مجلة الرسالة/العدد 28/القصص

مجلة الرسالة/العدد 28/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 01 - 1934



الوردة الحمراء

كوميدية عصرية في فصل واحد

لجاستون سوربيه والبريك كاهويه.

ترجمة فتوج نشاطي

(صالون على الطراز الحديث. . نافذة عند صدر المنظر وباب على كل من جانبي المسرح. . . بعض خور عائلية وأسلحة تاريخية تزين جدران الحجرة. فوق مكتب صغير تتألق باقة من لورود الحمراء داخل آنية شافة. . عند رفع الستار يرى جاستون جالساً على ديوان وثير، مطرق الرأس، حزيناً وقد تناهبته هموم مبرحة. . بعد فترة وجيزة ينتصب فجأة ويتجه نحو النافذة. . . يمر في طريقه بالورود الحمراء فيقف متردداً. . يرنو إليها ثم ينشق في رفق عبيرها العاطر ويمضي إلى النافذة فيلقي منها نظرة سريعة وجلة بعود بعدها إلى باقة الورد يتأملها، مشتت الفكر. وما يلبث طويلاً حتى يقترب ثانية من النافذة ويظل يتردد هكذا بين الورود والنافذة إلى أن يسئمه الانتظار فيحاول إشعال سيجارة لكنه يخفق فيرمي بها إلى الأرض، حانقاً يضغط على زر الجرس فيبدو الخادم فرنسيس)

المشهد الأول

جاستون - فرنسيس

فرنسيس - سيدي. .؟

جاستون - ألم يجئ أحد؟

فرنسيس - كلا يا سيدي.

جاستون - ويريد الساعة الرابعة؟

فرنسيس - لم يصل بعد

جاستون - (مشعلاً سيجارة) والمسيو شنسيريل؟

فرنسيس - لو أنه جاء. . .

جاستون - (مقاطعاً وقد فهم) حسناً. . . (يلقي في حركة آلية بسيجارته إلى الأرض) ألم ترد برقية؟

فرنسيس - لا ياسيدي

جاستون - والتلفون؟

فرنسيس - لو أن أحداً سأل عن سيدي بالتليفون لسمع سيدي رنين الجرس. .

جاستون - في الواقع. . . (وهو يشير حواليه، ضجراً) أعد عض النظام إلى الحجرة

(يحاول جاستون من جديد إشعال سيجارته في عصبية مضطردة بينما يرتب فرنسيس في صمت الأوراق المبعثرة المتراكمة على المكتب. عندما ينتهي الخادم من عمله يقترب من باقة الورود فيجمع أوراقها الذابلة المتناثرة على أرض الغرفة وحوالي الآنية الشفافة وإذ يحاول المضي بها.)

جاستون - ماذا تصنع؟

فرنسيس - (على أهبة الخروج) أمضي بهذه الورود. .

جاستون - (مستوقفاً إياه) لماذا؟

فرنسيس - لأنها. . . بدأت تذبل

جاستون - لكنك تعلم جيداً أنني لن أستبدل بها غيرها، بعد اليوم

فرنسيس - طبعاً لا. . بما أن سيدي. .

جاستون - (موقفاً سيل التوضيحات) إذن؟ (يعيد فرنسيس الورود إلى مكانها الأول)

جاستون - (مرهفاً سمعه فجأة) ألم يقرع الجرس؟

فرنسيس - ما أظن يا سيدي (يعود جاستون إلى النافذة. هنا يدوي رنين الجرس)

جاستون - (مرتعشاً) أما قلت لك؟

فرنسيس - (مبهوتاً) رن الجرس الآن فقط

جاستون - حسناً!. . اذهب وافتح (يخرج فرنسيس ويعود في الحال مصطحباً شنسيريل)

المشهد الثاني

جاستون - شنسيريل

جاستون - آه! يا صديقي. كاد ينفذ صبري في انتظارك!

شنسيريل - يبدو عليك في الواقع سيما الاضطراب الشديد جاستون - أقابلت جانين؟

شنسيريل - نعم. ولو أنها لم تتوجه اليوم إلى محل عملها

جاستون -. و. . كيف وجدتها؟

شنسيريل - حزينة جداً

جاستون - يا للصغيرة المسكينة!

