مجلة الرسالة/العدد 289/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 289/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 289
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 01 - 1939



الفنانون المصريون

لما كنت في جبال الدولوميث صيف السنة الماضية لقيت نفراً من مهرة

الفنانين الإيطاليين. فحدثوني عن القسم المصري لمعرض البندقية

الواحد والعشرين وكان حديثهم من أعذب ما سمعت إذ أقروا أن

دلائل الفن المصري الحديث من الطراز الأول. ولما انحدرت من

جبال الدولوميث إلى سهول إيطالية لم أر بداً من الذهاب إلى البندقية

فوصلتها في يوم يكاد فيه الهواء يصل إلى الرئة: حرّ أسواني وثقل في

الجو ثم بعوض فتّاك

إن القسم المصري في معرض البندقية كان شيئاً عظيماً حقاً. فلم أفرغ من تأمله حتى بعثت إلى (الرسالة) بمقالة مسهبة وصفت فيها المعروضات وعللت تقدم الفنانين المصريين. وإذا المقالة لا تنتهي إلى (الرسالة) عفا الله عن البريد

وليعزّ عليّ أن أهمل ذلك القسم المصري، إلا أني أصبحت أرى معروضاته على ضوء ضئيل أو كما يقول المصورون أنفسهم في ضياء مظلم ومما يزيد في أسفي أن هذا القسم عُرض ثانية في فندق الكونتيننتال في القاهرة وأنا لم أحضرها بعد

فهل يؤذن لي أن أكتب من الذاكرة؟

أذكر من الصور تلك التي عرضها محمود سعيد وهو مصور يحقُ له أن ينافس كبار زملائه من الفرنجة. ويمتاز سعيد ببثّ الحياة الزاخرة في نواحي صوره وبالإتقان من غير تكلف وبالتأليف الجامع المدفون في اللمحات والإشارات كأنه نغمات تنسجم على وزن لا يبلغ الأذن. ثم إنه أخذ يفلت من تأثير روبرندت وروبنس وحول أنظاره إلى الفطريين أمثال فان إيك إلا أنه يصب في ألواحه ما يحس به خاصة وما يضطرب في الطبيعة المصرية. وله أداء تعبيري يدعوك إلى الروية وطلب المزيد. وإنك لتلمس هذا أمام صورتين له على وجه التخصيص هما: فتيات بحري والجزيرة السعيدة.

وأذكر من المنحوتات تمثالاً لأحمد عثمان يبرز فتاتين خارجتين إلى النزهة فيما أظن. والتمثال إلى الطريقة الوصفية الدقيقة. إلا أن الدقة فيه غير مباشرة، ومعنى هذا أن التفاصيل لا تؤدى على حالها المنظور بل على حالها المتخيّل. وهذا أسلوب في الأداء عرفه قدماء المصريين. وجمال هذا التمثال من جانب الصدق الذي يفيض من نواحيه ثم من جانب قوته التزيينية

وهنا أحب أن أعلن أن الفن في مصر الحديثة سبق الموسيقى والرقص والشعر حتى النثر لأنه بنجوة من الرأي العام لانصراف الجمهور عن مظاهره، والرأي العام عندنا يكره الوثبات، ولأنه غير خاضع لسلطان التقاليد والمنقولات إذ التصوير في الإسلام لا يعدو جانب التزويق، ولأنه نهض أول ما نهض على قواعد الفن الأوربي وحده فلا نزاع ولا شقاق ولا تقديم رجل وتأخير أخرى. أضف إلى كل هذا أن أصحابه أدركوا أن غاية الفن الصحيح طلب الطرافة من ناحيتين: الأولى بالانطواء على النفس والثانية باستلهام ما يحيط بك. فهذه تخرج لكل بلدٍ فنه الموقوف عليها لأنه مستمد من سمائها وأرضها سليقة أهليها، وأما تلك فترسل في ألواح كل فنان معنىً وتنفث سراً.

بشر فارس

من مآسي الحياة

سيدي الأستاذ الزيات

لقد وعدت أن أقص عليك ما أعلم من مآسي الحياة، ولكني رأيت ألاّ أفي بوعدي رحمة بالرسالة وقراء الرسالة

إن حبي للرسالة يمنعني أن أحملها من المآسي ما تخر تحته الجبال.

مآس سحقت قلوباً كانت قوية، وأذلّت نفوساً كانت عزيزة أبيّة، وهدمت حياة كانت حافلة بالآمال والأعمال.

فهل في استطاعة الرسالة احتمال كل هذا؟

أما كفاها ما حمّلها صاحبها من مآس وهي لا زالت طفلة في السابعة من عمرها؟ لقد رأيت الدموع تجري بين سطورها، وسمعت أنّات القلوب المحطمة بين صفحاتها، فهل أزيدها ألماً وأحمّلها عصارة القلوب المنسحقة؟.

