مجلة الرسالة/العدد 257/في اللغة

مجلة الرسالة/العدد 257/في اللغة

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 06 - 1938



مجبر ومجبور

لأستاذ جليل

اطلعت عند أحد معارفي من الطراء اللبنانيين في هذه (البحرة) على كراسة ظهرت منذ أسابيع لفاضل كان قد جاء إلى مصر قبل الحرب الكبرى - أعادها الله جذعة - وكتب في مجلات القاهرة وجرائدها برهة، وهو الأستاذ (إدوارد مرقص) من أعضاء المجمع العلمي العربي ومن المشهورين في بر الشام. والكراسة هي في اللغة ونقد كلمات، وقد تصفحت صفحات منها، فوجدته يقول في إحداها: (يقولون إنه مجبور على كذا، والصحيح مجبر عليه أي مكره عليه، والفعل أجبر)

وإن قول القائلين: (إنه مجبور على كذا (لصحيح، والتغليط غالط، فجبر مثل أجبر، وكان أبن قتيبة قال في كتابه (أدب الكتاب): (وتجيء أفعلت مخالفة لفعلت نحو أجبرت فلاناً على الأمر وجبرت العظم) فقال البطليوسي في (الاقتضاب في شرح أدب الكتاب): (قد حكى أبو إسحاق الزجاج وغيره جبرت الرجل على الأمر وأجبرته إذا أكرهته عليه، ومنه قيل للفرقة التي تقول بالإجبار: جبرية، وجبرية لا تكون إلا من جبر)

وفي (القاموس): (وجبره على الأمر كأجبره)

وفي (اللسان)، قال الأزهري: (كان الشافعي يقول: (جبر السلطان) وهو حجازي فصيح. فهما لغتان جيدتان جبرته وأجبرته)

وفي (الفائق): (فقيل: يا رسول الله، أليس الطريق يجمع التاجر وابن السبيل والمستبصر والمجبور، المجبور المجبر على الخروج يقال: جبره على الأمر وأجبره) فسوى الزمخشري بين اللفظتين ولم يقل أجبر هي أعلى وأكثر

وفي (الملل والنحل) للشهرستاني، - وهذا من مقالة الجهمية - وفيه مجبور: (إن الإنسان ليس يقدر على كل شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات وتنسب إليه الأفعال مجازاً كما تنسب إلى الجمادات كما يقال: أثمرت في الشجرة، وجرى الماء، وتحرك الحجر، وطلعت الشمس وغربت، وتغيمت السماء وأمطرت، وأزهرت الأرض وأنبتت إلى غير ذلك)

فالمرء مجبر، مجبور كل المجبور كما تقول (الجهمية) الجبرية الخالصة. و (الأشعرية والماتريدية) جبرية متوسطة

جبران: جبر في الأرض، وجبر في السماء. فقل لي - يا أخا العرب -: هل يتحرر الإنسان بعد آلاف السنين أو بعد آلا ف من القرون فيعود يقدر أو يريد كما تقول (القدرية)

(الإسكندرية)

(* * *)