مجلة الرسالة/العدد 298/من برج بابل

مجلة الرسالة/العدد 298/من برج بابل

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 03 - 1939



قرأت في إحدى رسائل الأدب هذه النادرة اللطيفة: (أهدي إلى ملك الهند ثياب وحليّ، فدعا بامرأتين له وخَّير أحظاهما عنده بين اللباس والحلية. وكان وزيره حاضراً، فنظرت المرأة إليه كالمستشيرة له، فغمزها باللباس تغضيناً بعينه، فلحظه الملك. فاختارت المحظية الحلية لئلا يفطن للغمزة. ومكث الوزير أربعين سنة كاسراً عينه، لكي تقر تلك في نفس الملك، وليظن أنها عادة أو خلقة لازمة. وصارت الثياب للأخرى). قد يلتمس العذر لذاك الوزير المسكين بخوفه من غضب الملك وبطشه وحرصه على منصبه. ولكن ما عذر من يلزم النفس طائعاً مختاراً حركات وإشارات ونبرات وانتحال صفات دخيلة على الطبع الأصيل، فتنقلب الفتاة أو الشاب إلى قرد يقلد أو غراب يحاكي الطاووس! إن أشد ما يخدع المرء نفسه أن يتكلف ما يشذ عن طبعه، ويجرده من شخصيته التي تميزه عن غيره. إنما يدل ذلك على احتقار المرء نفسه واعتبارها من التفاهة بحيث تلغي وجودها وتستعير غيرها. وما عرف زمن كهذا العصر الميكانيكي الذي كثر من يخرجون فيه على غرار واحد كما تخرج الآلة صنوف الألوان والأنماط من متشابه المنتجات. ولعل مرجع هذه الظاهرة (الآلة السينمائية) أيضاً! فإن ما يزينه المرحون والدعاة للمتهافتات والمتهافتين أغرى فتياتنا وشبابنا بمحاكاة ما يصدر عن هذه الشخوص من حركة ترى أو لهجة تسمع. ولقد أصبح المثل الأعلى اليوم للفتاة والفتى بطلاً موهوماً أو نجمة لا سماء لهل. وأضحى الجميع على إلمام دقيق بحياة الممثلات والممثلين مما لم يظفر به درس بطل من أبطال التاريخ ورجال الإنسانية. إن هذه الفطرة السليمة البسيطة التي تتجلى في حركات أخواتنا الريفيات لمما يحملنا على الميل إليهن والإعجاب بخلالهن الكريمة النقية. فكما تزهو في ربوعهن الناضرة الوردة والوردة، وشتان ما بينهما من نسق ورواء وشذا، أو الشجرة والشجرة، وشتان ما بينهما من ثمر وجني؛ كذلك ترى الفتاة والفتاة، وشتان ما بينهما من سناء وسنا.

ماري نسيم

إيران في القديم والحديث

للأستاذ مصطفى ك تتمتع إيران بفضل ارتفاعها عن سطح البحر كثيراً واتساع رقعتها بمناخين متمايزين، أحدهما المناخ المعتدل، وثانيهما المناخ الاستوائي. وقليل من بلاد العالم في مثل اتساع رقعتها يستطيع أن يزهى بمثل هذا التباين في المناخ، فبينا تكثر الأمطار في الولايات الشمالية الثلاث التي تحد بحر الخزر، فإنها لا تسقط في الجنوب إلا في فصل الربيع. أما هضبة إيران نفسها فإنها منطقة المناخ المعتدل.

وإيران من البلاد ذوات المدنيات القديمة، فالاكتشافات التي تمت حديثاً في السوس تدل بجلاء على أن العلاميين وهم من الجنس الآري قد بلغوا مدينة مزدهرة في عهد يمكن تحديده بأربعة آلاف سنة قبل المسيح.

وقد حل الفرس أول ما حلوا بالقرب من إيلان على هضبة إيران، ثم قام واحد منهم فنال السلطان، ثم جاء بعده شيروس فتوج ملكاً عام 558 قبل الميلاد، وقوض إمبراطورية ميديا بعد عام، وبعد أن تحالف مع الكلدانيين والمصريين دمر سطوة كريزوس ملك ليديا الذي كان يقلقه، ثم فتح آسيا الصغرى ولم يلبث أن صار سيد كل آسيا الشرقية بلا منازع وكون إمبراطورية لم يسبق أن كان لها مثيل.

