مجلة الرسالة/العدد 254/رسالة الفن

مجلة الرسالة/العدد 254/رسالة الفن

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 05 - 1938



التصوير التوضيحي في المخطوطات الإسلامية

للدكتور أحمد موسى

- 2 -

كان من حسن الحظ أن ساهمنا في العدد الممتاز الذي أصدرته مجلة الرسالة بمناسبة العام الهجري بموضوع آتينا فيه على بعض ما للعرب في مختلف الفنون التصويرية لتوضيح النصوص وتصوير كتب العلم والأدب مما يجلو غوامضها للقراء والراغبين في العلم، فنشرنا بضع صور ضوئية منقولة عن بعض المخطوطات القيمة في علم تخطيط الأرض والفروسية والتوقيت والكيمياء. وقد وعدنا القراء في ختام المقال السابق باستيفاء هذا الموضوع الطريف حقه من البيان. وهانحن أولاء قد وفقنا بعد البحث إلى ثلاثة كتب مخطوطة زينها مؤلفوها بالتصاوير والأشكال الحقيقية تارة والرمزية طوراً؛ ففي كتاب (نهاية الإدراك في دراية الأفلاك) لمؤلفه قطب الدين محمد بن مسعود الشيرازي جملة صور فلكية أهمها صورة كسوف الشمس وقد جاء فيها:

(لكون القمر هو الكاسف والتوالي من المغرب إلى المشرق وهذه صورة الكسوف، الفصل الرابع في أزمان ما بين الخسوفين، أما الأول فمعرفته مبينة على معرفة حدود الخسوفات وهي مقدرة باثني عشر جزءاً من بعد القمر عن إحدى العقدتين في أي جهة كان، لأن عرضه إذا جاوز هذا الحد زاد على نصفي القطرين، لأن غاية عظم نصف قطر دائرة الظل وهو إذا كان في القمر في حضيض التدوير ست وأربعون دقيقة. وغاية عظم نصف قطر القمر ثماني عشر دقيقة، والعرض المساوي لمجموعهما وهو أربع وستون دقيقة إنما حصل على بعد اثني عشر جزءاً وكسر من العقدة أو على بعد إحدى عشرة درجة ونصف بالتقريب يكون العرض درجة فبعد تجاوز العرض عن الحد يزيد على نصفي القطرين ولا يمكن الخسوف حينئذ وبهذا الاعتبار ينقسم المائل إلى أربعة أقسام. . . الخ).

وقد زين هذا المتن بصورة القمر والشمس من أعلاه والأرض من أسلفه، ورسم دائرة كبرى كتب على محيطها الفلك الممثل ومر محيطها بمركز الشمس، وداخلها دائرت متساويتان القطرين تقابل محيطاهما في مركز القمر. وكتب على محيط اليسرى منهما منطقة ممثل القمر، وعلى اتجاه مركز القمر وفي استقامة اتجاه مركز الشمس رسم الأرض مبيناً مركزها، وعلى محيط الأرض اختار موضع الناظر، كما اظهر مخروط القمر ومخروط الظل.

ويرى الناظر المتأمل أن هذه الصورة لا تختلف شيئاً عن التصوير العلمي لمقر النيرين في وقت الكسوف، فضلا عن الدقة التي اتبعها المؤلف في رسم الدوائر الست بالرغم من أن عصر المؤلف يرجع إلى القرن الخامس عشر الميلادي.

أما الكتاب الثاني فهو في الكيمياء القديمة ويرجع تاريخ تأليفه إلى القرن الخامس عشر على الأرجح، وهو يتناول ضمناً تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب. ونص الصفحة التي ننقلها هو (صفة ما نقل من صحف ووسيموس وأوتاسيا: خذ من حجر - كا - ما شئت وهو الكبريت الأحمر الذي لا يخلو منه مكان والقي من الكبريت الأبيض مثله واسحقه فأنه يذهب بصلابته والقي مثلهم زيبقاً بحذروا عملهم في النار ساعة ثم أعيد عليهم السحق والسقي إلى أن يعجبك لونه، فألقي منه على حجر (؟) سير ذهباً ابريزاً والحمد لله تعالى. . .) وتحت هذا المتن متن آخر انفصل عنه بصورة المثل ستة رجال بوجوه كاملة الاستدارة (ش2)، والى يمين هذه الرؤوس صورة لهلال والى يسارها صورة البدر، والى يمين ويسار المتن وقف رجلان امسك كل منهما بسلسلة التفت حول عنق الستة الرجال الذين وضع كل منهم يسراه على صدره. وفي نهاية الصورة رموز شملت بعض حروف إغريقية وهيروغليفية وعربية، فكانت إلى الطلاسم اقرب منها إلى الكلام المفهوم. ويرى المتأمل فيها بعض صور أشبه شيء برسم اللقب والسيف والصليب.

والصورة (ش3) منقولة عن كتاب صور الكواكب لعبد الرحمن بن عمر الطوسي ويرجع تاريخه إلى منتصف القرن السابع عشر الميلادي. وهي تمثل النسرين الواقع والطائر. وقد جاء فوق صورة النسر الأيمن ما أوله: المجرة عند القدر الخامس بينهما مقدار شبر من راس العين. . . الخ وحلّى كل نسر منهما بعدد الكواكب المشرقة في بدنه وجناحيه وذيله ومخالبه.

ويرى القارئ مما تقدم أن التصوير كان مستعملا عند العرب لتفسير ما غمض في المؤلفات العلمية بقصد تمام التوضيح على قدر ما سمحت به وسائلهم ولا سيما في علمي الكيمياء والفلك، فإن أدوات الرصد كانت معدمة تقريباً، ولم يكن لدى الفلكي منهم سوى قواعد الحساب على الطريقة القديمة، كما كانت الأدوات الكيميائية ووسائل الصهر غير موجودة بالصفة التي نراها الآن.

وإذا كان العرب قد اجتهدوا في تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب وأخفقوا، فان نظريات الكيمياء والطبيعة الحديثة أثبتت إمكان تحويل المعادن بالصهر. ولا ننس آخر الأنباء من أن عالماً ألمانيا هو الأستاذ ميتا أمكنه تحويل الزئبق إلى ذهب بالحرارة، فكأنه بذلك سجل الأقدمية لعلماء العرب.

وفي مقالنا القادم سنتناول ناحية أُخرى من نواحي التصوير الإسلامي.

أحمد موسى