدي ولا يكون معنا ثالث غير زوجها الشهم النبيل

ويدوم المجلس ساعات وساعات في جدل هو أنظر واشرف ما عرفت العقول

وتجري على لسان تلك السيدة ألفاظ يوحيها روحها الشفاف فيبتسم زوجها وهو جذلان

وفي غمرت تلك النشوة انظر ساعتي فأرى الموعد أقترب للمحاضرة التي دعاني إليها سعادة الأستاذ عبد الرزاق إبراهيم مدير المعارف بالبصرة. وتمد تلك السيدة يدها لتوديعي فأبكي لأني لا أضمن الرجوع إلى البصرة، أنا الطائر الغريب الذي لم ينعم في البصرة بغير سواد العيون في غفوة الزمان، وهو لا يغفو في العمر كله غير دقائق

وبعد لحظات أكون في نادي البصرة فأرى الناس في انتظاري بالمئات، إن لم أقل بالألوف. وهناك أرى فتاة جميلة هي بنت عمة ليلى، فتسرع إلى لقائي بعد انتهاء المحاضرة وهي تقول: حافظ على شبابك يا دكتور، فإني أخشى أن يؤدي التأليف بشبابك

فأتلطف وأقول: لا تخافي على شبابي يا بنيتي، فهو باق ما بقيت عيون الظباء

وتشجع الفتاة فتقول: أخشى أن يقتلك التأليف!

فأتشجع وأقول: لا تخافي عليّ يا بنيتي فأنا لا أخاف الموت، وإنما يخافني الموت

ويروعها ذلك فتقول: وكيف؟

فأجيب: لأن الموت جبان وهو يخشى أن أكتب ضده في الجرائد والمجلات!

أفي الحق أنني زرت البصرة ورأيت شط العرب، ونعمت بكرم السيد تحسين علي، ومروءة الدكتور عبد الحميد الطوخي، وأدب السيد عبد الرزاق إبراهيم، ورأيت بنت عمة ليلى، وشربت الشاي في منزل السيدة التي تغار من ليلى؟

لا تصدق ذلك يا قارئ هذه المذكرات، فتلك أحلام رأيتها في نومي ولن تعود

أن سمعت أيها القارئ أن جرائد البصرة اعتركت في سبيلي أسابيع وأسابيع فلا تصدق

أن سمعت أيها القارئ أنني كحلت عينيّ بتراب البصرة فلا تصدق

أن سمعت أيها القارئ أنني عرفت السيد تحسين فلا تصدق

أن سمعت أنني زرت قريبات ليلى في البصرة فلا تصدق

أن سمعت أنني ألقيت في البصرة محاضرة سمعها مئات أو ألوف فلا تصدق

أن سمعت أن حاكم البصرة ودعني على المحطة فلا تصدق

أن سمعت أنني عانقت عشرين نخلة في البصرة فلا تصدق

أن سمعت أن انهار البصرة داعبتني بالمد والجزر فلا تصدق

أن سمعت بأن اسماك شط العرب قبلت يدي وخدي فلا تصدق

أن سمعت بأني لم انفق درهما واحد في البصرة فلا تصدق

أن سمعت أن البصرة هدتني بعد ضلال فلا تصدق

أن سمعت أنني ودعت البصرة بالدمع السخين فلا تصدق

أيها القارئ!

أنا ما رأيت البصرة، ولا رآني أهل البصرة؛

وشاهد ذلك أنني لا أزال في عقلي؛ ولو أنني رأيت البصرة لخبلني حسنها فأصبحت من المجانين

أيها القارئ!

أما سمعت أنني اخترع الأقاصيص؟ فلتعرف أن زيارة البصرة من تلك الأقاصيص

متى أعود إليك أيتها البصرة مرة ثانية؟ متى اعود؟ متى أعود؟

(للحديث شجون)

زكي مبارك