مجلة الرسالة/العدد 293/النباتات آكلة الحشرات
مجلة الرسالة/العدد 293/النباتات آكلة الحشرات
بقلم رضوان محمد رضوان
تتشابه النباتات بوجه عام في نظم تركيبها واحتياجاتها الغذائية سواء كانت هذه النباتات مائية أو نامية في الصحارى أو على قمم الجبال؛ إلا أن شكلها الظاهري وتركيب بعض أعضائها الداخلية تتحور وتعدل تبعاً للبيئة التي يوجد بها النبات حتى يمكنه أن يعيش في الظروف التي تحيط به؛ وهذا هو الحال في النباتات آكلة الحشرات.
فمن المعلوم أن النبات يحتاج في غذائه إلى عناصر خاصة. لا بد من توفرها في البيئة التي يعيش فيها النبات حتى يمكنه النمو والحياة. والنباتات الخضراء حساسة جداً لعنصر الأزوت فهو من أهم العناصر المكونة للبروتوبلازم الحي؛ كما أن النبات لا يمكنه امتصاص الأزوت إلا على صورة أزوتات، وعلى ذلك فوجود الأزوتات أمر ضروري لحياة النبات.
ويقوم بتجهيز أملاح الأزوتات للنبات أنواع من الأحياء الدقيقة تعرف باسم (بكتريا التأزت) فهي تحول النوشادر إلى حمض الأزوتوز ثم تؤكسده وتحيله إلى حمض الأزوتيك الذي يتحد بالأملاح القلوية مكوناً أملاح الأزوتات.
أما في الأراضي التي لا تعيش فيها بكتريا التأزت لعدم ملائمة الظروف لها كأن تكون الأرض حمضية مثلاً، فعلى ذلك لا تتوفر أملاح الأزوتات اللازمة لحياة النبات، كان لا بد للنباتات التي تعيش في مثل هذه الأراضي أن تبحث عن وسيلة جديدة للحصول على الأزوتات اللازمة لها، وفعلاً قد هيأتها الطبيعة بتحورات خاصة لتجعلها ملائمة لاقتناص الحشرات حتى تستطيع أن تستمد منها عنصر الأزوت. وسنذكر فيما يلي أهم أنواع هذه النباتات وطريقة كل منها في الاقتناص:
نبات الدروزيرا
ينمو في وسط حمضي فيستحيل على الجذور أن تمتص أملاح الأزوتات، وفيه الأوراق ضخمة بها عدد من الزوائد الحساسة التي تفرز مادة لزجة حمضية؛ فإذا ما سقطت حشرة ما على ورقة من هذه الأوراق، التصقت بالمادة الرحيقية حالما تلامسها، وعبثاً تحاول الحشرة الفرار، فإنها إذا حاولت ذلك اشتبكت بزوائد أخرى، فتصير داخل شبكة محكمة م هذه الزوائد الحساسة، وبهذا يصبح خروجها ضرباً من المحال. فإذا ما اقتنص النبات فريسته تنحني تلك الزوائد فوق الحشرة وتفرز عليها أنزيم الببسين لهضم الحشرة وإذابة جسمها، وبعد ذلك يمتص النبات تلك المواد المذابة، ثم تعتدل الزوائد وتعود الورقة إلى شكلها الطبيعي وتتهيأ لاقتناص فريسة أخرى.
نبات النيبنثس
يوجد هذا النبات في بلاد الملايو، وهو يحتال على اقتناص الحشرات بطريقة طريفة، فنجد أن جزءاً من الورقة يتحور إلى شكل جرة ذات غطاء يتحكم النبات في فتحه وقفله حسب حاجته. وتتجمع قطرات ماء المطر داخل هذه الجرة؛ ويستعين النبات على جذب الحشرات برحيق حلو الطعم يفرزه داخل الجرة، فإذا ما دخلت فيها حشرة لامتصاص الرحيق انزلقت أرجلها وسقطت في الماء. وفي الوقت نفسه يغلق الغطاء وبذا توصد أوجه الخلاص أمام الحشرة وتفقد كل أمل في النجاة، حينئذ يبتدئ النبات في عملية الهضم بواسطة إنزيما خاصة يفرزها لإذابة الحشرة حتى يتمكن من امتصاص المواد الناتجة. بعد ذلك يفتح غطاء الجرة وتستعد الورقة لاستقبال قادم جديد وهكذا.
