مجلة الرسالة/العدد 278/الكميت بن زيد

مجلة الرسالة/العدد 278/الكميت بن زيد

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 10 - 1938



شاعر العصر المرواني

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

تشيعه

يقوم التشيع على أساس اعتقاد انحصار الخلافة عن النبي في علي وقرابته من بني هاشم، وهو بعد هذا ذو درجات مختلفة في العلو والاعتدال، فيصل في الغلو إلى حد تكفير الصحابة الذين حالوا بين علي والوصول إلى حقه في الخلافة ويصل في الاعتدال إلى حد الرضا عن الشيخين أبي بكر وعمر دون غيرهما ممن حكم بعدهما

وكان الكميت أول من ناظر في التشيع مجاهراً بذلك، وقد قال الجاحظ ما فتح للشيعة الحجاج إلا الكميت بقوله:

فأن هي لم تصلح لحيٍّ سواهمُ ... فأن ذوي القربى أحق وأوجب

يقولون لم يورث ولولا تراثهُ ... لقد شركت فيها بكيل وأرحب

وهو يرد في هذا على من يقول في هذا على من يقول إن النبي لا يورث كما يورث غيره، فيقول إنه لولا تراثه وأن آل بيته أحق بالخلافة لأنهم ورثته لكانت لتينك القبيلتين وغيرهما من القبائل العربية نصيب في الخلافة، وكان الناس كلهم سواء فيها

ولكن الكميت لم يكن يعلو في تشيعه إلى الحد من تكفير أصحاب رسول الله، وكان يتورع في شعره عن لعنهم وإن كانوا مخطئين في نظره، وهو إنصاف من الكميت لم يكن يعميه عنه خصومة الرأي. ويظهر أن الإنصاف كان طبعا له مع كل مخالفيه في الرأي، وقد ذكرنا ما كان بينه وبين الطرماح ابن حكيم من المودة والألفة، وكان الطرماح من شعراء الخوارج. ويجب أن نستثنى بني مروان من هذا الاعتدال في خصومته، لأنه كان يغالي في خصومتهم كغيره من الشيعة، ولعل السبب في ذلك أن خصومتهم كانت هي القائمة في عهد الكميت، أما خصومة غيرهم فكانت خصومة قديمة لا معنى لاحيائها والغلو فيها. وقد أفرط بنو مروان في خصومتهم لبني هاشم، فأفرط الكميت في خصومتهم كما أفرطو وغالى فيها كما غالوا.

وقد ذكر الكميت أبا بكر وعمر رضى الله عنهما في بعض هاشمياته فتحرج في أمرهما بعض التحرج، وقال في ذلك:

أهوى عليا أمير المؤمنين ولا ... ألوم أبا بكر ولا عمرا

ولا أقول وإن لم يعطيا فدكا ... بنت النبي ولا ميراثه كفرا

الله يعلم ماذا يأتيان به ... يوم القيامة من عذر إذا اعتذرا

وكانت فدك قد بعث النبي إلى أهلها سنة سبع من الهجرة يدعوهم إلى الإسلام، فصالحوه على نصف الأرض، فقبل منها ذلك وصار نصفها خالصا له، لأنه لم يوجف على ذلك بخيل ولا ركاب، فكان ينفق ما يأتيه منها على أبناء السبيل، وفعل ذلك الخلفاء الراشدون بعده، فلما ولى معاوية أقطعها مروان بن الحكم فوهبها مروان لبنيه، ولما ولى عمر بن عبد العزيز ردها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله والخلفاء الراشدين، فوليها أولاد فاطمة رضى الله عنها، ثم أخذت منهم بعده، ثم ردها المأمون إليهم سنة عشرين ومائتين، وقد روى أن النبي تصدق بها على فاطمة رضى الله عنها

وأما منع أبا بكر وعمر وفاطمة ميراثها فقد اعتمد فيه أبو بكر على ما سمعه من النبي (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) برفع صدقة على أنه خبر المبتدأ قبله، والشيعة يروونه بالنصب على أنه حال لا خبر، وتقدير الكلام على هذا - لا نورث ما تركناه حال كونه صدقة - ويفهم من هذا أنهم يورثون غيره

وقال الكميت في ذلك أيضاً:

نفى عن عينك الأرق الهجوعا ... وهمٌّ يمتري منها الدموعا

دخيل في الفؤاد يهيج سقما ... وحزناً كان من جذل منوعا

لفقدان الخضارم من قريش ... وخير الشافعين معاً شفعيا

لدى الرحمن يصدع بالمثاني ... وكان له أبو حسن قريعا

حطوطاً في مسرته ومولى ... إلى مرضاة خالقه سريعا

وأصفاه النبي على اختيار ... بما أعيا الرفوض له المذيعا ويوم الدوح دوح غدير خم ... أبان له الولاية لو أطيعا

ولكن الرجال تبايعوها ... فلم أر مثلها خطراً مبيعا

فلم أبلغ بها لعناً ولكن ... أساء بذاك أولهم صنيعا

فصار بذاك أقربهم لعدل ... إلى جور وأحفظهم مضيعا

أضاعوا أمر قائدهم فضلوا ... وأقومهم لدى الحدثان ريعا

تناسوا حقه وبغوا عليه ... بلا ترة وكان لهم قريعا

فهو في هذا أيضا يأخذ عليهم ما فعلوه في الخلافة مع علي رضى الله عنه، ولكنه لا يصل في أمره إلى لعنهم، ولا يغمط ما كان لهم من العدل في الحكم كل الغمط، وإن كان يرى أنهم أساءوا في ذلك وضلوا عن الحق، وهذا غاية ما كان يمكن أن يقوله الكميت فيهم لترضى تشيعه، ويلائم بين شعره وعقيدته. وغدير خم موضع بين مكة والمدينة قال فيه النبي لعلي رضى الله عنه (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) وقال أيضا (من كنت مولاه فعلي مولاه) فقال عمر رضى الله عنه: طوبى لك يا علي، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة

هذا ولا يزال المسلمون يتنازعون في كتب الكلام على هذا المنوال الذي لا يفيد شيئا في هذا العصر، وقد خرج الأمر من أيدي بني هاشم وقريش جميعا، ولا معنى لهذا النزاع بعد مضي تلك الأزمنة التي كان له معنى فيها، ولكنه الجمود على تلك الكتب هو الذي يجعلنا نعكف عليها، وإن كانت تزرع بين المسلمين حقد بعضهم على بعض، وتفرقهم أحزابا وشيعا في وقت هم أحوج فيه إلى الاتحاد والتحاب، ولعل الله يرزق المسلمين من المصلحين من يجمع كلمتهم بعد افتراقها، ويربي فيهم خلق الإنصاف والتسامح، حتى تصفو بينهم هذه الحياة، ويسود بينهم الإخلاص والمودة، ولا يحملون من اختلافهم في الرأي سببا في الانقسام والتفرق، لأن هذا الخلاف لا بد منه، وهو إذا خلا من ذلك الغلو توسعة ورحمة

عبد المتعال الصعيدي