مجلة الرسالة/العدد 274/ملاحظات انتقادية على مقترحات لجنة التيسير

مجلة الرسالة/العدد 274/ملاحظات انتقادية على مقترحات لجنة التيسير

مجلة الرسالة - العدد 274
ملاحظات انتقادية على مقترحات لجنة التيسير
ملاحظات: بتاريخ: 03 - 10 - 1938



للأستاذ أبي خلدون ساطع الحصري بك

مدير دار الآثار العراقية

- 1 -

إن الملاحظات الانتقادية التي نشرتها في العدديين الأخيرين من الرسالة حول كتب (قواعد اللغة العربية) تغني عن شرح طويل لتحديد موقفي وتبين رأيي في المقترحات الواردة في تقرير لجنة التيسير

فبعد تسجيل واجب الشكر لوزارة المعارف في مصر، لإقدامها على تأليف لجنة خاصة لدرس وسائل تيسير قواعد الصرف والنحو، ولفتحها باب الدرس والمناقشة في هذه الوسائل، أرى من واجب الصراحة أن أقول: إني قرأت التقرير الذي وضعته هذه اللجنة بشيء كثير من خيبة الأمل. . . لأني لاحظت أن المقترحات الواردة فيه ضيقة النطاق جداً، وليس من شأنها أبداً أن تؤدي إلى (تيسير) مهم. . .

فاللجنة المحترمة لم تتطرق في تقريرها إلى شيء من المسائل التي عرضتها في مقالي الانتقادي، ولم تنتبه إلى النقائص المهمة والأغلاط العظيمة المندمجة في خطط التبويب والتعريف، ولم تقدم على إنعام النظر في طرق التقسيم والتصنيف. . .

فأستطيع أن أقول إذاً، إنها لم تتخلص من النزعة العامة التي أشرت إليها وإلى أضرارها، ولم تخرج على المسالك الملتوية التي شرحتها وانتقدتها. . .

فجميع الملاحظات الانتقادية المسرودة في مقالي عن (كتب قواعد اللغة العربية) تنطبق على أبواب (الصرف والنحو) التي اقترحتها اللجنة المحترمة أيضاً. . . وفي الواقع أن اللجنة قد صرحت في تقريرها أنها قدمت اقتراحاتها كخطوة أولى في سبيل التيسير إذ قالت ما يلي: (وقد اتصلت اجتماعات اللجنة للنهوض بهذه المهمة التي وكلت إليها حتى انتهت إلى طائفة من الاقتراحات ترفعها الآن إلى الوزارة، لا على أنها المثل الأعلى لما ينبغي الوصول إليه من تيسير النحو والبلاغة، بل على أنها خطوة معتدلة موفقة في سبيل التيسير قد تتاح بعدها خطوات أدنى إلى التوفيق وأقرب إلى الكمال. . .) فقد يقال - نظراً إلى هذا التصريح - إن النقوص والأخطاء التي كانت موضوع مقالي السابق، ربما كانت من جملة المسائل التي لاحظتها ودرستها اللجنة وتركتها إلى الخطوات التالية لاعتقادها صعوبة معالجتها في الخطوة الأولى من خطوات التيسير. . .

غير أني اعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن ترمي إلى معالجة (أهم المسائل من حيث مقتضيات العلم والتعليم، وأسهل الإصلاحات من حيث العمل والتنفيذ) كما اعتقد أن النقوص والأخطاء التي أشرت إليها أكثر خطورة وأسهل معالجة من الأمور التي اقترحتها اللجنة. فأقول بهذا الاعتبار أن معالجة هذه النقوص وهذه الأخطاء يجب أن تكون أول خطوة من خطوات التيسير والإصلاح

ولهذه الأسباب أتقدم إلى أعضاء اللجنة المحترمين برجاء خاص أن ينعموا النظر في المآخذ التي عرضتها في مقالي السابقين بنظرة متجردة عن تأثير الألفة المخدرة؛ ولا أشك في أنهم عندما يفعلون ذلك يسلمون بأن قواعد اللغة في حاجة إلى معالجة وتيسير وإصلاح من النقائص التي ذكرتها آنفاً قبل سائر النواحي. . .

- 2 -

بعد هذه الملاحظات العامة التي أنتقد بها اللجنة لعدم تطرقها إلى الأبحاث المهمة يجب علي أن أنتقل إلى المسائل التي عالجتها اللجنة المذكورة فأبدي رأيي فيها. . .

إنني أؤيد معظم آراء اللجنة ومقترحاتها، غير أني أرى نقصاً في بعضها وخطأ في البعض الأخر

أولاً - حللت اللجنة أهم أسباب الصعوبة التي اكتنفت قواعد اللغة العربية فقالت:

(وقد لاحظنا أن أهم ما يعسِّر النحو على المعلمين المتعلمين ثلاثة أشياء:

أولاً - فلسفة حملت القدماء على أن يفترضوا ويعللوا ويسرفوا في الافتراض والتعليل

(الثاني - إسراف في القواعد نشأ عنها إسراف في الاصطلاحات.

(والثالث - إمعان في التعمق العلمي باعد بين النحو وبين الأدب. . .