شنسيريل - (مشعلاً سيجارة) كلفتني عملاً شاقاً اصاحبي! صدقني لن أحمل نفسي بعد اليوم عناء استنطاق الفتيات التعيسات اللائي هجرهن عشاقهن. . . ساعة القطيعة. .! النهاية. . .

جاستون - عجل، قص علي ما حدث

شنسيريل - لم أمكث بجوارها أكثر من لحظة. لكن. . يالها من لحظة مشئومة!

جاستون - نعم، أقدر حالتها النفسية. . . كانت واجمة دون شك من هول الخبر، مضعضعة الحواس، يائسة. .! الواجب كان يحتم عليك أن تشجعها، أن تهون عليها. . . لكنك فضلت النكوص على عقبيك

شنسيريل - تسمح لي بالجلوس؟

جاستون - إن شئت. . . لكن حدثني. . . أوضح لي. . هل انتزع منك الكلمات انتزاعاً؟ ماذا قالت لك؟

شنسيريل - لا شيء في البدء. شاءت الحديث، لكنها لم تستطع. . شبهت على أولئك الأصدقاء الذين نواجههم بعد كارثة ألمت بهم. . نراهم صامتين، نحسبهم متماسكين صابرين. . نمد لهم يد العزاء. . فإذا بهم يجهشون بالبكاء. . ذكرت لها أني حضرت أتسقط أخبارها. . فاستفسرت عما إذا كنت قد جئت من قبلك. . .

جاستون - وأجبتها؟. .

شنسيريل - إجابة غامضة. .

جاستون - عندئذ؟

شنسيريل - شاهدت وجهها الصغير المعتم تتناهبه سمات التفكير والألم والعزم. . ثم قامت فخطت لك هذا الخطاب جاستون - (يتناول الخطاب في لهفة وقد بدا عليه التأثر لكنه يقلبه بين يديه دون أن يجسر على فضه)

شنسيريل - يا صديقي لو تسمح لي نصحتك بإرجاء قراءة هذا الخطاب إلى غداة يوم زواجك (يجفل جاستون) لأنك صممت على الزواج

جاستون - بالتأكيد. بما أني قطعت كل علاقة لي بعشيقتي السابقة مع ذلك لكم أجبتها جانين!. . لقد كانت نعم الصديقة الحنون، النموذج الكامل لشريكة الحياة القانعة المحبة. الودود. .

شنسيريل (في ابتسامة) التي تغني بمحاسنها شعراء الشباب والربيع!

جاستون - نعم يا عزيزي روجيه، عشنا معاً قبل الحرب سنتين مترعتين بأجمل ذكريات حياتي!. .

شنسيريل - (ساخراً) أحمد الله على أنك الوحيد الذي يخرج من دنيا الغرام بذكريات سعيدة!

جاستون - غير أن هذه العاطفة الوهاجة. . لم تكن لتدوم إلى الأبد. . جانين التي تعرف دقة مركزي لم تكن لتجهل أن علاقتنا لابد آيلة إلى تلك النهاية المنطقية: الزواج، نعم الزواج الذي كان قد بات حتماً على، وقد أصبحت مضطراً أن أهجر مسكني هذا لألتجئ إلى برج العائلة، هناك في مقاطعة بريتانيا أعيش من أرضي دون إسراف. كان ذلك منذ ثلاث سنين. . إذ كنت أعتزم البعد عن باريس وعن جانين بالطبع، عندما وقعت الكارثة

شنسيريل - أية كارثة؟

جاستون - الحرب الكبرى!

شنسيريل - آه! عفواً! كدت أنسى أننا نصلاها! بالاختصار؟

جاستون - بالاختصار رغماً عن رتبة الضابط التي وصلت إليها ونياشيه الشرف الحربية التي أحملها وجراحي الباهرة التي حصدتها في المعارك لم يكن مركزي المادي قد تحسن عندما. . ساق إلي القدر العطوف. .

