مجلة الرسالة/العدد 26/من طرائف الشعر

مجلة الرسالة/العدد 26/مِن طرائف الشِعر

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 01 - 1934



نشيد النيل

للأستاذ محمود الخفيف

طالما سرت وقد طاب النسيم ... في بهاء الصبح أو صفو الأصيل

أجتني اللذات من روض النعيم ... حيث يجري النيل في الوادي الظليل

وأرى الشاطئ رفَّاف الأديم

يسحر الأعينَ مرآه الوسيم

سندس طلق وماء سلسبيل

مسرح للعين والقلب معا ... رائق الآصال وضاح البُكَر

قامت الأطيار فيه سُجَّعا ... وزكت فيه أفانين الزَّهَر

وبسلط الروض يبدو ساطعا

يمرح الشاعر فيه راتعا

بين دوْح ونخيل ونَهَر

ينجلي النيل لديه رائقا ... رائع الأقبال موفور الجلال

كجنين الصبح يبدو مشرقا ... في معاني الحسن مفقود المثال

ساقه الله فراتا دافقا

طافح البشر نميرا مونقا

آية في الكون من آي الجمال

يا وريد القلب في الوادي الخصيب ... أنت يا من وهب الوادي ثراه

سر تدفق أيها النهر الحبيب ... يا عبابا يبهر الفكرَ مداه

يا جديدا وهو للدهر ضريب

يتجلى فيك لي معنى عجيب

فطن القلب إليه فوعاه

أنت كالمصريِّ في نزعته ... زاخر بالخير فياض المعين

خالد تحكيه في فطرته ... وداع تنساب في خفض ولي حالم كابنك في رقته

ولقد تحكيه في غضبته

باعتكار ثم تصفو بعد حين

أنت في الوادي تراث الأزل ... لم تنل منك تصاريف الزمن

وستبقى مستدام الأجَلِ ... ليس يعروك فناء أو وَهَن

ذاكراً للناس عهد الأول

باعثا في مصر روح الأمل

حافزا للجد أشبال الوطن

إيه يا رمز المعالي والخلود ... قد شهدت المجد والدهر غلام

وصحبت العز في كل العهود ... في هجير الحرب أو ظل السلام

قِرَّ عينا أيها النهر الودود

قد صحونا بعد أن طال الهجود

وجمعنا بين رأي واعتزام

أيها النيل سلام عاطر ... ما أضاء الصبح أو أمسى المساء

لك يا نيل وفاء ظاهر ... وصفاء لم يكدره الجفاء

قد دعانا منك عزم صابر

لا روانا بعد فيض غامر

ان صدفنا اليوم عن هذا الدعاء

تحية الرسالة في مستهل عامها الثاني

للأديب فخري أبو السعود

حيَّ الرسالة في أولى مراحلها ... وودِّع العام عنها خير توديعِ

أوْفَتْ على عامها الثاني فلا برحت ... تسير للنُّجح سيراً غير مقطوع

تحية الشعر يهديها لأروعَ ذي ... ماضٍ مكينٍ وفضل غير مدفوع

صافي النسيج إذا ما راح يحْكِمُه ... ورصّع اللفظ فيه خير ترصيع عف المقالة لم تهمم يراعته ... يوما بهجوٍ ولم تعمد لتقريعِ

ضمتْ جهابذةَ الفصحى رسالتُه ... في حُسنِ سمْطٍ نضيدِ النَّظم مجموع

ومهَّدتْ لحصيف النقد مخلصه ... ونَوَّهَتْ برصين الشعر مطبوع

فجال فيها جِيادُ النثر واستَبَقَتْ ... ورَّجع الشعر فيها أي ترجيع

وصال فيها أساطينٌ الو هِمَم ... مِنْ كلْ ذي قلم للعلم مشروع

يُبَسطَّون بها للدرس منهجه ... على طراز عزيز النَّدِ ممنوع

أئِمة الضادِ من عِشرينَ تَعْرِفهمْ ... في منتدًى للحجى والفضل مرفوع

قد أترعها بنبع من قرائحهم ... ومِن مَعين اللغى الأخرى بينبوع

ترضي صحافة مصر عن رسالتهم ... وعن جهاد لها بالنجح مشفوع

قد احتوتْ في قليل من صحائفها ... كل الفنون وجابت كل موضوع

وأشرقت كلْ شهر مرتين لنا ... واليوم تشرق فينا كل أسبوع

حلم

للشاعر الدمشقي أنور العطار

ذَوبْتُ في رَوْعهِ الامْسَاء أتْرَاحى ... وَصُغْتهَا نَغَمَات ذَاتِ أفْرَاح

أعيِذٌ أشعْارٍيَ الضَّحَّاك مَبْسِمُها ... منْ كُلِّ مُسْتَرْسِلِ الأعْوَالِ نَوَّاح

مَا قيمةُ العَيش نمضيهِ مُرَوَّعةً ... أحْلاَمُنّا بخَيّالاَت وأشْبَاحِ

يَسْمُو بِكَ الكَونُ إمَّا زدّتَهُ مَرحاً ... وَالكَوْنُ ملكُ لعُوبِ الْحُلْم مِمْراحِ