رحمة بالرسالة يا سيدي فهي - على الرغم ما تحمل من علوم وآداب عالية - لا زالت رقيقة صغيرة نضرة. وأني لأشفق عليها من وصف ما وصل إليه الإنسان من وحشية وقسوة!!

نعم يا سيدي الفاضل (إنه لا يزال في خبايا الغيوب وطوايا الحجب ما هو أمضّ لوعة وأشد روعة من (فتون وجنون)

لا يزال في خبايا الغيوب وطوايا الحجب مآس هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة. وفي خبايا الغيوب آلام تضعف عندها الألفاظ وتمتنع عنها أقوى المعاني

وفي طوايا الحجب ضحايا. . .

ليت رحمة الله تدركهم فيذوقوا نعمة الموت! حتى الموت امتنع عنهم

وهل هناك أشد بؤساً من قوم كل أملهم انتظار الموت؟

لا تشك الدهر فيما يأتي به من شقاء، ولا تلم القدر بما يجيب من دعاء، فإن قلب الإنسان أشد قسوة وأمر تعذيباً من كل هؤلاء. بين الناس من يحملون قلوباً كالرحى. ولقد فكرت مراراً كيف يقدر الإنسان أن يتفنن في تعذيب إنسان آخر وخصوصاً إن كان أقرب الناس إليه!! ولكني عجزت عن الجواب.

أراني يا سيدي الفاضل تماديت في الحديث أكثر مما كنت أود

وأخشى إن أنا استرسلت في الكتابة أن أكشف عن خبايا مآس ربما كان سترها أفضل، وأعيد ذكرى آلام ربما كان نسيانها أوفق، فعفواً سيدي ومعذرة إن أنا لم أنجز وعدي. فليس في استطاعتي أن أقص عليك. فربما كان الصمت أبلغ من القصص.

ا. ش. ف

هل عبد الإسرائيليون أبا الهول؟

جاء في العدد (288) من مجلة الرسالة الغراء أن كلمة (أبو الهول) محرفة عن كلمة (بوحول)، وهي لفظة إسرائيلية معناها (مكان حول) و (حول) إله محلي في فلسطين، فلما نزل الإسرائيليون أرض مصر أقاموا بجوار أبي الهول، وعبدوه بدلاً من أحد آلهتهم، لما بينهما من تشابه

ولاشك أن هذا ينافي ما هو معلوم من تاريخ الإسرائيليين، لأنهم لم يكن لهم إله بفلسطين قبل هجرتهم إلى مصر يسمى (حول). فإن الذين هاجروا منهم إلى بلاد هم: يعقوب وأولاده، ويعقوب هو إسرائيل، وإليه ينسب الإسرائيليون. وقد كان هو وأولاده يعبدون الله تعالى قبل هجرتهم إلى مصر، وبعد هجرتهم إليها كما هو معلوم من إجماع الكتب المقدسة وغيرها. ولا يصح أن يعدل عن تواتر التاريخ بهذه المناسبات اللفظية التي ترجع إلى توافق اللغات وتشابهها، ولا يمكن أن يؤخذ منها تلك الأمور إلى تنافي الحقائق التاريخية

والمعروف أيضاً أن الإسرائيليين لما هاجروا إلى مصر نزلوا بأرض جاسان، وهي في مديرية الشرقية الآن، وقد أقاموا بها إلى أن أخرجهم فرعون موسى منها

فإذا صح أن قوماً من فلسطين نزلوا بجوار (أبو الهول) وعبدوه. فإنهم يكونون من الفلسطينيين الوثنيين لا من الإسرائيليين الموحدين، وقد كانت فلسطين جامعة للفريقين

وإذا صح أن اسم (أبو الهول) في الهيروغليفية هو: (حرأم آخت)؛ ومعناها: (هوراس الذي في الأفق). فإن الأقرب أن يكون تحريف ذلك الاسم عن (هور). لا عن (بوحول)، وإضافة لفظ الأب إلى أسماء: (الأعلام) شائعة في العامية المصرية إلى الآن، وهذه التسمية من وضعها، وقد ذلك الضم في كتب مؤرخي العرب باسم (بلهيت) أو (بلهوية)

