مجلة الرسالة/العدد 262/تيسير قواعد الإعراب

مجلة الرسالة/العدد 262/تيسير قواعد الإعراب

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 07 - 1938



لأستاذ فاضل

- 1 -

ألفت وزارة المعارف جماعة لتيسير قواعد تدريس اللغة العربية من حضرات الأساتذة طه حسين عميد كلية الآداب، وأحمد أمين وإبراهيم مصطفى الأستاذين بهذه الكلية، وعلي الجارم بك مفتش اللغة العربية الأول، ومحمد أبي بكر إبراهيم المفتش بوزارة المعارف، وعبد المجيد الشافعي الأستاذ بدار العلوم

وكان على وزارة المعارف أن تراعي مكان الأزهر في هذا العمل الذي أرادته، فتضيف إلى رجالها الذين اختارتهم من كلية الآداب ودار العلوم أستاذين أو أكثر من رجال الأزهر، حتى يأتي هذا العمل الذي أرادته باتفاق معاهد العلم في مصر، فيكون له مكانته واحترامه، لأن التغيير الذي عملته تلك الجماعة لا يقتصر على تيسير قواعد تدريس اللغة العربية، بل يتعدى هذا إلى إحداث تغييرات خطيرة في نفس تلك القواعد، فكان من الواجب أن يختار لذلك جماعة من هذه المعاهد المختلفة في بيئتها وثقافتها، ليتم الأمر فيه بعد تجاذب العقول المختلفة، والمشارب المتباينة، وبعد دراسته دراسة متزنة تقوى على النقد، وتقبلها هذه البيئات المختلفة

ولقد ظهر عمل هذه اللجنة فظهرت حركة يراد منها القضاء على كل ما عملته بجملته وتفصيله، ولا يهمها بعد هذا أمر تيسير تلك القواعد التي ألفت هذه الجماعة من أجله، وهو أمر لا بد لنا منه في هذا العصر الذي تزاحم فيه العربية مزاحمة شديدة يخشى منها عليها، وتأخذ نفوس كثير من أبنائها إلى الانصراف عنها لما تجده من تعقيد في بعض قواعدها، فلا بد لنل من تذليل هذه القواعد المعقدة وتيسيرها، ولا بد من حذف ما فيها من حشو يمكننا الاستغناء عنه، ويجب إذا ظهر أمامنا عمل في هذا السبيل أن نعمل على الاستفادة منه، وأن يكون رائدنا البحث في تهذيبه وتكميله، ولا يصح أن يكون رائدنا هدمه وتقويضه لا غير، فكم جنى هذا على محاولات الإصلاح فينا، وكم نشر فينا من عوامل اليأس في إصلاح حالنا. وسيكون نظرنا في عمل هذه اللجنة قائماً على أساس التهذيب والتكميل، ونرجو أن يكون هذا رائد كل محب للغته، حتى يتم لنا النهوض بها، ولا يكون حظنا ف هذه المحاولة الإصلاحية كحظنا في غيرها من محاولات الإصلاح، معركة من التنابذ والتخاصم تفسد ولا تصلح، وتهدم ولا تبني، ويعمل فيها سوء الظن بكل جديد عمله في توسيع مسافة الخلف، وعدم الوصول إلى شيء يصح الاتفاق عليه. ولولا هذا الظن السيئ بكل جديد لأمكننا أن نصل إلى هذه الغاية التي تقضي على أسباب الخلاف بيننا، وتعمل على توحيد كلمتنا، وتجعل التعاون على الإصلاح رائدنا في كل أعمالنا

باب الإعراب

ترى اللجنة وجوب الاستغناء عن الإعراب التقديري والإعراب المحلي، لأن مثل - الفتى - يعرب بحركات مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، ومثل - القاضي - تقدر فيه حركتا الرفع والجر لأجل الثقل، ومثل - غلامي - تقدر فيه الحركات الثلاث لأجل المناسبة، وفي تقدير الحركات وفي الإشارة إلى سبب التقدير مشقة يكلفها التلميذ من غير فائدة يجنيها في ضبط كلمة، أو في تصحيح إعراب. كذلك الإعراب المحلي، فمثل (هذا هُدىً) هذا يبنى على السكون في محل رفع، ومثل (يا هذا) مبني على ضم مقدر منع منه سكون البناء الأصلي في محل نصب، وكذلك (يا سيبويه) مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأصلي في محل نصب. وهذا عناء مضاعف وجهد يبذل لغير شيء، فيجب الاستغناء عن الإعراب التقديري وعن الإعراب المحلي في المفردات وفي الجمل، ويوفر على التلميذ والمعلم والعلم هذا العناء

