مجلة الرسالة/العدد 286/يوم مطير

مجلة الرسالة/العدد 286/يوم مطير

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 12 - 1938



للأستاذ عبد الرحمن شكري

نهار تَدَانَى الدَّجْنُ في عُلوِ اُفِقِه ... مُبَلَّلَةٌ أرجاؤه ومَنَاكِبُهْ

خَبَتْ شمسه كالجمر يخبو لهيبه ... وعاد رمادا حسنُهُ وعجائِبُهْ

دجا مثل وجه الهمِّ إلاَّ جلاله ... فللدَجْن سحر يَحْزِنُ النفسَ خالِبُهْ

ثقيلٌ على القلب البَهيجِ عُبُوُسُهُ ... ولكنه قد يَسْحِرُ القلب كاَرِبُهْ

كما كان بعضُ الحزنِ للنفسِ شائقا ... تُعَاقِرُهُ في نشوة وتُقَارِبُهْ

ترى قطراتِ الغيث كالخيلِ اُطْلِقَتْ ... لِكَسْبِ رهانٍ أحرز السبقَ كاسبه

وتحسبها كالطير تهفو تَنَزِّياً ... تَنَزِّي الدَّبَي إن أهرقَ الغيثَ ساكبه

كأن الصِّلال الزاحفات على الثرى ... تجوس إذا ما الغيث جاست سواربه

كما عاج حيران يمينا ويسرة ... من الذعر، شر الذعر ما عاج صاحبه

على الأرض والجدران والدوح قطرُهُ ... ويَدْفَعُ في وجه المُشَرَّدِ حَاصِبُهْ

أيسطوا عليه الغيث يغسل نحسه ... أم الغيث من لَهْوٍ تراه يداعبه

كَلَهْوِ غلام مُلِّكَ القَسْوُ قَلْبَهُ ... إذا حيوانٌ هَابَهُ فَهْوَ ضاربه

سجيةُ كل الناس من هاب شَرَّهُمْ ... رَمَوْهُ بِبَأسِ اللؤم والخوفُ شائبه

ويعزو خيالُ المرء للكون روحَهُ ... مناقبهُ تُجْلى به ومثالبه

إذا رَنَّقَ التربُ الهواء انبرى له ... من الوَدْقِ طُهْرٌ يغسل الجو صائبه

ترى البرقَ فيه مُصْلِتِاً سيف نقمة ... لها الرعد صوت يذهل اللبَّ راعُبهْ

إذا خف كان الغيث لهواً ونعمة ... وإن لج لاحت للعيون خرائبه

ويطغى على الوادي بجيش عَرَمْرَمٍ ... مسالكه مذمومة وعواقبه

يخف على لوح الزجاج فصوته ... طنين فَرَاشٍ مَرَّ باللوح حاصبه

وطوراً يُلِحُّ الودق منه فصوته ... خريرٌ كما يَسْتَحْلِبُ الدَّرَّ حالبه

ويرنو إليه المرءُ من ثقب بيته ... كَأَنَّ غريباً يَتَّقِي منه هائبه

وطوراً ترى الغلمان تلقط طَلَّهُ ... يداعب صِنْوَ صِنْوَهُ ويلاعبه

ترى كل لَوْنٍ بعده قد زْها به ... كأن طِلاَءً فوقه لجَّ خاضبه يُعَلِّقُ قُرْطاً في ذرى الدوح قطره ... فتحسبه قد نَظمَ الدُّرَّ ثاقبه

عبد الرحمن شكري