(وقد حاولنا أن نخلص النحو من هذه العيوب الثلاثة، فبرأناه من الفلسفة ما وسعنا ذلك. ومحونا منه الافتراض والتعليل اللذين لا حاجة إليهما، وقاربنا بين أصوله وقواعده. فضممنا بعضها إلى بعض، كلما وجدنا إلى ذلك سبيلا) إنني أشارك اللجنة في هذه الملاحظات، غير أنني أرى من الضروري أن يضاف إلى هذه العوامل الثلاثة عامل آخر، ربما كان أفعل من جميعها في توعير المسالك وتوليد الأخطاء:

هذا العامل هو النزوع إلى اعتبار مسائل الأعراب الغاية القصوى من دراسة اللغة، والاهتمام بالأحكام النحوية وبمواطن الأعراب أكثر من الالتفات إلى المعاني المقصودة ومواطن الاستعمال، كما شرحت ذلك وعللته في مقالي الأخير. إنني اعتقد أن التخلص من هذه النزعة ومن نتائجها، من أهم الأسس التي يجب أن تبنى عليها محاولات التيسير والإصلاح. .

ثانياً - تقترح اللجنة ترك فكرة الجملة الاسمية والجملة الفعلية، وحذف تعبيرات الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ والخبر، واستبدال هذه التعبيرات المختلفة بكلمتي الموضوع والمحمول (حسب اصطلاح المناطقة)

وأنا لا أرى في ذلك وجهاً للتيسير، بل أعتقد أن هذه الخطة تزيد الأمر صعوبة، كما أنها تخالف طبيعة اللغة العربية مخالفة واضحة. . .

وذلك لأن تفهم المبتدأ والخبر، وتمييز الفاعل، أسهل بكثير من تفهم المحمول والموضوع وتصورهما. كما أن تقسيم الجملة إلى اسمية وفعلية أكثر انطباقاً على خصائص اللغة العربية:

إذ من المعلوم أن بعض اللغات محروم مما يشبه الجملة الاسمية، لأن كلمة جملة فيها تحتوي على فعل، ولو كان من النوع الذي يدل على الكينونة والصيرورة؛ غير أن اللغة العربية لا تدخل في عداد تلك اللغات، لأنها تساعد على تكوين جمل بدون أفعال؛ فتمييز الجمل الاسمية من الفعلية، ودرس كل منها على حدة، يكون أقرب إلى طبيعة اللغة العربية، وأوفق لمقتضيات أصول التدريس. . .

ولا أراني في حاجة إلى القول بأن درس كل نوع من هذين النوعين من الجمل على حدة، لا يعني عدم إجراء مقارنة بينهما. . . لأن التمييز بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية لا يمنعنا من لفت النظر إلى المشابهة الموجودة بين الفاعل والمبتدأ، من حيث المعنى ومن حيث الأعراب. . . ولا أشك في أن الإقدام على مثل هذه المقارنات مما يضمن لنا الحصول على الفوائد المتوخاة من التقريب، دون أن يعرضنا للمشاكل التي تتولد من المزج والإدماج. .

ثالثاً - تقترح اللجنة توحيد الاصطلاحات المتعلقة إلى بحركات البناء والأعراب، كما تقترح حذف الأعراب التقديري والمحلي. .

إنني أحبذ ذلك كل التحبيذ؛ غير أنني أطالب بأكثر من ذلك فأقترح حذف الأبحاث المتعلقة بحركات البناء حذفاً تاماً. لأني لا أرى فائدة عملية أو علمية في البحث عن هذه الحركات.

أن حركة الحرف الأخير من الكلمة تكتسب خطورة كبيرة في المعربات، نظراً لتحولها حسب موقع الكلمة من العبارة وعلاقتها بالكلمات التي تسبقها وتليها؛ وأما حركة الحرف الأخير في الكلمات المبنية، فلا تمتاز عن سائر الحروف امتيازاً يستوجب إنعام النظر فيها بوجه خاص. . فإذا عرف الطالب مثلاً - أن (أجلس) فعل أمر، وكلمة (علم) فعل ماض، وكلمة (منذ) حرف، وعرف في الوقت نفسه أن الحروف وأفعال الأمر والماضي من المبنيات. . . فلا يجني أية فائدة عملية، من ملاحظة حركة الحرف الأخير في هذه الكلمات؛ وربما استفاد من الانتباه إلى حركة الحرف الثاني أكثر من ذلك، لكثرة وقوع الخطأ فيها. .

فيكفي الطالب أن يعرف الكلمة، ويلاحظ عملها في العبارة دون أن يتوغل في تعيين حركة بنائها. .

فعندما نسعى إلى تمرين الطلاب على تحليل العبارات، يجب أن نطلب إليهم أن يعينوا نوع كل كلمة من كلماتها. . ويذكروا الوظيفة التي تقوم بها في العبارة كل واحدة منها. وأما إعرابها في المعنى المصطلح والبحث في حركة حرفها الأخير، فيجب أن ينحصر في المعربات منها.

وأعتقد أن هذه الخطة تخلص المعلمين والمتعلمين من أتعاب الذهن وإضاعة الوقت في أمور غير مجدية، وتضع حداً للملل الذي يغشي درس اللغة العربية في أكثر الأحيان.

(بغداد)

أبو خلدون