وعندنا أن الذي يمكن في هذا إدماج الإعراب المحلي في الإعراب التقديري، فيستغنى بهذا عن باب البناء كله، ويوفر على التلميذ والمعلم والعلم ما يبذل من الجهود في هذا الباب، وما يجب أن يراعى في التطبيقات من الفروق بين الإعراب والبناء، بأن يقال إن هذا مبني وذاك معرب، وبأن يقال في المبني إن محله كذا من الرفع أو النصب أو الجر، ولا يخفى ما يذكر في علة البناء من تكلفات لا داعي إلى ذكرها هنا

فلغة العرب تمتاز على غيرها من اللغات بأنها معربة، أي بأن أواخر كلماتها لا تلازم حالة واحدة، وهذا الحكم عام في أسمائها وأفعالها وحروفها، لأن حروف العربية منها ما هو مفتوح الآخر مثل رُبَّ، ومنها ما هو مضموم الآخر مثل مُنْذُ، ومنها ما هو مكسور الآخر مثل جَيْرِ، ومنها ما هو ساكن الآخر مثل عن، فمثل - رب - يقال في إعرابها إنها منصوبة بالفتح الظاهر، ومثل - منذ - يقال في إعرابها إنها مرفوعة بالضم الظاهر، ومثل - جير - يقال في إعرابها إنها مجرورة بالكسر الظاهر، ومثل - عن - يقال في إعرابها إنها مجزومة بالكسر الظاهر

وكذلك أفعال العربية وأسماؤها، فأفعالها منها ما هو مفتوح أو مضموم أو ساكن، مثل الماضي في - نام - ناموا - نمت - ومنها ما هو مضموم أو مفتوح أو ساكن، مثل المضارع في - يفهم - لن يفهم - ليفهمنَّ - لم يفهم - يفهمن - ومنها ما هو ساكن أو مفتوح مثل الأمر في - افهم - افهمنّ

وهذا كله فيما يتعلق بحركات الإعراب الأصلية، أما العلامات التي تنوب عنها فسيأتي الكلام عليها في العلامات الأصلية والفرعية

وأما أسماؤها فمنها ما هو مضموم مثل المبتدأ والخبر في قولك (الباب مفتوح) ومنها ما هو مفتوح مثل اسم إن في قولك (إن العدل محمود) ومنها ما هو مكسور مثل المضاف إليه في قولك (غلام زيد). ويمتاز الإعراب في الأسماء بأنه يجري على حسب أنواعها لا على حسب مفرداتها، فكل مبتدأ فيها مضموم وهكذا، وكل مفعول فيها مفتوح وهكذا، وكل مضاف إليه فيها مجرور وهكذا، ومثلها الأفعال في ذلك إلى حد ما

والإعراب التقديري يأتي في الكلمة العربية بأن يكون لها حكم في الإعراب باعتبار نوعها، ولكنها تكون في ذاتها متحركة بحركة تخالف حكم نوعها في إعرابه، فمثل (جاء الفتى) الفتى فيه فاعل حكمه الضم، فيكون ضمه تقديرياً، ومثل (جاء سيبويه) سيبويه فيه فاعل مضموم، فيكون ضمه تقديرياً أيضاً

ولا بد من تقدير هذا الإعراب لأنه إذا كان لا يظهر في صاحبه فانه يظهر في تابعه، فتقول (جاء هذا الفاضل)، (ورأيت هذا الفاضل)؛ (وسررت بهذا الفاضل) ولا شك أن وجود هذا الإعراب في التابع يدل على وجوده في متبوعه

وعلى هذا يكون إعراب - جاء سيبويه - مثل إعراب - جاء الفتى - كل منهما فاعل مرفوع بضم مقدر، ولا داعي إلى ذكر سبب التقدير في كل منهما، لأن هذه فلسفة لا طائل تحتها، والاشتغال بها حشو في النحو لا فائدة فيه

ويكون الإعراب التقديري في ثلاثة أقسام من أنواع الكلام: أولها الكلمة المقصورة مثل - عصى - يخشى - الفتى - وثانيها الكلمة المنقوصة مثل - يرمي - القاضي - وثالثها الاسم اللازم، وهو اصطلاح جديد نطلقه على الاسم المبني بعد أن ألغينا ذكر هذا الاصطلاح في النحو، ويدخل في هذا القسم كل اسم لا يتغير آخره في حالات إعرابه من الضمائر والموصولات وأسماء الإشارة ونحوها، فإذا اتفقت الحركة التي يلازمها مع حركة إعرابه كان إعرابه ظاهرا لا مقدراً، مثل - نحن نفهم - فنحن مبتدأ مرفوع بضم ظاهر في آخره، ويكون حاله في هذا قريبا من حالة القسم الثاني وهو المنقوص، إذ يقدر إعرابه في حالتي الرفع والجر، ويظهر في حالة النصب، ولا يقدر إعرابه في جميع حالاته كما يقدر إعراب المقصور

(للكلام بقية)

أزهري