عبد المتعال الصعيدي

تمثال مصري قديم يخرج عن مصر

نشرت بعض الصحف نبأ عن تمثال مصري معروض على متحف متروبوليتان في الولايات المتحدة لشرائه، وقالت إنه أخرج من مصر خلسة. وقد قالت مصلحة الآثار المصرية أنه لأمير مصري استخرج من حفائر دهشور حول هرم الملك بيبي من الأسرة السادسة، وكان يقوم بالحفائر في تلك المنطقة مسيو جيكييه رئيس البعثة الفرنسية. والمفهوم أن هذا التمثال أرسل من مصر قطعاً صغيرة ثم أعيد تركيبه في أمريكا وعرض للبيع فقدر له مبلغ 1500 جنيه مصري ثمناً وقد أرسل متحف المتروبوليتان الأمريكي إلى مصلحة الآثار المصرية خطاباً يعرض عليها فيه شراء التمثال بهذا المبلغ فطلبت إرسال صورة له للاطلاع عليها

وتبحث مصلحة الآثار باهتمام في هذه الأيام الطريقة العلمية لمنع تسرب الآثار المصرية إلى الخارج، وقد اشترطت أخيراً على هذه البعثات وجوب وضع فني مصري في كل بعثة لمنع أمثال هذه الحوادث

أعظم مجهر في العالم

حضر ولي عهد بلاد السويد في 7 يناير تجربة الميكروسكوب الكهربائي الذي يكبر حجم الأجسام الدقيقة والذرات مائة ألف مرة

وإذا تصورنا أن الميكروسكوب العادي قد لا يتجاوز في تكبيره خمسة آلاف ضعف، أمكننا أن نتصور عظمة هذا المجهر الذي سيكون له أعظم شأن في الكشف الطبي والعلمي والفني

والمخترع لهذا الميكروسكوب العجيب العلامة سيجباهو المعروف في جامعة أويسالا والذي منح جائزة نوبل للعلوم الطبيعية

ويقال أن البروفسور سيجباهو استعمل مجهره العجيب على أساس الأشعة الكاتوديكية بدلاً من الأشعة الكهربائية العادية

ونحن إذ نسجل هذا الخبر ندعو الله أن السبيل لأحد المصريين أو أبناء الشرق أن يخترع اختراعاً أو يكشف اكتشافاً يكون له دوي عالمي حتى يلتفت العالم العلمي إلى بلاد تكثر من ذكر العبقرية وذكر النبوغ دون أن يكون من بين أبنائها من يمكن إطلاق إحدى الصفتين عليه بجدارة واستحقاق

مصلحة للآثار العربية

كانت النية معقودة في وزارة المعارف المصرية على ضم دار الآثار العربية إلى إدارة الآثار الإسلامية وإنشاء مصلحة بهما معاً

وقد رفعت مذكرة إلى مجلس الوزراء بهذا الشأن، والمأمول بعد هذا الضم أن يتم العمل في ترميم الآثار والمساجد الإسلامية التي لا يزال بعضها مهملاً مع كونه هاماً أو على جانب من الجمال الفني وقد قامت إدارة الآثار الإسلامية بمجهود جبار مع كونها كانت إدارة؛ فلا يبعد أن يتضاعف مجهودها إذا ما أصبحت مصلحة مستقلة ذات ميزانية كبرى

توليد السماد من الهواء

من المسائل التي تهتم بها الآن مصلحة التجارة والصناعة بحث كشف علمي جديد كشفه أحد الأمريكيين وسجله لدى حكومته

وخلاصة الكشف أنه يمكن توليد السماد من الهواء بطريقة خاصة تجمع بين غاز الأكسجين وغاز الأزوت بعد تسليط أشعة خاصة هي وسط بين أشعة أكس وأشعة الألترا فيوليت. وقد أوضح المكتشف في تقريره إلى مصلحة التجارة والصناعة المصرية بأن طريقته أقل نفقة من غيرها، ولذا أرسلت الوزارة المصرية إلى مفوضيتها في واشنطون طالبة زيادة الإيضاح والبيانات عن هذا الكشف العلمي الذي قد تستفيد منه مصر إذا ما اتضح نفعه

الحالة الاقتصادية في تونس

كثر الحديث عن تونس منذ أسابيع بالنظر إلى الاقتراحات الإيطالية التي ستتقدم بها الحكومة إلى الجمهورية الفرنسية كما كثر اهتمام الشرقيين بهذا القطر الشقيق. ولعل في ما نذكره عن حالة تونس من الناحية الاقتصادية ما يجعلنا نفهم بعض الشيء الدافع لإيطاليا إلى الاتجاه لهذه المنطقة الخصبة

