مجلة الرسالة/العدد 277/كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن

مجلة الرسالة/العدد 277/كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن

مجلة الرسالة - العدد 277
كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن
ملاحظات: بتاريخ: 24 - 10 - 1938



الشيخ إبراهيم اليازجي

لأستاذ جليل

- 4 -

عمل (المظللون) بالقول الأوربي المشهور الملعون: (المأرب يبرئ الذريعة) فأشاعوا مشاعهم، وطبعوا في (كتابهم) مكذوبهم: (هاشم العربي الشيخ اليازجي) مسيئين إلى صاحب (الضياء) في حياته ومماته. وقد صدَّق الناس من بعد ما رأوا الكلام فربتهم. وهأنذا أصدع اليوم بالحق معلناً في (رسالة الإسلام والعربية) براءة اليازجي مما قذف به. ومعي برهانان دامغان؛ فقل للضالين المضلين أصحاب الكتاب المزور وذوي الكذب السخت (قل: هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين).

البرهان الأول

كانت تلكم الإشاعة، ونشر المضللون قطعة من (مكتوبهم) في مجلتهم التضليلية. فكتب حجة الإسلام الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في (مناره) عجلان غير مستأن ولا متثبت - هذه الجملة: (نشرت مجلة البروتستنت المصرية نبذة في الطعن في القرآن نقلها عن كتاب لهم يقال: أن للشيخ إبراهيم اليازجي يداً في تصحيحه أو تأليفه أو ترجمته والزيادة فيه) وقد حدا الإمام على التسرع بما كتب غضبه الغضوب للدين، ومزاج كريم يشتعل بأدنى قدح. . .

فلما أطلع صاحب (الضياء) على الذي في (المنار) هاج أيما هيج بل كاد يجن؛ إذ فحواه عنده أنه عسيف من العسفاء عند (المبشرين) و (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها) وأنه يجهل العربية - وما يعرف منها هو رأس ماله في الحياة - وأنه عدو للمسلمين - وهنا الخطب المهم - فسارع إلى إذاعة كلمة في (ضيائه) قال فيها: (وقفنا نقلب الطرف في هذا الكلام ونحن نستحضر ما كر علينا من سوالف الأيام، ونتمثل ما مر بنا من غرائب الأحلام، لعلنا نتذكر في أي عهد كنا من المناقشين في العقائد الدينية، وفي أي زمن كنا نؤلف الكتب في الطعن على الأسفار السماوية. ومتى كنا نتعاطى حرفة التبشير بالأديان، وأي ث صرف بعض القوم عما اعتقدوه من الأيمان. أمور يعلم كل من له أدنى معرفة بنا أننا من أبعد الناس عنها) (نحقق لحضرة الرصيف الفاضل أننا براء مما أتهمنا به أو اتهمنا به لديه، وأننا من أبعد خلق الله عن هذه السخافات التي يتاجر بها قوم لاستدرار الرزق من أخبث موارده. وإن لم يكن له بد من ملازمة هذا الموقف والنضال بهذا السلاح فعنده من قسوس الإنكليز والأمريكان ومن ينتمي إليهم من المنقسسين - وكلهم معروفون لديه اسماً وجسماً - ومن يكفيه استنزالنا إلى هذا المجال، وتكليفنا أن نعمل بضد ما طبعنا عليه)

هذا كلام اليازجي، وهو قول جاد لا الهازل، والصادق لا الكاذب، وقد كان الرجل صادقاً، وكان ذا إباء وكبرياء، يعرف ذلك في خلائقه من يعرفه، فلم يخدم المبشرين في حال، ولم يسف إلى تلك (السخافات التي يتاجر بها قوم لاستدرار الرزق من أخبث موارده) ثم إن اليازجي من طائفة (الروم الكاثوليك) والمضللون من البروتستنت، والكاثوليكي حرب البروتستنتي، والبروتستنتي لابن الكنيسة الكاثوليكية عدو مبين فقل لي: (عمرك الله كيف يلتقيان؟)

