مجلة الرسالة/العدد 284/كتاب المبشرين

مجلة الرسالة/العدد 284/كتاب المبشرين

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 12 - 1938



من أغلاطه في العربية

لأستاذ جليل

(بقية المقال السادس)

32 - في الصفحة (330): مضطر على أفعاله

قلت: اضطر على كذا خطأ والصواب اضطر إلى كذا (ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار) (وقد فصل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) وفي الجمهرة: وللضرورة والضارورة واحد وهو الاضطرار إلى الشيء، ومثل هذه التعدية في كلامهم وفي كتب اللغة. وفي كتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري هذه الفائدة: ولهذا المعنى قال المحققون من أهل العربية إن حروف الجر لا تتعاقب حتى قال ابن درستويه: (في جواز تعاقبها إبطال حقيقة اللغة، وإفساد الحكمة فيها، والقول بخلاف ما يوجبه العقل والقياس) وذلك أنها إذا تعاقبت خرجت عن حقائقها، ووقع كل واحد منهما بمعنى الآخر فأوجب ذلك أن يكون لفظان مختلفان لهما معنى واحد، فأبى المحققون أن يقولوا بذلك وقال به من لا يتحقق المعاني. ولعل قائلا يقول: إن امتناعك من أن يكون للفظين المختلفين معنى واحد - ردُّ على جميع أهل اللغة لأنهم إذا أرادوا أن يفسروا اللب قالوا: هو العقل، أو الجرح قالوا: هو الكسب، أو السكب قالوا: هو الصب، وهذا يدل على أن اللب والعقل عندهم سواء، وكذلك الجرح والكسب، والسكب والصب، وما أشبه ذلك. قلنا ونحن أيضاً كذلك نقول، إلا أنا نذهب إلى قولنا اللب وإن كان هو العقل فأنه يفيد خلاف ما يفيد قولنا العقل. ومثل ذلك القول وإن كان هو الكلام والكلام هو القول فان كل واحد منهما يفيد بخلاف ما يفيد الآخر، وكذلك جميع ما في هذا الباب

33 - في الصفحة (329): في كل محرس من الليل

قلت: إن كان المراد الحرس فالحرس الدهر أو وقت من الدهر دون الحقب. والذي يقال في هذا المقام هو الجرس أو الجرش، ففي تهذيب الألفاظ لابن السكيت: مضى جرس وجرس من الليل، وفي الصحاح: أي طائفة منه، وفي المخصص مضى جرش من الليل والجمع جروش وأجراش، وقد يقال بالسين وفي اللسان: وقد يقال بالشين، وفي التاج: أتيته بعد جرش من الليل - مثلثة - ما بين أوله إلى ثلثه وقيل هو ساعة منه، والسين لغة، قال أبو زيد: مضى جرش من الليل أي هَوِىّ (أي هزيع من الليل أي طائفة منه. . .)

34 - في الصفحة (80): ثم حسن لخديجة وهي أرملة ذات شرف ونسب أن تتخذه فيخرج في تجارتها

قلت: في كلام العرب وأكثر كتب اللغة: الأرملة التي مات زوجها وهي فقيرة. قال المصباح قال الأزهري: لا يقال لها أرملة إلا إذا كانت فقيرة فإذا كانت موسرة فليست بأرملة. وفي الأساس: وأرملت ورملت من زوجها ولا يكون إلا مع الحاجة. وفي اللسان والتاج، قال ابن الأنباري: سميت أرملة لذهاب زادها وفقدها كاسبها ومن كان عيشها صالحاً به، ولا يقال إذا ماتت امرأته أرمل إلا في شذوذ لأن الرجل لا يذهب زاده بموت امرأته إذا لم تكن قيمة عليه. . . والرجل قيم عليها، وتلزمه مؤنتها ولا يلزمه شيء من ذلك. وفي القصيدة الطويلة - كما يسميها أديبنا الكبير الأستاذ المردمي - المنسوبة إلى أبي طالب في مدح سيدنا رسول الله ():

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى، عصمة للأرامل

وأنشد ابن بري:

لبيك على ملحان ضيف مدفّع ... وأرملة تزجى مع الليل أرملا

35 - في الصفحة (132): وقد تكرم عليه في آخر سنة من عمره بأن متعه بالنظر إليه

قلت: تكرم عليه خطأ، والتكرم تكلف الكرم، وتكرم تكلف الكرم قال المتلمس:

تكرم لتعتاد الجميل ولن ترى ... أخا كرم إلا بأن يتكرما

وتكرم عن كذا أي تنزه عنه وترفع. قال أبو حية:

ألم تعلمي أني إذا النفس أشرفت ... على طمع لم أنس أن أتكرما

ولم يجئ في كلام العرب ولا في معجمات الألفاظ ولا في معجمات المعاني تكرم عليه بمعنى أفضل عليه، تفضل عليه، أجدى عليه، من عليه، تطول عليه، تندى عليه، تسخى عليه، أسدى إليه؛ يدي عليه، أيدي عليه، أنعم عليه