مساحة الأراضي المزروعة قمحاً 1 , 100 , 000 فدان

مساحة الأراضي المزروعة المغروسة عنباً 31 , 100 فدان

محصول القمح في السنة 3 , 000 , 000 قنطار

محصول الشعير في السنة 3 , 000 , 000 قنطار

محصول الشوفان في السنة 500 , 000 قنطار

محصول النبيذ المتحصل من الكرم 70 , 000 , 000 لتراً

عدد أشجار الزيتون 16 , 000 , 000 شجرة

ينتج منها زيت قدره 500 , 000 لتر

وفيها يبلغ طول الطرقات المعبدة 6000 كيلومتر وطول السكك الحديدية 3000 كيلومتر

وعدد موانيها يبلغ 21 مرفأ

منها من الدرجة الأولى 4 مرافئ

تبلغ حركة التجارة في أولها وهي صفاقس 3 , 000 , 000 طن

وفي الثانية وهي تونس 1 , 000 , 000 طن

وفي الثالثة وهي بنزرت 450 , 000 طن

وفي الرابعة وهي سوس 420 , 000 طن

وقاية آثار المتحف المصري من الغارات الجوية

المعروف أن المتحف المصري يشمل أغنى مجموعة أثرية مصرية في العالم أجمع، ولذلك كان من ضمن الأعمال الهامة التي درستها الحكومة المصرية النظر في أمر وقاية الآثار في المتحف المصري عند حصول غازات جوية

وقد ذهب الخبير البريطاني في مصلحة الوقاية من الغارات الجوية إلى مصلحة الآثار لمعاينة الأماكن والمخازن ذات القبو التي يمكن اعتبارها صالحة لهذا الغرض واطلع الخبير على رسوم خاصة بإنشاء مبان أخرى

ويهمنا من نشر هذا الخبر أن نوجه عناية الحكومة إلى التفكير أيضاً في وقاية الآثار العربية لأنها إذ لم تكن قديمة قِدم الآثار المصرية فإنها لا تقل عنها شأناً

مستقبل الثقافة في مصر

أخرج صديقنا الدكتور طه حسين بك كتاباً قيماً في جزءين عالج فيه مستقبل الثقافة في مصر بمعاهدها المختلفة. وقد أرسل إلينا الدكتور زكي مبارك بحثاً ضافياً عنه سننشره في العدد القادم

بين القديم والجديد

أرسل إلينا الأستاذ محمد أحمد الغمراوي مقاله الثاني في الرد على (قارئ) في مسألة الأدب بين القديم والجديد فاضطررنا لضيق الوقت أن نؤجله إلى العدد المقبل

جمعية علمية تعمل على نشر الأدب العربي علمنا أن الجمعية العلمية الفرنسية التي وجهت عنايتها منذ إنشائها إلى نشر الآداب القديمة والحديثة، قد اتجه تفكيرها إلى إحياء ما تركه العرب من تراث أدبي، مع توجيه نصيب من الجهود إلى الأدب العربي الحديث لإعطائه حقه من العناية والدراسة

ومما وقفنا عليه في هذا الصدد أن فريقاً من علماء تلك الجمعية اعتزموا زيارة مصر في الأيام القريبة المقبلة للاتصال بكبار رجال الأدب فيها، تمهيداً لترجمة بعض المؤلفات الأدبية القديمة والحديثة ونشرها في فرنسا

ومما يجدر بالذكر أن هذه الجمعية قد نشأت بعد الحرب الكبرى، وبدأت جهودها التي لا دخل للهيئات الرسمية فيها، بنشر الآداب اللاتينية بعد ترجمتها ترجمة جديدة، فأحدثت بذلك ثورة فكرية في البيئات الأدبية والعلمية، لم تتأثر بها فرنسا وحدها وإنما تعدت حدودها إلى الممالك الأخرى

مشروع جامعة السودان

من أنباء الخرطوم أنه منذ صدور التقرير الضافي الذي وضعه اللورد دي لاوار عن التعليم في السودان، ومصلحة المعارف السودانية تبذل جهدا لتحقيق أمل السودانيين في إنشاء جامعة للسودان على نحو الجامعة المصرية

وقد كتبت بعض الصحف تشك في إمكان قيام مثل هذه الجامعة لعظم ما تحتاج إليه من تكاليف لا تتحملها الميزانية السودانية. ولكن المتصلين برجال المعارف في القطر الشقيق يقولون إنهم جادون كل الجد، في العمل على تنفيذ مشروع الجامعة السودانية

ويظهر أن الجامعة الجديدة سوف لا تستند في مواردها إلى المالية السودانية فقط، لأنها في الحقيقة ليست تنفيذاً للأمل السوداني المتواضع، بل تنفيذاً لسياسة عليا، يرجى من ورائها أن ينشأ هناك مركز علمي كبير يحمل الثقافة إلى الجزء الأفريقي من مستعمرات التاج البريطاني، وقد أشير إلى هذا الغرض صراحة عند إرسال بعثة دي لاوار