شنسيريل - اللؤلؤة النادرة. . . داخل علبتها الذهبية!

جاستون - لا تمزح. . . فالمدموازيل دي شاليني فتاة نبيلة جديرة بكل إخلاص ومحبة وأقر أني أحببتها في الحال تقريباً. . .

شنسيريل - بهذه السرعة؟

جاستون - نعم في الحال. . . أحببتها. . . لا كما أحببت جانين التي عبدتها عبادة. . . بل كما أتصور أن يحب الإنسان المرأة التي اصطفاها ليجعل منها رفيقة العمر، الشريكة التي يعقد وإياها ضد الحياة وللأبد معاهدة هجومية دفاعية. . . فهذا الحب يختلف عن الآخر كل الاختلاف. . . ربما كان أقل مرحاً وظرفاً وتوثباً. . . لكنه أثبت وأعمق وأبقى!

شنسيريل - يا للجحود!

جاستون - تخطئ يا صاحبي! لم أنس شيئاً. صورة جانين مازالت مطبوعة في خاطري، ومازلت أشعر نحوها. . . بعطف ممزوج بعرفان الجميل وإني لمصمم على رعايتها وتهوين مصاعب حياتها المعيشية. . .

شنسيريل - (ساخراً) لا شك أنها تعتمد عليك في ذلك كل الاعتماد!

جاستون - أؤكد لك أنني معذب لعذابها! حاولت كثيراً تخفيف وقع الخبر عليها وتوطين قلبها لتلقى هذه الصدمة القاسية فلم أقطع صلتي بها إلا عندما أصبح الأمر محتماً. . . البارحة فقط بعد بضع ساعات من تبادلنا خاتم الخطوبة أنا ومرجريت. . . عندها وجدتني مضطراً أن أصارح جانين بحقيقة موقفي وأن أقطع كل علاقة لي بها خصوصاً وقد كاشفتني خطيبتي البارحة برغبتها الملحة في أن تراني داخل إطار مسكني. . عش العزوبة كما تسميه مداعبة. فتصورها يا صديقي وقد جاءتني صحبة مربيتها واتفق وجود. . . الأخرى! أية مأساة!

شنسيريل - فعلاً!

جاستون - تلقاء هذه الزيارة المهددة لم أتمالك من أن أبوح لجانين بكل شيء! هكذا ودعنا بعضنا وداعاً مؤثراً أظهرت خلاله رباطة جأش نادرة، حتى لقد استفهمت مني عما إذا كانت خطيبتي شقراء. . .

شنسيريل - (متشككاً) سيجارة!

جاستون - (رافضاً) شكراً (يفض خطاب جانين الذي كان يقلبه بعصبية بين يديه حتى هذه اللحظة) شنسيريل - أما زلت مصراً على قراءة هذا الخطاب؟

المشهد الثالث

فرنسيس - فريسة اضطراب شديد) سيدي!

جاستون - ماذا تريد؟

فرنسيس - جاءت مدموازيل دي شاليني. . . مع مربيتها. . .

جاستون (إلى شنسيريل) وقع ما كنت أخشاه! (إلى فرنسيس) أدخلها (بعد خروج الخادم) لا مفر من استقبالها!

المشهد الرابع

جاستون - شنسيريل - مرجريت

جاستون - أنت مرجريت؟ (يقبل يدها)

مرجريت - (مبتهجة) نعم أنا. . . تذكر! أخطرتك أني سوف أزورك صحبة مربيتي. . . (تلمح شنسيريل) أوه! صباح الخير يا سيدي!

جستون - (مقدماً) أعز أصدقائي، روجيه شنسيريل، خطيبتي، مدموزيل دي شاليني

مرجريت - (في ظرف) نأمل أن نحظى برؤيتك قريباً في قصرنا يا مسيو شيسيريل. على شريطة ألا تبوح برؤيتك إياي هنا (تضحك) لأني أجد زيارتي هذه ولو بصحبة مربيتي الإنكليزية بعيدة عن كل لياقة.

شنسيريل - ثقي مدموازيل بتكتمي التام (منسحباً) يا صديقي العزيز. . .