36 - في الصفحة (396): أما الوعد فانه عرف من شدة انهماكهم على الملاذ الشهوانية قلت: لا يقال في العربية انهمك على الشيء بل أنهمك فيه. ففي حديث خالد بن الوليد (رضي الله عنه) أن الناس انهمكوا في الخمر. وفي الصحاح: انهمك الرجل في الأمر أي جد ولج، وكذلك تهمك في الأمر. وفي الأساس: انهمك في الباطل وفلان منهمك في الغي. مثل هذه التعدية في الجمهرة والنهاية واللسان والمصباح والتاج والمعجمات العصرية. والملاذ في اللغة جمع ملذ وهو موضع اللذة. وفي الفائق: النبي : إذا ركب أحدكم الدابة فليحملها على ملاذها: أي ليسرها في المواضع التي تستلذ السير فيها من المواطيء السهلة غير الحزنة والمستوية غير المتعادية والشهوانية نسبة إلى الشهوان أو الشهواني وهو شديد الشهوة ومنه قول رابعة: يا شهواني. والشهوة اشتياق النفس إلى شيء كما في المصباح، أو نزوع النفس إلى ما تريده كما في مفردات الراغب. فماذا يعني كتاب المبشرين بكلامه الطمطماني؟

37 - في الصفحة (340): قال الغزالي قد انتهى قوم في الشطح (لعله يريد الشطط) والدعاوى العريضة إلى دعوى الاتحاد بالله وارتفاع الحجاب.

قلت: لا يريد الشطط بل يريد الشطح، وإن من يجهل هذا المصطلح المشهور عند المتصوفة لجاهل. وهذه اللفظة إن لم تضعها العربية من قبل فهي كلمة اصطلاحية. ولم يكتب في التصوف كاتب، ولم يؤلف في طريقة القوم مؤلف، إلا ذكرا هذا الشطح كثيراً. ولن يسد شطط الشاطين ولا طائفة كبيرة من خلط المبشرين مسد الشطح. . . جاء في التاج: اشتهر بين المتصوفة الشطحات وهي في اصطلاحهم عبارة عن كلمات تصدر منهم في حال الغيبوبة وغلبة شهود الحق عليهم بحيث لا يشعرون حينئذ بغير الحق كقول بعضهم أنا الحق، وليس في الجبة إلا الله، ونحو ذلك. وفي التعريفات: الشطح عبارة عن كلمة عليها رائحة رعونة ودعوى، وهو من زلات المحققين، فانه دعوى بحق يفصح بها العارف من غير إذن إلهي بطريق يشعر بالنباهة. . .

38 - في الصفحة (437) فهذا الكلام يستلفت نظرنا من جهتين

قلت: استلفت خطأ، وإن قبل: قال سيبوبه في (هذا باب استفعلت): (وتقول استعطيت أي طلبت العطية، واستعتبته أي طلبت إليه العتبى، ومثل ذلك استفهمت واستخبرت أي طلبت إليه أن يخبرني). قلنا: جاء ما ذكره سيبوبه ولكنهم لم يقولوا استلفته أي طلب لفته؛ ثم اللفت في اللغة ليّ الشيء عن الطريقة المستقيمة، ولفته لواه على غير جهته - كما في اللسان - فيكون معنى الجملة حسب بناء هذا الفعل؛ (وهذا الكلام يطلب ليّ نظرنا على غير جهته من جهتين. .) وهناك نظران: نظر البصر ونظر البصيرة فأيهما المقصود؟

39 - في الصفحة (153) ويعتقد المسلمون بعصمة الأنبياء

قلت: قالوا: اعتقد كذا بقلبه - كما في الصحاح - ولم يقولوا اعتقد بكذا. وفي المصباح: اعتقدت كذا: عقدت عليه القلب والضمير

40 - في الصفحة (59): على أنها أيضاً تعلق في الكعبة بأمر الأمة مكتوبة في ثوب قبطي بماء الذهب

قلت: اضطر (سال) أن يقول في (ثوب قبطي) حتى يوضح في لغته اللفظة. ولو كان مترجم (المقالة) وذو الذيل ممن شدا من العربية شيئاً لجلب الكلمة التي وضعها اللغة أو التي أوردتها كتب الأدب في خير المعلقات والتعليق وهي القباطي ومفردها القبطية. قال أبن رشيق في العمدة: (وكانت المعلقات تسمى المذهبات، وذلك لأنها اختيرت من سائر الشعر فكتبت في القباطي بماء الذهب وعلقت على الكعبة. وقال صاحب العقد: (فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة وعلقتها في أستار الكعبة) والقبطية في الشعر القديم وفي الحديث. جاء في الفائق: كسا () امرأة، قبطية فقال مرها فلتتخذ تحتها غلالة لا تصف حجم عظامها. ومن حديث عمر (رضي الله عنه) لا تلبسوا نساءكم القباطي فانه إلا يشفّ، فانه يصف

أجتزئ بما أوردت من أغلاطهم وسائرها سيظهر في وقت، في كتاب

(الإسكندرية)

  • * *