البرهان الثاني

أغلاط اليازجي في إنشائه وفي تغليطة غيره، فيها البركة. . . لكنه لن يخطئ فيما أثخنه معرفة وفيما خطأ فيه الأدباء. وفي (كتاب التضليل) أغلاط نبه عيها هو نفسه. وكان إعلانه إياها وتلفيق ذاك الكتاب في برهة واحدة، ومستحيل أن يحرم الخطأ عاماً ويحلله عاماً تلبيساً وتدليساً كدأب مضلل أو شعوذي وهذه أقوال (المضللين) وهذه أقوال (الضياء):

1 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين، الصفحة (69): (يتردد إليها جماعة القسس)

قال الشيخ اليازجي (الضياء، السنة (1) الصفحة (357): (ويقولون جماعة القسس بضمتين، يريدون القسوس فيحذفون الواو، لأن فعْلا الساكن العين لا يجمع على فُعُل)

(قلت): في (المصباح): القس جمعه القسوس، وفي (التاج): جمع القس قسوس بالضم. وفي (اللسان): القُسُ العقلاء، والقسس: الساقة الحذاق. . .

2 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة (84): (إنه كان كسائر بني جلدته) (يعني سيد الوجود صلوات الله وسلامه عليه) قال الشيخ اليازجي (الضياء السنة (1) الصفحة (449): (ويقولون: فعل هذا لمصلحة أهل جلدته يريدون قومه وأهل جيله - الجيل الصنف من الناس كالعرب والترك والروس - وقد أولع بهذا العبارة، وتناقلها بعضهم عن بعض من غير بحث ولا تنقيب عن أصل مغزاها ومراد قائلها)

(قلت): تجادل الأستاذ قسطاكي الحمصي والأستاذ سليم الجندي في هذه اللفظة فوافق الأول اليازجي على نقده وخالفه الثاني فيه قائلاً: (قال في اللسان وفي الحديث قوم من جلدتنا أي من أنفسنا وعشيرتنا) ولكل مقام مقال، ولكل حال ألفاظ، والقصد من إيرادنا قول المبشر وقول (الضياء) الأعلام بأن اليازجي لا يستعمل شيئاً أنكره هو.

3 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة (321): (ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وإنما نحن مكلفون بالاعتقاد بأن الله لا شريك له ولا شبيه ومن هؤلاء مالك بن أنس)

قال الشيخ اليازجي (الضياء السنة (7) الصفحة (323): (ويقولون: كلفته بالأمر فيعدون هذا الفعل إلى المفعول الثاني بالباء، والصواب تعديته إليه بنفسه، تقول: كلفته الأمر)

(قلت): الأقوال العربية والمعجمات كلها تساند اليازجي، ولم يعد هذا الفعل بالباء إلا في كلام المتأخرين من المولودين. وفي (الجمهرة): تكلفت الشيء تكلفاً إذا تجشمته، والكلفة من التكلف، والتكلفة تكلفتك الشيء وتحملك إياه.

4 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة (392): (فشرع (أي بحيرا الراهب) يفكر في ما يفعله لردّ أهلها عن الشرك ويتطلب رجلاً منهم يستعين به على غرضه حتى عثر بمحمد)

قال الشيخ اليازجي (الضياء السنة (5) الصفحة (620) في نقده (البؤساء) لحافظ: (وربما وقع له غير ذلك كقوله: (ألم تعثر في طريقك أيها الراهب بغلام) والمنصوص عليه في هذا المعنى عثر عليه لا به)

(قلت): رويت في الجزء (266) من (الرسالة) - الصفحة (1288) ما قاله اللسان والصحاح والأساس في هذا الفعل، ولا ريب في خطأ المبشرين

5 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة (327): (وأنت إذا أمعنت فيه النظر وجدته)

قال الشيخ اليازجي (الضياء السنة (1) الصفحة (354): (ويقولون أمعن في الأمر وتمعن فيه أي تدبره وتقصى النظر فيه، وربما قالوا تمنعه، وأمعن فيه النظر. وكل ذلك غلط لأن الإمعان بمعنى الإبعاد في المذهب، وهولا يستعمل إلا لازما.

