مجلة الرسالة/العدد 255/لم يطب للنبوغ فيك مقام. . .
مجلة الرسالة/العدد 255/لم يطب للنبوغ فيك مقام. . .
لحن حزين هزته ذكرى الأديب العربي الخالد مصطفى صادق الرافعي
للأستاذ محمود حسن إسماعيل
لم يَطِبْ للنُّبوغ فيكِ مُقاَمُ ... لا عَلَيْك - الْغَدَاةَ - مِنِّي سَلامُ
المنارَاتُ تَنْطفي بَيْنَ كَفَّيْكِ! ... ويَزْهو بشاطِئَيْكِ الظلاَّمُ
والصَّدَى مِن مَناقِر البُوم يَحْيا ... ويَموتُ النَّشيدُ والإِلهامُ
قد حَبَوْتِ النَّعيبَ ظِلَّكَ لكِنْ ... أَيْنَ قَرَّتْ بِشَطِّكِ الأنغْاَمُ؟
في هَجير الأيَّامِ تمضي أغاني ... كِ حَيارَى، يَؤُجُّ فيها الضِّرامُ
عَبَرَتْ مَسْبَح الجَداوُل، والنَّهْرِ، ... وغابَتْ كأنَّها أوْهامُ
تَسْكبُ السِّحْرَ مِن شِفاهٍ عَليْها ... مَصْرَعُ السِّحْر: لَهفَةً! وأُوامُ!
تَسكبُ العطْر والخمائِلُ صُفْرً ... ماتَ في الأيْكِ نَوْرُها البَسَّامُ!
تَسُكب البُرَْء مِنْ جِراح عليْها ... تُرْعِشُ العُمْرَ شَكْوَةٌ وسَقامُ!
أنتِ يا (مِصْرُ): واصفحي إِنْ تعتَّبْتُ ... وأشْجاكِ مِنْ نْشيدي الملامُ. .
. . قَدْ رَعَيْتِ الجميلَ في كُلِّ شيءِ ... غيْرَ ما أحْسنَتْ بهِ الأقلامُ!
مِنْ رَوابيكِ خفَّ للخُلْدِ رُوحٌ ... قَد نَعاهُ لعَصْرِكِ الإِسْلامُ
لبِسَتْ بعدَهُ العُروبَةُ ثَوْباً ... صِبْغُ أسْتارهِ أَسًي وقَتامُ
لم تُفِقْ مِنْ شجُونِها فيهِ (بَغْدَا ... د) ولا صابَرتْ أَساها (الشام)
وعَلَى (بلدة المِعزِّ) دُموعٌ ... خَلَّدَتْ ذِكْرَهُ بها الأهرامُ
صاحِبُ المعْجزاتِ أعْيَتْ حِجا الدُّنْ ... يا، وعَيَّتْ عَن كشْفِها الأفهَامُ
يَخْبأُ الحِكمةَ الخفيَّة في الوَحْي ... كما تَخْبأُ الشذَى الأنسامُ
ويَزُفَّ البيانَ كالسَّلسلِ المسْكوب ... تَهفو في شطهِ الأحلامُ
فإذا رَقَّ خِلتَهُ قُبَلُ الفَجْر ... على نارها يَلُّذ المنامُ
أوْ حديثَ النسيمِ للزَّهْرة السَّكرى، ... مِن الطَّلِّ كأسُها والمدامُ
أو حَفيفَ السَّنابِلِ الخُضرِ. . رَفَّت في رُباها قنابِرٌ ويمامُ
أو دُعاَء النُسَّاكِ. . أبْلَتْ صَداهْم ... في حِمَى الّلهِ سَكْرةٌ وهِيامُ وإذا ثارَ خِلتْهُ شُهُبَ الَّليلِ ... أطارَتْ لهيبَها الأجْرامُ
أو شُواظاً مُسَطَّراً. . . قذَفَتهُ ... مِن لَظَى العَقْل هَيجْةٌ وعُرامُ
أتْعَبَ الجاهدينَ خلفَ مَراميهِ ... بقصد مَنالهُ لا يُرامُ
أصَيدُ الفكْرِ واليراعةِ والوحيِ. . ... على كِبْرهِ يُفَلُ الحُسامُ
حَيَّرَ النقدَ أن تَروغَ المعاني ... عَنْ مُريديهِ، أوْ تَنِدَّ السِّهامُ
فانْزوَى الحاسدُون. . إلاِّ فُضولاً ... لا يُداريهِ عائبٌ شَتَّام
قد سقاُهُم مِن سِنِّه مَصْرَعَ الرو ... ح وإنْ لم تُلاِقِه الأَجْسام
فلتَقُمْ بعدَ مَوْتِهِ ثورَةُ الشَّا ... ني فقَدْ فارَقَ الوَغى الصَّمْصام
ولهُ الشَّأنُ. . عِزَّةٌ وَخُلودٌ ... ولَهم شأْنُهُمْ صدىً وكَلامُ
إِيِه يا ساقِيِ (المساكين) كأْساً ... لمْ تُسَلْسِلْ رحيقَها الأيَّامُ
قَد جَعَلْتَ الآلام وَحْيَك حتَّى ... فجَّرتْ نَبْعَها لكَ الآلامُ
ما الذيّ كانَ في سَحابَتِكَ الحمْراءِ ... إلاَّ الشُّجُونُ والأسْقام
كُنْتَ في عُزْلةٍ مع الوَحْي تَشكو ... ولِشكواكَ كادَ يْبكي الغَمام
تمسَحْ الدمْع من عُيونِ اليتامَى ... وبِبلْواكَ ينْشِجُ الأَيْتام!