جاستون - (متضايقاً) تنسحب؟

مرجريت - (لشنسيريل) بل ابق يا سيدي لن أطيل المكوث. . . مربيتي إنسانة ظريفة لكنها عصبية المزاج وأراهن أن معين صبرها قد فرغ. . .

جاستون - ما أظرف الخاطرة التي دفعت بك إلى هذه المفاجأة السارة. . . (يختلس نظرة قلقة إلى الساعة)

مرجريت - نعم الخاطرة التي جعلتني. . . أخاطر بسمعتي لأراك. . . بل نعم. . . لا تعترض. زيارتي اليوم شاذة ولا يبعد أن تثير تقولات عديدة. غير أن روح المخاطرة تغلبت على العقل وتركتني عزلاء عن مقاومة رغبتي الحادة في رؤية خطيبي داخل مسكنه الخاص وسط الأشياء التي اعتادها في ساعة من ساعات حياته اليومية. . لكن. . . ما حل لك؟ أراك مأخوذاً مشرد الفكر. . حتى لقد سهوت عن تقديم مقعد لجلوسي. . .

جاستون - أرجو العفو يا مرجريت. . .

مرجريت - على أني في غير حاجة إلى مقعدك. فليس أمامي من الوقت متسع. . . أولى لك أن تضع جانباً هذه الورقة التي تجعدها أصابعك وتقف على خاطرك الحائر. . (يجفل جاستون لقولها، يتردد لحظة ثم يخفي الخطاب في جيبه. تلقي مرجريت نظرة جائلة حواليها) ما أبدع مجموعة السلاح التي تملكها! (تجلس في خفة على ذراع مقعد)

جاستون - هذه أسلحة أسرتي يا مرجريت

مرجريت - (في اهتمام) ويرجع تاريخها إلى أي العهود؟

جاستون - إلى عهود مختلفة، فهذا الحسام الثقيل. قاتل في سبيل الملك لويس الثالث عشر وقضى في مبارزة على أحد أعوان الكردينال الأحمر: ريشيليو، فتسبب موته في ترحيل جدي الأكبر إلى غيابة الباستيل، أما هذا الرمح فقد كافح في معركة رينان ليحمي زمار الملك. الشمس ويبقي على العرش مجد ذريته. وقد وجد بعد المعركة على ما يظهر بجوار جثة صاحبه!

مرجريت - يروقني أن أضم إلى صدري هذه الذخيرة المقدسة!

جاستون - أما هذا السيف الرقيق الناعم، سيف البلاط المزركش فلكم تخطر على ساق صاحبه وسط حفلات الملكة غير المتوجة مدام لابومبادور في رحبات القصر الملكي! (لا يتمالك نفسه عن اختلاس نظرة عجل إلى الساعة)

مرجريت - والأسلحة الأخرى؟

جاستون - هذا الصارم البتار ناضل تحت أمره القائد روشامبو في سبيل استقلال الأميريكيين، ثم دافع عن الملك التعس (لويس السادس عشر) لكنه رفض المهاجرة إلى خارج فرنسا وقاد الصفوف في معركة واترلو. أما هذا الرمح الدقيق الصنع فقد قاتل أبهر قتال في حروب أفريقيا

مرجريت - (أثناء الحوار الأخير تقدمت من المكتب، وعبثت ببعض ما عليه من الكتب.

تلمح الورود الحمراء فتنحني عليها) يا للأزهار الجميلة!

جاستون - (جافلاً) مرجريت!

مرجريت - (تهم بقطف) تسمح؟ (يشير جاستون بالنفي) لا؟

جاستون - لا

مرجريت - لمه؟

جاستون - (بالغ التأثر) لأن هذه الزهور. . . قاربت الذبول ولم تعد تصلح للزينة. . .

مرجريت - ليكن. أتخلي لك عن زهورك، لكن ما الذي دهاك فجأة؟ أأكون قد أغضبتك، عفو الخاطر؟

جاستون - مرجريت. . لا تعتقدي. . .

