مجلة الرسالة/العدد 252/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 252/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 252
المسرح والسينما
ملاحظات: بتاريخ: 02 - 05 - 1938



عصر السرعة والأعصاب المكدودة

وأثره في الإنتاج المسرحي والسينمائي

اشتهر هذا العصر بأنه (عصر السرعة) ومن علاماته المميزة - وقد تكون إحدى النتائج القريبة لهذا الوصف - توتر الأعصاب

فالبنية الإنسانية طاقة إذا أجهدت تنبهت أعصابها وأرهفت واشتدت قابليتها لكل مؤثر، ومن مجهدات الأعصاب في هذه الأيام تعدد المطالب التي لم تجعل حداً لحاجات الناس بل أطماعهم، وكثرة الأزمات في شتى نواحي الحياة، وترقب الحروب والانقلابات يوماً بعد يوم، وضعف الوارع الأدبي بفضل أخلاق الساسة ومعاملات الدول بعضها لبعض وعدم احترام التعهدات والوعود، وتهديد البطالة لك آمن أو شبه آمن، وتفشي المخدرات والأمراض، وكثرة الضوضاء، وعدم الاستقرار، وتسلط المادية. . . الخ

كل هذه الأمور أفقدت النفس مساكها والأعصاب احتمالها وظهر اثر ذلك في جميع مرافق الحياة

ففي الشارع - كثيراً ما يقابل المرء أناساً وجهاء وغير وجهاء يتحدثون إلى أنفسهم بصوت مسموع، ويضحكون من غير دافع إلى الضحك، ويشيرون بأيديهم إشارات لا تصدر إلا عن مخبول أو مذهول

وفي المرقص صدف الناس عن الرقص التصويري الشعري وافتنوا في الرقصات التوقيعية العنيفة

وفي الملعب ازدادت أحابيل المشعوذين، ومارسوا كل عمل شاذ لا يكاد يخطر على عقل سليم

وفي المعرض - تقدمت الرسوم (الكاريكاتيرية) لأنها الوسيلة الوحيدة لرسم الأفكار الخاصة التي لا تظهر في الطبيعة

وفي الموسيقى لم تفلح الآلات الوترية الهادئة في هذا الجو الصاخب المخمور حيث أفلحت آلات (الجاز) العنيفة المدوية

وفي المكتبة اختفى الكتاب الجيد بين آلاف من الكتب الفارغة التي استعصى على أصحابه عمق الفكرة فسبحوا على قشورها

والمسرح والسينما قد ظلا صورة حسنة لهذا العالم ينقلان أحسن ما فيه، ويقدما له المثل الصالح الممتاز

ولكن هذه النزعة المجنونة قد بدأت تؤثر فيهما وتفسد عليهما رسالتهما السامية

ازدادت في الأيام الأخيرة الأفلام من نزع:

,

, -

,

وكل هذه أفلام تدور إما حول عائلة كل أفرادها مجانين أو رجل غير مكلف أو امرأة مطلقة البدوات، أو فكرة لا يمكن أن يبتكرها غير امرئ مخدر الأعصاب مخمور

وموضع الخطر في هذا الأمر أن هذا النوع من الأفلام هو أكثرها نجاحاً اليوم

ونحن لم نشهد آخر المسرحيات في أمريكا وأوربا، ولكن المتتبع للحركة المسرحية في هذه البلاد يعرف أن هذا الخطر بدأ يدب في المسرح كذلك، وأن البيئة الأدبية بدأت تتحول نحو بعض المؤلفين الذي يستطيعون هذا النوع من الكتابة، ولم يبق هناك أي حرج في استعمال بعض الاصطلاحات التي اقتضاها هذا التجديد؛ فكلا المؤلف والناقد يقول:

, أي ملهاة جنونية، ملهاة هستيرية

وإذا تعذر علينا أن نشهد هذه المسرحيات فإننا نعرف شيئاً عنها مما يحمله البريد. وقد يسهل أحياناً تكوين الفكرة من معرفة العنوان. فمن أسماء بعض هذه المسرحيات التي لقيت نجاحاً عاصفاً في كلا أمريكا وإنجلترا في السنوات الأخيرة , وأخيراً ' ,

وتقدم القوم خطوة أخرى فافتتح بعض الأمريكيين أخيراً مسرحاً لتمثيل الروايات المسرحية التاريخية القديمة كروايات شكسبير بالملابس العصرية

أما في السينما فلا يحوجنا الدليل على صدق ما نقول. فإننا نشهد معظم الإنتاج العالمي في السينما. ويمكننا أن نعمل إحصاء طريفاً في هذا الموضوع. فشركة كولومبيا تعتبر أولى الشركات تقدماً في ابتكار أنواع الخيل، وجريجوري لاكافا، ليوماك كاري ويسلي رجلز، ميتشل ليش. . . أبرع المخرجين في إدارته. أما ممثلوه فكثيرون، أشهرهم كارول لومبار، أيرين دن، جين آرثر ميريام هوبكنز، بت دافيز. ثم جون باريمور، شارلز لاوتون، فردريك مارش، وليام باول، روبرت مونجمري (ويلاحظ أن النساء في المرتبة الأولى).

وهناك (فرق) من المخبولين أشهرهم الاخوة ماركس والاخوة ريتز والثلاثة المشعوذون مو، لاري، جيري.

هذا غير عشرات من الممثلين الكوميديين الذي لا يكاد يخلو فلم واحد من وجود بعضهم.

وأخيراً لا يسعنا بعد هذا الكلام الطويل إلا أن نرجو ونأمل أن ينتج المسرح والسينما أحسن ما في هذا العالم ويدعا أسوأ ما فيه

محمد علي ناصف