يقال: أمعنت السفينة في البحر، وأمعن الطائر في الطيران إذا تباعد، وقد يستعمل بمعنى المبالغة في الأمر مجازاً، يقال: أمعن في الطعام والشراب، وأمعن في الضحك. وأما تمعن فلم يثبت وروده في شيء من كلام العرب)

(قلت) يقال: أنعم النظر في شيء لا أمعن النظر فيه. قالت (النهاية) ومنه الحديث: أمعنتم في كذا أي بالغتم، وأمعنوا في بلد العدو وفي الطلب، أي جدوا وأبعدوا. وقالت: (وفي حديث صلاة الظهر: فأيرد بالظهر وأنعم أي أطال ألا براد وأخر الصلاة، ومنه قولهم: أنعم النظر في الشيء أي أطال التفكير فيه) وفي اللغة (التمعن) غير أن معناه التصاغر والتذلل انقيادا ًكما في النهاية واللسان والتاج

6 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة (73): (ولذا كان محمد في بادئ أمره يداريهم)

قال الشيخ اليازجي (الضياء السنة (7) الصفحة 354): (ويقولون فعل كذا في بادئ الأمر أي في أوله وبدئه لا معنى للبادئ هنا لأنه اسم فاعل والمقام يقتضي المصدر أو الظرف) قلت: قالوا: (وافعل هذا بدءاً وبادئ بدء وبادئ بدئ) وفي (التاج) جل الصور لهذا التركيب. وفي (اللسان): (وبادئ الرأي أوله وابتداؤه، وعند أهل التحقيق من الأوائل ما أدرك قبل إنعام النظر، يقال: فعله في بادئ الرأي. وفي التنزيل العزيز: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) قرأ أبو عمرو وحده بادئ الرأي ومعنى قراءته أي أول الرأي أي اتبعوك ابتداء الرأي حين ابتدءوا ينظرون وإذا فكروا لم يتبعوك) قال العبكري: (بادئ هنا ظرف وجاء على فاعل كما جاء على فعيل نحو قريب وبعيد وهو مصدر مثل العافية والعاقبة والعامل فيه أربعة أوجه)

7 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي: (كتاب المبشرين 89): (ويشفع فيمن يعترف من أهلها الأشقياء التعساء بعدل قضاء الله عليه) قال الشيخ اليازجي (الضياء السنة (1) الصفحة (324): (ويقولون رجل تعيس وقوم تعساء وهو من أهل التعاسة، وكل ذلك خلاف المنقول عن العرب. والمسموع عنهم رجل تاعس وتعس بوزن كتف وقد تعس بفتح العين وكسرها، والمصدر التعس بالفتح والتعس بالتحريك، ويعدى الأول بالهمزة والثاني بالحركة نقول: تعسه بالفتح، وهو متعس ومتعوس لم يحك فيه غير ذلك)

(قلت): كتب اللغة المعروفة المطبوعة - ماعدا الجمهرة - لم تذكر التعيس. ولم أجد هذه اللفظة إلا في كتاب ابن دريد وفي رسالة الغفران في بيت لأحد الجن. . قالت الجمهرة: (ورجل تاعس وتعس وتعيس) وقال الجني (أي أبو العلاء. .)

حتى إذا صارت إلى غيره ... عاد من الوجد بجد تعيسْ

وإذا صحت اللفظة فاليازجي ينكرها لا يقولها ولا يقول جمعها، لا يقول: التعساء.

8 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة (445): (وغير ذلك من معائب الكلام)

قال الشيخ اليازجي (الضياء، السنة (1) الصفحة (452) (ويقولون في جمع المغارة مغائر، وصوابه مغاور بالواو كما يقال في جمع مفازة مفاوز لأن حرف المد إذا كان أصلا لا يهمز ومثله قولهم معائب ومشائخ ومكائد بالهمز أيضاً وصوابهن بالياء)

قلت: قال ابن يعيش: (ألا تري أنك لا تهمز ياء معيشة بل تتركها ياء على حالها في الجمع نحو قولك معايش لكون الياء فيها أصلا، متحركة في الأصل) وقد استعمل كتاب المبشرين في الصفحة (148) لفظة معايش صحيحة لأن مغلط القرآن في العربية وجدها وهو يطالع (الكتاب) ليظهر أغلاطه - كذلك فاستبقاها كما رآها ولما جاء إلى شبيهتها في قاعدتها همز، ويل له ما أجهله!