مرجريت - كأني بك مللت رؤيتي! أأكون تمطفلة؟ (ينظر جاستون إلى الساعة) والبرهان أنك تخالس الساعة النظر. . . (في حزن) الوداع إذن. أخطأت في مجيئي، أعذروني أيها السادة. سألحق بمربيتي (تخرج)

المشهد الخامس

جاستون - (يتنفس الصعداء) أوف! هذا الخطاب كان يلهب أصابعي!

شنسيريل - لا تتردد إذن. . . وأقرأه (يقرأ جاستون الخطاب واضطرابه يزداد فقرة بعد فقرة ثم يناوله لصديقه)

شنسيريل - (بعد قراءته) فهمت الآن سبب اضطرابك! يا للمخبولة! تريد أن تراك للمرة الأخير، وإذا لم تلمح الساعة الخامسة الإشارة المعتادة، هذه الباقة من الورود الحمراء التي اعتدت أن تضعها عند النافذة أيام كنت تنتظرها. . .

جاستون - سوف تطيع وساوس اليأس!

شنسيريل - وعلام عولت؟

جاستون - لو أنك مكاني ما الذي كنت تفعل، أنت؟

شنسيريل - أنا لا أؤمن بالانتحار العاطفي على أني لو خيرت بين أهون الشرين لفضلت أن أستقبلها. . .

جاستون - أخشى أن تكون هذه المواجهة مشئومة العاقبة. لا أذكر لنا (أنا وجانين) إساءة تبادلناها طوال مدة علاقتنا ويحضرني أني أبكيتها يوماً. فإذا شاء القدر أن يرينيها تتألم هنا بين سمعي وبصري. . فما يدريني إذا ظللت وقتها متمالكاً نفسي؟. . .

شنسيريل - إذاً لا تستقبلها

جاستون - وإن كانت قد صممت حقيقة على الانتحار. . . (فزعاً) أوه! عندها يلازمني تقريع ضميري مدى الحياة!

شنسيريل - إذاً استقبلها وعجل فالوقت يمر (يخف جاستون إلى باقة الورود لكن ما إن يتناولها حتى يسمع نقراً خفيفاً على الباب ثم تدخل مرجريت فجأة متبوعة بفرنسيس)

المشهد السادس

مرجريت - معذرة أيها السادة أرجوكم. . . نسيت قفازي! يالي من طائشة! يا عزيزي جاستون أخشى أن تكون في نفسك فككرة سيئة عن امرأتك المقبلة! (تنظر يمنة ويسرة وفجأة وقد وجدت ما تبحث عنه) هاهو! (تلاحظ مظهر القلق البادي على جاستون) أوه! جاستون - ما بك؟ أراك تخفي عني شجناً ما.

شنسيريل - هذه المرة انسحب. تسمحين يا آنسة؟

مرجريت - تفضل يا سيدي

جاستون - (لشانسيريل وقد أوشك على الخروج) أيها الخائن أتتخلى عني وأنا في أشد المواقف حاجة إليك؟

شنسيريل - يا صديقي سوف أعود (يخرج)

مردجريت - والآن. . حدثني لا تنكر. أراك في حالة اضطراب شديد ومن غير المعقول أن يكون وجودي هو الذي يصعب عليك إلى هذا الحد

جاستون - أوه!

مرجريت - (ملحة) خبرني. إني أكاد أكون زوجتك. . إن كنت تعاني ألماً أو تقوم في نفسك رهبة مرتقبة فلي الحق أن أطالبك بنصيبي

جاستون (متأثراً) مرجريت!