وهناك نبات معروف في شمال أمريكا يسمى مثل نبات النيبنثس.
نبات الديونيا
تحتوي ورقة هذا النبات على مصراعين يتحركان على العرق الأوسط وتنتشر على السطح العلوي لكل منهما زوائد شوكية دقيقة، فإذا وقفت حشرة ما على الورقة انقفل المصراعان فجأة وبسرعة وتنغرز الأشواك الحادة في جسم الحشرة فتمزقها وبذا تبدأ عملية الهضم والامتصاص.
حامول الماء
ويوجد هذا النبات في مصر منتشراً في المياه العذبة، وتحمل أفرعه أجزاء منتفخة أشبه بالمثانات بها خلايا خاصة ولها غطاء يفتح للداخل فقط، فإذا لامست إحدى الحشرات المائية الشعور الحساسة، انفتح الغطاء بسرعة إلى الداخل، واندفعت الحشرة مع الماء إلى داخل المثانة، وتبقى هنالك حتى تموت وتتعفن. ثم تمتص بعد ذلك بواسطة الخلايا المبطنة لجدر المثانة.
هذا وقد قرأت أخيراً في إحدى المجلات الأمريكية نبأ العثور على نوع من الأشجار يفترس الإنسان؛ فقد روى العلامة الدكتور كارل ليشي أحد الرواد النمسويين ومن أقطاب العلماء، أنه أثناء رحلته في ارتياد مجاهل جزيرة مدغشقر اتفق أن رأى منظراً غريباً ملك عليه حواسه وأخذ بلبه. ذلك أنه رأى جماعة من الزنوج يدفعون فتاة عارية نحو شجرة هائلة تشبه شجر الأناناس ولها أوراق ضخمة، ويبلغ محيط الشجرة من أسفل ست أقدام أو أكثر، ويخرج منها أفرع طويلة ذات أوراق عريضة إبرية الحافة، ويسيل من الشجرة رحيق مسكر، حتى إذا ما وصلت الفتاة إلى الشجرة أرغموها على شرب الرحيق. فلم تكد تفعل حتى انتابتها نوبة من الإغماء قد تكون من تأثير الخوف، وقد ترجع إلى أن الشراب مخدر للأعصاب.
وما لبثت الأوراق أن التفت حولها واحتوتها بين أسنانها وبذا اختفت عن الأنظار، وما لبث أن سال دم الفتاة مع رحيق الشجرة فأقبل الزنوج عليه يشربونه بشراهة وغلظة.
وقد أيد هذه المشاهدة الكابتن هرست الإنجليزي الذي قام على رأس بعثة علمية لارتياد مجاهل مدغشقر؛ فقد وصف ما شاهده وقال إن أوراق تلك الشجرة تلبث مطبقة ستة أيام أو أقل قليلاً ثم تنفرج عن هياكل عظمية تذروها الرياح.
أقول إن هذه المشاهدات سواء كانت واقعية أو خيالية لا تخالف العلم فقد رأينا كيف أن النبات يفترس الحشرات في احتياجه إلى الأزوت؛ ولن يميز النبات بين حشرة أو حيوان أو إنسان إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً. وأغلب الظن أن الشجرة المذكورة في جزيرة مدغشقر، تعتمد في غذائها على الحيوانات التي تلجأ إليها ليلاً أو فراراً من القيظ أو هرباً من عدو، وأن الأهالي وقد عرفوا فيها تلك الخاصية قدسوها وأخذوا يقدمون لها القرابين من الفتيات، ويشربون من رحيقها المسكر المختلط بدم الضحايا، وهم يعتقدونه شراباً إلهياً قدمته إليهم الآلهة تقبلاً منها وكرماً.
هذه كلمة موجزة عن النباتات آكلة الحيوان، وهي جديرة بأن تسمى: (النباتات آكلة اللحوم) أسوة بالحيوانات (آكلة اللحوم).
رضوان محمد رضوان بكالوريوس في العلوم الزراعية