إِغْفَاءةٌ تَعْدلُ الدُّنْيَا بمَا نِهلتْ ... أفْيَاؤهِا مْن نَعِيِمٍ غَيْرِ مِنْجَاحِ

فَغطَّ فيِ حُلْمِكَ الفِضِّيِّ مُطَّرحاً ... إِسَار عَيْش طَويل الهَمِّ مِلْحَاحِ

فقِي غيَابَتِهِ تغفى موَاجُعنا ... كَأنَّمَا قَد مَحَا آثَارَهَا مَاحِ

يا غيْبُ! مهدِّ لِرُوحي فيكَ معتكَفا ... رحبَ الاعاليلِ خصْباً جِدَّ مَنَّاحِ

مُجنَّح الحُلْم مبثوثَ الأطار رُؤىً ... كالفجرِ ما بينَ تعتيمٍ وإِصباح

يُعِله النورُ أو تَعرى مَحِفته ... كأنها زهرةٌ في كف سباح

تِغيم بالزَّبد الواهي غِلالتُها ... فتنجلي عن جبينٍ مُشْرقٍ ضاح وإِن تَضِع في مطافٍ جاهد عسِرٍ ... تظفرْ بفيءٍ وأمواهٍ وأرواح

هذى سماؤك فانظمْ في روائِعها ... شعرَ الخلودِ بتَبيانٍ وأفصاح

يعيرُك الشفق الرَّجراج قافيةً ... من كل مؤتلق الألوانِ لماح

ففي الغيوم أناشيد وأخيلةٌ ... صبَيغةٌ بسَناً كالفجرِ وضَّاح

يا زورقَ الشعرِ جُزْ يَمَّ الدنى فرِحا ... لأنتَ في غُنيةٍ عن كل ملاَّح

رُبَّانكِ الحبٌ، لا تثنيه غاشيةٌ ... عن السُرى في سماء ذاتِ ألواح

الخلود

للأستاذ خليل هنداوي

وساقية راعها قائل ... (نجئ، ونذهب كالساقيه)

فقالت - واَلمها قوله ... متى أدركت روحه شانيه؟

خرجْت من الأرض دفَّاقة ... وودَّعتُ أرض الحمى باكيه

ما كان معنى خريري سوى ... بكائي على نفسي الفانيه

هويتُ إلى البحر مضطرة ... لي الله من قطرة هاويه!

فما غمرتني - سوى برهة - ... من البحر أمواجه الطاغيه

فحُمَّلْت فوق متون السحاب ... وعدت إلى وطني ثانيه

فِأدركتُ بخلود الوجود ... فتسمعني إذن واعيه

وقد أدرك الروض هذا الحديث ... فلم يبك أزهاره الذاويه

وقد فهمتهُ طيور المروج ... فما أسلمت روحها شاكيه

وان تبك لا تبك إلا على ... مظاهرَ قد بُدِّلت ثانيه

مظاهر تسمو بقدر الطموح ... وتسفل في الأنفس الدانيه

فمن وردة رجعت شوكة ... ومن شوكة. . . وردة ساميه

ومقياس ذلك في رغبة ... تقود إلى المثل العاليه

رويداً! فأنت هنا خالد ... تروح وترجع كالساقيه. .

دير الزور احب السماء

أحبُّ السماَء إذا ازَّينتْ ... بأنجهما وأطل القمرْ

وماجتْ بموكبها في الظلام ... كبحرٍ تَلاَمَحُ فيه الدُّرَرْ

أحِبُّ السماَء إذا أبرقتْ ... بليلٍ وجَلْجَلَ فيها السحابْ

وغارت بها الانجم الزاهراتُ ... كما غَيَّبَ الهامدينَ التراب

وعمَّ الدُّجَى واكفهرَّ الغمامُ ... كوجهٍ تلبَّدَ فيه الأَسَى

وهَبَّتْ تعربد ريح الشتاءِ ... وضَلَّ شريدُ القضاء الحمَى

أحبُّ السماء إذا ما الربيعُ ... كساها من الورد أبهى وشاح

وأضحت مجالا لأنفاسه ... ومهداً عليه الأصيلُ استراح

حمص

رفيق فاخوري

الوردة الذابلة

قالت وقد ألفْت على وجها ... لفحة سقم لم تكد تنجلي

إن تذبل الوردة ظلّت لها ... بقيةٌ من عطرها الأوّل

قلنا وطيّ النفس ماطْيها ... لو شاءت الوردة لم تذبل

لو شاءت الوردة كنا لها ... ندى إذا الأنداء لم تنزل

لو شاءت الوردة كنا لها ... شوكا يقيها عبثَ الأنمل

لو شاءت الوردة كنا لها ... أرضا مُوَّطاة على جدول

لو شاءت الوردة كنا لها ... شمسا تريقُ الضوء في معزل

فظلّ للوردة ما أُعطيت ... من ناضر الحسن وغالي الحلي

لكنها اختارت لها مغرسا ... بمثلها في الورد لم يجمل

حيث الثرى سمُّ وحيث الندى ... هم وحيث الضوء لم يُرسل

فكان حقا أن ترى حسنها ... يذوي وأن لا تُعجب المجتلى وإن تعّزتْ ببقايا الشذى ... فهو عزاء الكحل للأحوال

محمود عماد