9 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة (215): (إذا حانت صلاة من هذه الصلوات دعاهم إليها المؤذنون من مآذن مساجدهم إذ لا يجوز عندهم قرع النواقيس كما تفعل النصارى)

قال الشيخ اليازجي (الضياء السنة (7) الصفحة 515): (إنما النواقيس جمع ناقوس وهو كما فسره صاحب القاموس خشبة كبيرة طويلة تقرع بخشبة قصيرة يقال لها الوبيل إيذانا بوقت الصلاة، وكل أحد يعلم أن هذا النوع هو لا يعرف له وجود في جميع أوربة)

(قلت): لو كان مترجم (مقلة في الإسلام) وذو الذيل هو اليازجي ما قال (النواقيس) لأن اللفظة في الأعجية هو وسأل منشئ (المقالة) يجهل الناقوس في الشرق، ولا يغنى إلا الذي عرفه في بلاده. فلن يستعمل اليازجي ما نقده، ورأى أنه وضع في غير مكانه.

10 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة (30): (فكم من قائد جيش زحف عليهم فعاد عنهم بالفشل)

قال الشيخ اليازجي (الضياء) السنة (5) الصفحة (564): (ومثل هذا لا يتصور من الفشل لأن معناه الجبن والفزع والضعف)

(قلت): يقصد كتاب المبشرين أنه رجع بالخيبة، والفشل في الأقوال العربية والمعجمات كلها: الجبن والضعف والفزع وما أشبه ذلك، وهو الفشل - بكسر السين وسكونها للتخفيف - والجمع إفشال. وفي (الأساس): دعي إلى القتال ففشل أي جبن وذهبت قوته، وعزم على كذا ثم فشل عنه أي نكل عنه ولم يمضه

11 - قال هاشم العربي الشيخ اليازجي (كتاب المبشرين الصفحة 320): (أفتدري بكم من سنة قبل أن أخلق قد كتب التوراة)

قال الشيخ اليازجي في مختصر (كتاب نار القرى في شرح جوف الفرا): (إن كم تخص بجواز جرماً يرمى بعدها بإضمار من وذلك إذا دخل عليها حرف جر نحو بكم درهم تصدقت قاصداً للمشاكلة بينهما. غير أن النصب هو المختار ولا يجوز عند الجمهور إظهار من لأن الحرف الداخل على كم عوض عن التلفظ بها)

قلت: لن يقول اليازجي (ولا يجوز) ثم يجيز، وقد قال سيبويه: (وسألته (يعني الخليل) عن (على كم جذع بيتك مبني) فقال القياس النصب، وهو قوله قول عامة الناس، فما الذين جروا فانهم أرادوا معنى (من) ولكنهم حذفوها ههنا تخفيفاً على اللسان، وصارت (على) عوضاً منها. ومثل ذلك: الله - بكسر الهاء وفتحها - لا أفعل، وإذا قلت لاها اللهِ لا أفعل لم يكن إلا الجر، وذلك أنه يريد لا والله ولكنه صار (ها) عوضاً من اللفظ بالحرف الذي يجر وعاقبه ومثل ذلك آلله لتفعلن إذا استفهمت، أضمروا الحرف الذي يجر وحذفوا تخفيفاً على اللسان، وصارت ألف الاستفهام بدلاً منه في اللفظ معاقباً) وروى ابن يعيش في شرح (المفصل) قول (الكتاب) مؤيداً.

وقال شارح (الكافية): فكأن الجار الداخل على كم داخل على مميزه فالجر عند الزجاج بسبب إضافة كم إلى مميزه كما في الخبرية، والمجوَّز قصدُ تطابق كم ومميزه جراً، وعند النحاة هو مجرور بمن مقدرة) وقال محمد بن مالك:

وأجِزَ أن تجره (من) مضمراً ... إن وليت (كم) حرفَ جر مظهراً

وقد جاء مثل (الصبان) في آخر الزمان يقول: (وقيل يجوز نحوبكم من درهم اشتريت) وقد قال قبل ذلك: (ظاهره منعُ ظهور من عند دخول حرف الجر على كم وهو المشهور لأن حرف الجر الداخل على كم عوض من اللفظ بمن المضمرة)

الإسكندرية

(* * *)