مجلة الرسالة/العدد 259/الحروب الصليبية

مجلة الرسالة/العدد 259/الحروب الصليبية

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 06 - 1938



في نهاية العصور الوسطى

تأليف الدكتور عزيز سوريال

الدكتور عزيز سوريال عطية أحد القلائل - بين المؤرخين العالميين - الذين كرسوا جهودهم لدراسة الحروب الصليبية في عهدها الأخير، ولإيضاح الصراع الهائل الذي كان بين الشرق والغرب إبان العصور الوسطى، والذي كانت تذكي حماسته عوامل مختلفة بعضها ماديّ وبعضها روحي. ولقد أصدر منذ بضعة أعوام كتابه عن (حرب نيقوبوليس الصليبية) فلقي من تحبيذ الهيئات العلمية والجامعات الأوربية ما دفع مؤلفه للسير في هذا السبيل الشائك برغم ما يعترض سبيل الباحث من عقبات كأداء تكاد تصرفه عن متابعة البحث في تلك الناحية.

واليوم يفاجئ المؤلف المصري باحثي التاريخ بكتاب آخر يضعه في مصاف أقطاب مؤرخي هذه الناحية الصعبة الولوج، إذ أصدر في الشهر الغابر كتابه الثاني الضخم (الحروب الصليبية في نهاية العصور الوسطى) في قرابة 620 صفحة من القطع الكبير، أصدرته مطبعة ماتيوين في إنجلترا في طبعة أنيقة، ولقد شمل الكتاب من اللوحات الفنية الملونة وغير الملونة عدداً لا يستهان به، وقد نقلت هاتيك اللوحات من المخطوطات الأصلية الموجودة في المتحف البريطاني ومكتبة الفاتيكان بروما وليدن وغيرها من مكاتب أوربا، ولا مشاحة في أن هذه اللوحات تعين القارئ على تفهم كثير مما يلقاه في ثنايا هذا السفر الضخم، كما أضاف المؤلف لكتابه خرائط عدة منقولة عن مخطوطات الرحالة التركي بيرى رئيس، الموجودة في مكاتب برلين ودرسدن، ولا شك في أن الدكتور عطية قد ذلل للقارئ السبيل بما قدمه له من خرائط رسمها بنفسه حتى يتفهم المرء من غير عسر مضمون أبحاث هذا الكتاب

وينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام كبيرة، استعرض المؤلف في أولها تاريخ الشرق والغرب من حيث الحروب الصليبية وعلاقتها بالتاريخ العام في تلك الفترة، وشمل ثانيها تحليلاً للأصول الأوربية في الدعاية لهذه الحروب ومشروعاتها المختلفة، وألم المؤلف في ثالثها بموقف الشرق بما في ذلك أمم التتر والطوائف المسيحية الشرقية إزاء الحروب الصليبية؛ أما الأخير فيفصل تاريخ الحملات الصليبية نفسها واحدة فواحدة. كل هذه المباحث في عشرين فصلاً، أضاف إليها الدكتور ع. س. عطية خمسة ملاحق منها ما هو منقول عن مخطوطات لاتينية لم تنشر بعد، ورأت النور لأول مرة على صفحات الكتاب، ومنها ما هو تحليل لما اكتشفه المؤلف من رسائل سلاطين المماليك في ذلك العهد النائي لملوك أرغونة، وينتهي الكتاب بفهرس للمراجع الخطية والمطبوعة من عربية وتركية ولاتينية وفرنسية وإنجليزية وإيطالية وألمانية. الخ

ولقد جاء في تقدمة الناشرين: (إن مؤلف هذا الكتاب الهام - الذي برهن على مقدرته في تناول البحث بمجلده السابق عن حرب نيقوبوليس - يستعرض اليوم في كتابه الحاضر ذلك التاريخ الذي تعتبر نيقوبوليس آخر فصل فيه، ونحن نعتقد أن المشاق التي تجشمها في هذا الصدد قد أسفرت عن عمل ذي قيمة علمية عظمى، ولقد واصل المؤلف سلسلة دراساته لهذه الغاية في المخطوطات) العربية بقارتي أوربة وأفريقية، وهو إلى جانب إجادته لأحدث طرق البحث العلمي في أوربة، فإنه يتكلم الإنجليزية كلغته الأصلية، ومن ثم كان نتيجة بحوثه سفراً علمياً دقيقاً، وهو بالإضافة إلى كل هذا صورة حية للكفاح بين الشرف والغرب في القرن الرابع عشر، وتصوير لحال العالمين الإسلامي والمسيحي في ذلك العهد السحيق. ومن ثم لم تكن ثمة مندوحة عن هذا الكتاب للمؤرخ والسياسي ولكل مشتغل بدرس الشؤون العالمية وتفهم أصول الصراع الحاضر في شرق البحر الأبيض المتوسط) هذه هي كلمة الناشرين، أما نظرية المؤلف فتتلخص في أن الحروب الصليبية لم تنته بسقوط عكا - وهي آخر حصن للصليبيين - في يد المسلمين عام 1291، وإنما بقيت هذه الحركة قوية حتى سنة 1396، يدل على ذلك الاهتمام الشامل في أوربا بأمر غزوة بيت المقدس والحروب التي قامت بها الدول ضد المسلمين في مصر وشمال إفريقية وسوريا وتركيا، فكأن المؤلف بذلك ينفي الفكرة التي شاعت بين المؤرخين في هذه الناحية حتى وقتنا هذا، وهو بذلك يضع أساساً جديداً لاستعراض تلك الدراسة. ومن رأيه أيضاً أن نتيجة هذه الحركة قيام الإمبراطورية المصرية بالقضاء على ملك المسيحيين بالبحر الأبيض المتوسط وتوغل الأتراك في أوربا نفسها

والمؤلف المصري جدير بما أحلته إياه جامعات أوربة وتسابقها في الاحتفاء به، وهو بعد كل شيء فخر لمصر في عالم البحث والتحليل

ح. ح