مرجريت - يخيل لي أن شيئاً تبدل في عينيك وفي قلبك

جاستون - فضلت أنك لم تجيئيني اليوم! مرجريت - إذاً لأدعك لنفسك

جاستون (في لهفة) تحسنين صنعاً

مرجريت - ألا تقتضيني أكثر من ذلك، لتستعيد صفاء نفسك لا تكذبني الحقيقة. جاستون. عهدي بك أجهر صراحة وأخلص نية. (لا يجيب) صدقني. تشرف حبنا لو أنك تفضي إلي بما يعذب قلبك

جاستون - أنت على حق. . لكن يساورني وسواس أسود إذ أعتزم أن أفتح بين يديك مغاليق روحي الحائر. مع ذلك أقسم لك أني ما تصورت يوماً موقفاً مثل هذا ممكناً وأن تتزاحم الظروف أو تترى. . . دافعة بي إلى موقف التردد بين واجبين

مرجريت - واجبين؟ ماذا تعني يا صديقي؟

جاستون - لا تحمليني على أكثر مما قلت

مرجريت - قلت أكثر مما يجب كي لا تتم. . . إن القلق الذي يساورك خف إلى قلبي وليس من مصلحة مستقبلنا أن تدعني أتخبط فيه. تكلم!

جاستون - (تعد أن يلقي نظرة محمومة إلى الساعة يخرج من جيبه الخطاب ويدفعه إليها بعد تردد قصير) إذن، إقرأي!. .

مرجريت - (تقرأ مرتعشة وقد تهالك جاستون على مقعد ثم تقول في صوت أبح) هذا هو السر!

جاستون - (متأثراً) عفواً (تكاد مرجريت تهوي إعياء فيحاول أن يسندها) مرجريت

مرجريت - (تدفعها عنها في رفق) لم يصبني أذى. . أرجو العفو. . . لكني أحس ألماً ممضاً. . .

جاستون -! مرجريت أخطت إذ بحت لك. . .

مرجريت - (مقاطعة) بالمرة، جاستون. لي سؤال واحد: هذه الإنسانة، مدموازيل. . . (تعود إلى الخطاب) جانين له هي جديرة حقاً بالـ. . . بالاهتمام الذي حملته لها مدى عامين؟

جاستون - نعم يا مرجريت

مرجريت - آه! (تندفع إلى باقة الورود وتضعها على منضدة أمام النافذة.) جاستون - (في لهفة) ماذا تصنعين؟

مرجريت - أعطي الإشارة

جاستون - كيف؟ تجيزين لي استقبالها؟

مرجريت - أنت؟ لا. . بل أستقبلها أنا

جاستون - أنت؟ لكن هذا محال. .

مرجريت - لم؟ أتخشى على حياتي؟

جاستون - كلا، أخاف عليك مما ينتظرك من عميق التأثيرات. . .

مرجريت - أعنف التأثرات شعرت بها وأنا أقرأ هذا. . (تشير إلى الخطاب) والآن دعني أعم ما يتراءى لي

جاستون - لكن. .

مرجريت - لا تعاند (يسمع رنين الجرس ويدخل فرنسيس على الأثر) أدخل السيدة، فرنسيس (يدهش الخادم لكنه ينحني ويختفي) إن مقاديرنا الساعة في كفتي ميزان. صدقني جاستون. يجب أن أواجه الآن هذه الفتاة. . أحس حاجة ملحة في أن أستوضح أشياء. . دعنا أرجوك، سوف أرجوك، سوف أدعوك في الوقت المناسب

جاستون - (يحاول إقناعها وهي تقوده إلى الباب) مرجريت. . لا أحتمل أن أتصورك أنت خطيبتي. . زوجتي. .

مرجريت - خطيبتك نعم!. . أما زوجتك، فلم أصرها بعد. ينسحب جاستون منهزماً (تبقى مرجريت وحيدة فريسة اضطراب بالغ وقد لفت وجهها تجاه الباب متكئة بيد إلى المكتب)

المشهد السابع

مرجريت - جانين

جانين - (تدخل مندفعة) آه! عفواً. مدام. . أبحث عن جاستون (مستدركة) لكن. . . من أنت؟ آه!. . . حزرت من تكونين!. . . ووجدت من نفسك الشجاعة على اقتحام باب عشيقي؟! (تندفع نحو الباب فتهزه في عنف جنوني)

مرجريت - (صارخة) ابقي!. . (تلتفت جانين إليها، دهشة فتقول لها في لهجة أرق) أتوسل إليك!. . .

جانين - (دهشة) تتوسلين إلي؟

مرجريت - نعم، إن دعى الحال. . . لأستبقيك.

