مجلة الرسالة/العدد 263/جورجياس أو البيان

مجلة الرسالة/العدد 263/جورجياس أو البيان

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 07 - 1938



لأفلاطون

للأستاذ محمد حسن ظاظا

- 4 -

(تنزل (جوريجياس) من آثار (أفلاطون) منزلة الشرف، لأنها

أجمل محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بأن تكون (إنجيلا)

للفلسفة!)

(رينوفييه)

(إنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائماً وتنتصر لأنها أقوى وأقدر

من جميع الهادمين!)

(جورجياس: أفلاطون)

الأشخاص

1 - سقراط: بطل المحاورة: (ط)

2 - شيروفون: صديق سقراط: (س)

3 - جورجياس: السفسطائي: (ج)

4 - بولوس: تلميذ جورجياس: (ب)

5 - كاليلكس: أثيني: (ك)

ط - (تابع ما قبله) وإذا قال لي بعد ذلك مدرب الألعاب الرياضية: (إني لجد دهش يا سقراط لأن جورجياس يريد أن يريك أن الخير الذي ينتج عن فنه أعظم من الخير الذي ينتج عن فني): فإني سأقول له: ومن أنت وما مهنتك يا صديقي؟ وطبعاً سيجيب بأنه مدرب ألعاب، وبأن مهنته هي تجميل الجسم وتقويته! ثم إذا أتى رجل الأعمال بدوره واحتقر جميع المهن الأخرى وقال فيما أظن: (أحكم بنفسك يا سقراط إذا ك غيره يستطيع أن يأتي بخير أعظم من الثروة؟) فإنا سنقول له: ماذا؟ وأي شيء تمتهن؟؟ وسيجيب مؤكداً ما قال!! وهنا سنسأل: ومن أنت إذاً؟ وسيقول: إنه رجل أعمال! ومن ثم سنقول له: عجباً! أتعتبر الثروة أعظم الخيرات جميعاً؟ وسيكون جوابه: نعم بكل تأكيد!)

فترى هل أتبع يا جورجياس من يدعي أن فنه ينتج خيراً أعظم من الخير الذي ينتجه فنك؟ واضح أنه سيسأل بعد ذلك عن هذا الخير الأكبر الذي تقول به يا جورجياس! فتصور إذاً أن نفس السؤال قد وجه إليك منهم ومني، وأخبرني من أي شيء يتركب ذلك الذي تسميه أعظم خيرات الإنسان، والذي تفخر بأنك تجلبه للناس؟

ج - إنه في الحقيقة يا سقراط أكبر الخيرات وأعظمها! بل إنه ما ينسب إليه الناس دفعة واحدة استقلالهم، وما يمد كل فرد في مدينته بالوسيلة التي يسود بها على الآخرين!

ط - ولكني مازلت أسأل ما هو؟

ج - إنه - فيما أرى - أن يكون المرء قادراً على أن يقنع بالخطاب القضاة في محاكمهم، والشيوخ في مجالسهم، والجماهير في جمعياتهم، أو هو - في كلمة - إقناع من يكونون كل نوع من أنواع الاجتماع السياسي؛ وبهذه القدرة يترامى الطبيب ومدرب الألعاب على قدميك، بل وبها ترى أن رجل الأعمال لا يثرى من أجل نفسه، بل من أجل شخص آخر هو أنت يا من تمتلك فن الكلام وكسب روح الجماعات!

ط - يلوح أخيراً يا جورجياس أنك قد أريتني بكل ما تستطيع من تقريب أي فن هو البيان في رأيك. وإذا كنت قد فهمت حسناً فإنك تقول إنه (عامل الإقناع)، وإن الإقناع غاية كل عملياته، وإنه - بالاختصار - ينتهي إليه.، فهل تستطيع حقيقة أن تبرهن لي على أن قدرة البيان تذهب إلى أبعد من توليد الإقناع في نفوس المستمعين؟؟

ج - أبدا يا سقراط! وأرى أنك قد عرفته تعريفا حسنا لأنه إنما يرد إلى ذلك حقا.

ط - أصغ إليّ يا جورجياس! إذا كان هناك من يتحدث إلى غيره ويرغب في نهم أن يعرف تماماً موضوع الحديث، فكن واثقا أني أملق نفسي بأني من هذا النوع، بل وأحسب أنك منه أيضاً.

ج - وإلى أي شيء يتجه يا سقراط؟

ط - يتجه إلى هذا. سأقول لك إني لا أتبين بوضوح طبيعة ذلك الإقناع الذي تنسبه إلى البيان، ولا من ناحية أي الأعمال يأخذ ذلك الإقناع مكانه!، وليس هذا لأني لا أشك فيما تريد أن تقول فحسب، بل لأني سأطلب منك أيضاً أي إقناع يولده البيان، وحول أي المواضيع يدور ذلك الإقناع. ولتعلم أني إذا سألتك بدلا من أن أشركك معي في أوهامي وظنوني، فإني لا أبغي بسؤالي شخصك، وإنما أبغي به أن يتقدم بنا الحديث على نحو يحدد لنا موضوع السؤال بالوضوح المستطاع. فاحكم بنفسك هل أنا مصيب في سؤالي إذا سألتك: من أي أنواع المصورين وإذا أجبتني بأنه مصور حيوان، ألا يكون لي الحق في أن أطلب منك فضلا عن ذلك: أي الحيوانات يصورها؟ ومن أية ناحية؟؟

ج - بلا شك.

ط - أو ليس الأمر كذلك لأن هناك مصورين كثيرين يصورون حيوانات أخرى كثيرة؟

ج - بلى.

ط - بينما لو كان هو المصور الوحيد للحيوانات فعندئذ تكون إجابتك حسنة.

ج - بالتأكيد.

ط - فأخبرني إذا فيما يتعلق بالبيان، أيلوح لك أنه الوحيد الذي ينتج الإقناع، أو أن هناك فنونا أخرى تستعمل الإقناع بمقدار ما؟ أريد أن أقول أيقنع كل من يُعلمُ شيئا ما ذلك الذي يعلمه أم لا يقنعه!

ج - إنه يقنعه تماما من غير ما تنقض يا سقراط.

ط - ولكيما نعود إلى نفس الفنون التي أشرنا إليها من قبل، ألا يعلمنا الحساب ورجاله كل ما يتعلق بالأعداد؟

ج - بلى.

ط - أو لا يُقنعون بها في نفس الوقت؟

ج - نعم.

ط - فالحساب إذا عامل إقناع كذلك!

ج - يلوح هذا.

ط - فإذا سأل سائل: أي إقناع ومن أية ناحية؟، فالجواب هو الإقناع الذي موضوعه كمية العدد فردا كانت أم زوجا وكذلك نستطيع أن نبين إزاء الفنون الأخرى التي نتكلم عنها أنها تنتج الإقناع وأن نميز فيها النوع والموضوع. أليس ذلك صحيحاً؟

ج - بلى.

ط - إذا ليس البيان وحده هو الفن الذي موضوعه الإقناع!؟

ج - إنك تقول حقاً.

(يتبع)

محمد حسن ظاظا