صُنْتَ عهْدَ البيانِ لم تُرْخِص القَوْ ... لَ، ولا شابَ سِحْرَكَ الإعْجام
وَتفَرَّدْتَ بالصِّياغَةِ. . حتى ... قِيلَ في عالَم البيانِ: إِمامُ!
ووَهَبْتَ (الفُرْقانَ) قلْبَكَ. . حتى ... فاضَ منْ قُدْسهِ لك الإِلهام
فبعَثْتَ الإِعجازَ كالشَّمس منه ... يتَهدَّى عَلَى سَناَهُ الأنَامُ
فقْمِ اليوْمَ! وانْظُرْ الشَّرْقَ ضاعتْ ... مِنْ يَديْهِ مَواثِقٌ وذِمامُ
مزَّقَتْ قلْبَهُ الذِّئابُ من الفَتْكِ. . ... وَنامَ الرُّعاةُ والأَغْنامُ!
في (فِلَسْطينَ) لو عَلِمْتَ جِراحُ ... ما لها في يد الطُّغاةِ التئامُ
وطنُ الوَحْي، والنَّبُوّاتِ والإلْهام. . ... أوْدَى! فعاثَ فيه الطَّغَامُ
جذْوَةُ في جَوانح الشرْق تَغْلي ... فَيروعُ السَّماء مِنْها اضْطرامُ
يُذْبَحُ القوْمُ في المجازِرِ - فرْط الظَّ ... لم فيها - كأنَّهم أَنْعامُ
ويُهانُ (المسيحُ) في مَوْطِن القُدْ ... سِ، وَيشْقَى بأرْضِهِ الإِسْلام وحُماة البيانِ خُرْسٌ. . كأَنَّ الذَّ ... وْدَ عنْ كَعْبةِ الجدوِد حَرام!
إيه يا (مُصْطَفى) وفي القَلْبِ أشجا ... نٌ! وفي الصَّدْرِ حُرْقَةٌ وضِرام
ليْت لي سَمْعَك الذي كرَّمَ الل ... هُ صَداهُ! فماتَ فيه الكلام
كنتَ والوَحْيَ عاشِقَيْنِ فماذا ... بَعْدَ نجْوَى السماءِ يَبْغي الغرام؟
كُنْتَ والوَحْي في سُكونِ نَبِيٍ ... عادَةُ في صَلاته إِلهام
تتلقّاهُ خاشعَ الهمْسَ عفَّا ... مِثلَما رَفَّ بالغَدير حَمامُ
لا ضَجِيجٌ! ولا اصْطِخَابٌ! وَلكِنْ ... هَدْأَةُ الرُّوح قدْ جَلاها المنامُ
هكذا نَعْشكَ الطَّهورُ تَهادَى ... كالأَماني، لا ضَجَّةٌ! لا زِحام!
فاذْهَبْ اليوْمَ للخْلُودِ كما كُنْ ... تَ. . تُغادِيكَ هَدْأةٌ وسلام
لمْ يمت مَنْ طَواهُ في قلبِه الشَّرْ ... قُ! وَغَنَى بِذكْرِهِ الإِسْلام!
محمود حسن إسماعيل