جانين - والداعي؟

مرجريت - لأعلم إذا كان الخطاب الذي وجهته إلى. . . المسيو كيرولون.

جانين - (ثائرة) وأطلعك عليه؟. . .

مرجريت - لم يطلعني عليه بدافع عاطفة الزهو التي تتصورين.

جانين - قبل أن نخوض غمار هذا الحديث الشاذ، خبريني. . ماذا تصنعين في هذا البيت، أنت ما من ليس مكانك هنا؟

مرجريت - أتعرفينني؟

جانين - حدثني عنك بما فيه الكفاية!

مرجريت - إلى هذا الحد؟

جانين - لقد تابعت خيالك الممقوت في نظراته الشاردة، في فترات صمته الحالم بل وفي كل همسة وحركة. . . . آه! لكم عذب قلبي وأضناه (تلتفت حواليها) ألهذا السبب بات الآن يخشى مقابلتي؟

مرجريت - تخطئين، مدموازيل. . لك أن تقابليه إن رغبت. . . على أني شئت قبلها أن أحادثك وبما أن الصدف الأليمة تسوق بين يدي هذه الفرصة السانحة

جانين - لا أطمع في شفقتك، مدموازيل!

مرجريت - وأنا لا أسمح لنفسي بها. . ولكن ألا يمكنني أن أحاول تهوين وقع. . .

جانين - مصابي؟ وكيف؟ أتعشم أن لا يكون ذلك بتقديم. . ما في مكنة الوارثات السريات أمثالك أن تقدميه من مال. . . ما أهون الثمن!

مرجريت - أسفاه

جانين - لا تشتكي، فلولا مهرك لما فزت بالزواج من جاستون

مرجريت - هل ألقى جاستون في روعك أنه يقترن بي طمعاً في ثروتي؟

جانين - (هازة كتفيها) لو أنه صارحني بذلك لما صدقته. .

مرجريت - إذن؟. . . آه!. . فهمت ما يجول بخاطرك وهو أسمى مما نطقت به؛ تتصورين أن مالي سيساعد بلاستول في جهوده المقبلة، لكنك تتناسين، أنه في مقابل ذلك يحمل إلي كنزاً لا يقوم بثمن من التقاليد المجيدة والأفكار المبتكرة التي تفوق في قيمتها جميع أموال العالمين. واتفقت معي من برهة على أن جاستون يشعر نحوي بعض العطف وأنا، من جهتي. . لا لا. عفواً:

جانين - أنت تحبينه، حزرت ذلك

مرجريت - إذن. . ألا تجدين ارتياطنا طبيعياً؟

جانينن - لو أنني أملك ثروتك لفكرت مثلك، على أنك محقة في النهاية، خذي إذن جاستون، امضي، وثقي أنه أسعد منك حظاً: سوف تكونين ملكاً له بكليتك. أما هو فلن ينالك منه أكثر مما تركت لك من فضلات. .

مرجريت - لم توجهين إلي هذه العبارات القاسية؟

جانين - إنني أحمل في قلبي سنتين من أجمل سني شبابه بما فيهما من فتوة حارة. . . ونشوة فياضة. . .

مرجريت - أوه! صمتي!

جانين - (متهالكة على المقعد) أضحي بالحزن يعميني حتى ليدفع بي إلى الشر والأذى

مرجريت - مدموازيل. . .

جانين - دعيني وشأني.

مرجريت - جانين، هل لك أن تجيبيني على سؤال أخير يجمع تذكاراتك الحية، يجمع قلبك المعذب في صراحة تامة؟

جانين - وهل أملك من الجهد ما أجيبك به على سؤالك؟

مرجريت - قد يبدل ردك حظوظنا نحن الثلاثة. أتفهمين؟ إذن أجيبي. هل وعدك جاستون يوماً ما. . بالزواج؟

جانين - وعدني بالزواج؟. . كلا لم يعدني بشيء!

