مجلة الرسالة/العدد 288/القصص

مجلة الرسالة/العدد 288/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 01 - 1939



في نهاية الطريق

مترجمة عن الإنكليزية

بقلم الأستاذ عبد اللطيف النشار

أخرج الساعة من جيبه، ونظر إليها للمرة العشرين في مدة لا تتجاوز بضع دقائق، ثم أعادها إلى جيبه وأوثق عرى سترته بأنامل تدل حركاتها على الغضب. ثم مشى في الطريق الحالي المؤدي إلى البراح الريفي، وقال في نفسه وهو حانق:

(إن هذا لا يطاق! إنها وعدت بالمجيء في الساعة الحادية عشرة والنصف، والآن مضت سبع دقائق بعد الثانية عشرة ولم يبد منها أثر!)

ثم دار بلحظه في الفضاء، وكانت الريح تعصف باردة، فالتف بمعطفه وقال: (إذا لم تأت بعد خمس دقائق فإني سأعود)

ونظر في ساعته فوجد عقربها لم يتقدم غير دقيقتين، فقال: ها قد مضت أربعون دقيقة ولم تأت لوسي)

وترك الساعة في يده وأخذ يمشي ذهاباً وجيئة، وهو يخال أن دقات الساعة ضحكات سخرية واستهزاء به؛ ثم مضت المدة التي عينها للانتظار، فوضع الساعة في جيبه وعقد عرى المعطف وأصر على أن يعود، فسمع صوت طائر يغني فقال: (أزعجتني بصوتك يا طائر الجحيم)

ثم مشى مغضباً إلى منزله.

بعد يومين من هذا المساء تلقى هذا الخطاب:

(عزيزي هيوبرت. لا بد أن يكون عذرك قوياً في إخلاف موعدي مساء الثلاثاء. ولكن بما أنك وجدتني لا أستحق أن تكتب إليَّ على أثر ذلك فإني أبعث إليك بهذه طالبة إليك أن توضح لي أسباب غيابك وعدم كتابتك مشفوعة بالاعتذار. وإلا فإني أعتبر خطبتنا مفسوخة وأنا أعني ذلك وأصر عليه)

(لوسي) غضب هيوبرت أشد الغضب عندما قرأ هذه الرسالة ولم يعرف كيف يمكن أن يطالب بالاعتذار مع قضائه ساعة ينتظر في البرد القارس.

وفي الصباح التالي كان يفكر فيما إذا كان يكتب أو لا يكتب، فوصل إليه غلاف مسجل من البريد وبه خاتم الخطبة.

وكان هيوبرت رجلاً كثير الفضائل، ولكن المرونة لم تكن من بين فضائله؛ فقال في نفسه عندما تسلم الخاتم: (هذا حسن جداً! إذا لم تبدأ لوسي بالكتابة وبالاعتذار فإني لن أكلمها بعد: نعم لن أكلمها)

مضى على هذا اليوم ثلاثون عاماً. وكان هيوبرت يمشي في حديقة جميلة في حي مونتفورد. وكان اليوم صائفاً من أيام شهر أغسطس، فالتقى فجأة بسيدة في منتصف العمر. وكان هو أيضاً قد قارب الشيخوخة، فوقف الرجل الأشيب أمام السيدة وقال: (لماذا لم تأت في موعدك؟)

فقالت: (لقد مضت أعوم كثيرة أظنها ثلاثين، ولكن لماذا لم تأت أنت يا مستر هيوبرت؟)

قال: (يظهر أنك نسيت الموعد فأرسلت إلي خطابك الذي ادعيت فيه أنك جئت، وهل تذكرين؟)

فقالت: (نعم أذكر وكنت في الساعة الحادية عشرة والنصف في المكان ولكنك لم تأت)

قال هيوبرت: (إنك لم تكوني هناك) فتحرجت لوسي وقالت: (لقد كنت تحت شجرة السرو)

قال: (ليس في هذا المكان شجرة سرو)

فاستدركت لوسي وقالت: (يظهر أنك كنت في الطرف الآخر من الطريق) وأدرك هيوبرت خطأه فقال: (ولكن الخطأ كان منك، لأن المكان الذي وقفت فيه هو الذي اتفقنا عليه)

ثم ابتسم كلاهما، وقال هيوبرت: (هل تأذنين أن أقدمك إلى زوجتي فهي معي الآن في الحديقة؟) فقالت: (نعم وسأقدمك إلى زوجي فهو هنا أيضاً)

ومشيا معاً في الحديقة فتعرفت لوسي بزوجة هيوبرت وتعرف الأخير بزوج الأولى. ثم أشار هيوبرت إلى شاب يلعب (التنيس) مع فتاة وقال: (هذا ابني جون)

فابتسمت لوسي ابتسامة سرور وقالت: (وهذه الفتاة التي تلعب معه هي بنتي نانسي)

- صحيح؟ - نعم

فتبادلا الابتسامات، ثم قالت لوسي: (أرى بينهما مودة وأظن. . .)

قال مقاطعاً: (وأظن ذلك أيضاً)

قالت: (إني سأوعز إليها. . . ولكني سأنصح لهما بأنهما إذا اتفقا على مكان يلتقيان فيه فيجب أن يعينا بالدقة في أي طرف من الطريق يلتقيان)

ثم ابتسمت، فابتسم هيوبرت.

عبد اللطيف النشار