مجلة الرسالة/العدد 26/صديقها عشيقها

مجلة الرسالة/العدد 26/صديقها عشيقها

مجلة الرسالة - العدد 26
صديقها عشيقها
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 01 - 1934



رواية مصرية عصرية في فصل واحد

للكاتب الروائي الأستاذ محمد خورشيد

(تتمة)

حكمت - (في عطف) لا تمكث مرة أخرى يوما كاملا بعيدً عني ولا تحرمني رؤيتك المحبوبة. اني أحبك يا فريد من أعماق قلبي. أحبك بكل ما أملك من قوة وعاطفة.

فايد - قلبي يؤمن بحبك ويترك لقلبك تقدير حرارة، حبه ومن القلب إلى القلب رسول

حكمت - (تقترب منه وتحوطه بذراعيها في حنان وتقول) ألم تكن لنا ساعات، هنيئة ذكراها السعيدة لا يمكن أن تزول؟

فايد - نعم. نعم

حكمت - تعال اجلس بجانبي ولا تتكلم، لأن صمت المحبين هو نغمة الحب. فلنستمع ترنيم قلوبنا في سكون.

(يجلسان متقاربين برهة ثم يتعانقان، وبينما هما يتبدلان القبلات إذا بالباب يفتح ويدخل مختار فيراهما على هذه الحال فيقف مصعوقا. فيفترقان ويقفان، تتقدم حكمت إلى مختار وتقول.)

المنظر التاسع

حكمت، فايد، مختار

حكمت - لا تلمني يا أعز الأصدقاء. كن كريما وسامحني. لم أتمكن من الدفاع عن صداقتنا القديمة لأني فوجئت بهجوم حب جديد أخذ بمجامع قلبي. غلب سلطانه عزيمتي. قهرت قوته إرادتي. فأصبحت لا حول لي ولا قوة، وخضعت لأمره ومن يتحكم الحب فيه يصبح غير مسئول. . . فعفوا فعفواً. أعذرني يا صديقي وكن رحيما.

مختار - أني مذهول. حكمت هانم أنبل وأشرف فتاة تأتي إلى عشيقها كأي النساء؟! أراها بعيني بين ذراعيه؟ تصرح أمامي بشدة حبها له، تعترف لي بأنها ضحتني أنا صديقها الوفي لأجله هو؟ كنت أعلم أن أغلب النساء يفعلن ذلك، ولكن أنت! أنت! ما كان يخطر ببالي. أفكرت فيما سيذيعه الناس عنك؟ (إلى فايد) وأنت وادعاؤك السفر. لم كل هذ الخداع؟. أهذا جزائي أنا الذي احبك وأعزك كولدي؟ ألا يؤنبك ضميرك على تلويث سمعتها.؟

فايد - (يقترب منه ويقول) تأن ولا تلم. إني عند حسن ظنك بي لقد أحببت حكمت واحبتني، وعقدنا النية على الزواج فلا خوف على سمعتها.

حكمت - لكن يا فايد. . .

فايد - (يقاطعها قائلا) تمهلي، سأقول ما يجب، وما أقوله سيكون. أريد ألا يكون بحبنا ما ينتقد (يقول ذلك وهو ينظر إليها نظرة كلها رجاء) لم ادع السفر يا مختار بك. أني سأسافر فعلا ولكن لست مسافرا وحدي. سنسافر معا. وما أخفيت عنك أمر سفرها الأبناء على طلبها خشية ان تحزن لفراقها. وقد اتفقنا على أن نبادر بالكتابة إليك بمجرد وصولنا إلى أستانبول لنخبرك بكل ما حدث. وبما ان القدر شاء غير ما شئنا وحضرت والتقينا، فهاأنذا قد أخبرتك بالحقيقة كلها.

مختار - (لحكمت) أحقا ما يقول؟

حكمت - (تنظر إلى فايد وتقرأ في عينيه الرجاء الحار فيقول) نعم

مختار - إذا ستسافرين معه وتتركيني. ألا تفكرين؟ ألا تفكرين قليلا فيما ستكون عليه حياتي أثناء غيابك؟

فايد - لم يبق أمامنا سوى ساعة واحدة. سأذهب إلى منزلك لأحض خادمَك على الإسراع في الحقائبِ لا تطيلا الحديث. فالوقت قد أزف. (ويخرج)

المنظر العاشر

حكمت، مختار

مختار - إذا ستسافرين معه وتتركيني عرضة للهلاك! إلا تعلمين ان حياتي رهينة تلك اللحظات التي كنا نقضيها معا يوميا في هناء الصداقة والوفاء تلك اللحظات افقدها وكانت كل ما احب في الحياة، ستتركني فريسة للوحدة القاتلة، للحزن المؤلم المضني

حكمت - هدئ روعك يا صديقي. لا تدع الوهم يتغلب عليك. تنبه للحقيقة. ليس بها من الخطر ما تراه، ولن يكون لها من العواقب ما تخشاه. سأعود إليك بعد غياب قصير، وستعود لنا أيام الصفاء.

مختار - أيام الصفاء. تعود لك وله لا لي أنا. صفاء أيامي كان في صداقتك التي فقدتها إلى الابد، لأنك أعطيته كل ما بنفسك ولم تبق منه على شيء، والبرهان استخفافك بمصابي وعدم رثائك لحالي.

حكمت - لا تحور الحقيقة ولا تبالغ. لم يغضبك حبي له؟. أيمنع ذلك أن يكون لي أصدقاء؟ كل خطأي ينحصر في أنني لم أشترك في أمر الزواج. وما منعني إلا عطفي عليك وخوفي على أعصابك من تأثير المفاجأة. والآن وقد وقعت برغم تدبيري فتأثيرها هو الذي أذهلك

مختار - أنا الذي أذهلته المفاجأة أم أنت التي أذهلك الحب حتى أصبحت لا تعين ما تقولين؟ أينحصر خطأك حقا في أنك لم تستشيريني في أمر الزواج؟ أين ذهبت تصريحاتك بأنك لن تحبي ولن تتزوجي أبداً وأنك ستظلين وفية لذكرى حبك الأول؟ وماذا فعلت بتأكيدك لي أن صداقتنا قد أخذت بمجامع قلبك فأصبح لا يرضى عنه بديلا؟

حكمت - نعم لقد أخطأت ولكن. . . النهاية سامحني يا صديقي. . . المسامح كريم

مختار - أنا لا أسامحك أبداً

حكمت - أتوسل إليك

مختار - أبداً أبداً

حكمت - حسن! أفضل أن أتركك غاضبا على أن أتركك متألما (وتسرع بالخروج)

مختار - (يبقى في ذهول لحظة وهو لا يكاد يصدق أنها خرجت ثم يصرخ): حكمت. حكمت هانم حكمت هانم (ويندفع نحو الباب ويفتحه ويلقي نظرة سريعة ثم يعدو إلى المسرح قائلا) ذهبت لقد ذهبت.

(ثم يتمالك نفسه ويقول في هدوء أولا ثم في انفعال):

حقا أن من تصل به السذاجة إلى حد أن يؤمن بصداقة امرأة ليستحق درساً قاسياً كهذا ان المرأة لا تتخذ لنفسها صديقا إلا إذا خلا قلبها من الحب، ولا تزيد صداقتها عن سد الفراغ بين حب انتهى وحب منتظر. صديقها عشيقها. هذه هي الحقيقة.

ينزل الستار