مرجريت - (تتنفس) و. . سامحيني إن كنت لح، لكني في أشد الحاجة إلى استيضاح الحقيقة كاملة. . ألم يحاول جاستون أن يعللك بيوم مقبل تصبحين فيه زوجته دون أن يقطع على نفسه عهداً صريحاً بالزواج؟ أقسم لك بأعز من أحب لو أنه بذر في قلبك مثل هذه الفكرة لأكونن على استعداد تما للابتعاد عنه إلى الأبد دون أمل في الرجوع. . (ترفع جانين رأسها في بطء) وتطيل النظر لحظة إلى مرجريت ثم تطرق من جديد) لم لا تجيبين؟

جانين - وما الفائدة؟. . ألا تحسين أني ما عدت آمل شيئاً؟

كلا لم أحب جاستون إلا حباً خالصاً لا يداخله وعد ولا أمل. . إني لم أكن اجسر على المجيء إلى هنا إلا عندما كنت المح من الشارع قرب النافذة هذه الباقة من الورود الحمراء. . . فهل كان في مكنتي أن أحلم بمشاركته يوماً في حياته النبيلة، أن أحيا بقرب هذه المجموعة من الأسلحة الأثرية , , أمام هذه الصور العائلية التي يطالعني منها الأشراف والقواد العظام، أنا ابنة الشعب البائسة؟ صدقيني يا مدموازيل. . مثل هذا الحلم الباهر لم يقم بخاطري. . على أني لا أملك نفسي عن الشعور بأن كل شيء قد انتهى. . (تنكي)

مرجريت - (في تأثر بالغ) وهل أنا التي أهجت في قلبك هذا الألم الممزق؟. . آه عفواً! يا صغيرتي جانين

جانين - ليس في مقدورنا الآن أن نبدل شيئاً!

مرجريت - من يدري؟

جانين - لو أنك شئت إعادة جاستون إلي لما استطعت. . لن يعود بعد اليوم. . . انتهى. . . على أني أفضل الآن وقد عرفتك أن تكوني أنت التي تمضين به لا امرأة أخرى. . . لكن عفوا!. . . عيوني مازالت تغص بالدموع. . . مدموازيل! اغفري لي أقوالي الطائشة التي فهمت بها منذ لحظة. . . كنت مجنونة. . . لم أك أتوقع رؤيتك هنا. . . أسأت إليك، فعفواً! والآن، وداعاً!

مرجريت - ألا تفضلين رؤيته قبل الرحيل؟

جانين - (بسرعة) كلا.

مرجريت - إذن، قبيل أن نفترق، يا جانين، عديني بأن ما ورد في خطابك قد تبخر. . . أتسمحين لي أن تكوني جد شجاعة؟ (تسير جانين) مهما تصورتني بعيدة عنك فثقي أن لك في صديقة حبيبة. . .

جانين - الوداع يا مدموازيل (تجيل بصرها في أنحاء الججرة) أبحث عن تذكار. . . هذه الورود. . . (تنزع الزهور في لهفة من الآنية) إنها ملكي هذه الورود! كل ما أملك من متاع العالم! (في يأس دامع) على أن الزمن العاتي سينويها عن قريب! (تضم باقة الورد إلى قلبها وتختفي) (تتابعها مرجريت في نظرة أليمة ثم تسقط باكية على مقعد أمام المكتب)

المشهد الثامن

مرجريت - جاستون

جاستون - (مقبلاً) أأنت وحدك؟

مرجريت - (ترفع رأسها دون أن تنظر إليه) فضلت ألا تراك، على أنها وعدني ألا تستسلم إلى اليأس

جاستون - مرجريت

مرجريت - يا للصغيرة المسكينة لن تبرح خاطري صورتها وهي تمضي إلى حال سبيلها، وحيدة، باكية

وقد ضمت إلى صدرها تلك الباقة من الورود الحمراء. . التي تشبه قلبها الدامي.

جاستون - مرجريت! كأني بك لم تعودي تحبينني. أتجدينني مذنباً

مرجريت - لا يا جستون. إني لا أتهمك. لقد دفعت عنك جانين لم تكن تلك خطيئتك، بل خطيئة المقادير، خطيئة الحياة، الحياة التي تجعلنا بالرغم منا قساة إلى هذا الحد

ينزل الستار