على أن إمبراطورية إيران بلغت ذروة المجد تحت حكم داريوس الأول، ونالت التنظيم الإداري الكامل واتسعت آماد حدودها اتساعاً كبيراً.

ولم يعرف العالم ملوك إيران بالفتوحات فحسب، بل عرفهم كذلك بما بذلوه من الجهود لرخاء أمتهم.

واحتفظت إيران في جميع العهود، حتى في العهد الإسلامي، بطابعها واستقلالها الوطني، فقامت تحت حكم الصفويين وخاصة عباس العظيم بتقدم باهر، وبلغت الهندسة والفن أوجهما في عهده

لكن إيران أخذت تنزوي بعد ملوك الصفويين شيئاً فشيئاً عن العالم، وبدأت طرق القوافل القوية الجميلة تعبث بها أيدي الإهمال، وتناسى آخر الملوك القاجاريين الفوائد التي كانت تعود على البلاد من موقعها الطبيعي في طريق مرور التجارة، ودفعوا أمتهم بسبب عدم قدرتهم إلى الانحطاط، لأن الرجل القوي الممتاز كان ينقصهم. . . إلى أن وجد العاهل الحالي، فكون رضا شاه، تحت اسم بهلوي الأول، الأسرة الحاكمة الجديدة. وسيسجل التاريخ بحروف كبيرة اسم هذا الشاه العظيم الذي جمع في شخصه رئيس الجيش والمشرع والمنظم والمصلح.

ينحدر جلالة الإمبراطور من أقدم وأنبل أسر إيران التي قطنت البلاد منذ أبعد العصور، وجلالته من مقاطعة سافادكوه التي يمثل أفرادها أنقى العناصر الإيرانية التي عرفت على مدى عصور التاريخ وفي مختلف الحوادث بالبطولة تارة وبالوطنية أخرى.

وانتظم في السلك العسكري طبقاً لتقاليد أسرته، فتقلد المناصب المختلفة فيها ودرج في مراتبها حتى ولي قيادة الجيش العامة، ثم لم يلبث أن قلد منصب وزارة الحربية إلى أن تولى العرش في نهاية عام 1925.

ومنذ ولي الملك أيقظ روح النشاط الكامنة في شعبه بعد أن أشفى على الهوة وأحيا أملها وقوى يقينها، وبدأت الإصلاحات تتوالى في جميع نواحي النشاط الوطني.

لكن عمله لم يقتصر على إمداد شعبه بأمل وتأييده بنفسه في تحقيق الإصلاحات فإن أكثر أثره في وضعه الأسس القوية لقيادة شعبه نحو مستقبل رخي عظيم جدير بماضيه المجيد.

وكانت أولى جهوده العناية بالجيش، فأصدر قانون التجنيد الذي يلزم كل إيراني بالخدمة في الجيش، وأنشأ المدارس العسكرية وأرسل البعثات إلى أوربا لاستكمال التعليم العسكري؛ ثم وجه التفاته نحو تكوين قوة الطيران العسكري؛ وفي طهران مدرسة يذهب عدد وافر منها كل عام إلى أوربا. ثم أنشأ القوة البحرية لتأمين الشواطئ الإيرانية فاستطاع أن يحقق طمأنينة البلاد منذ سنتين.

وأما عمله في ميدان السياسة فإنه استطاع أن يعقد اتفاقات عادلة على أساس من المساواة بدل تلك الاتفاقات الجائرة التي فرضتها الدول الأجنبية على بلاده في عهد تدهورها.

وأولى أمور العدل عنايته كذلك، فقام فيها بإصلاح كبير وسن القوانين في زمن وجيز، كان منها القانون المدني والتجاري والتحكيم الإجباري كما وضع المحاكم الدينية تحت رقابة الحكومة الرسمية وحدد لها اختصاصاً ضيقاً؛ ثم استطاع أن يلغي في عام 1927 القضاء القنصلي والامتيازات الأجنبية.

ونالت مالية البلاد إصلاحات هامة فتعادلت الميزانية بعد استتباب الأمن وانتظام الحكم، وبعد أن كانت الضرائب لا تجبى أو سيئة الجباية لضعف الحكومة واختلال الأمن.

وتعد مالية إيران من أسلم ميزانيات العالم، والدولة لا تشعر برهق في مواجهة أعبائها، فماليتها تسمح بتحقيق مشروعاتها في الإصلاح والمدنية.

أما مسائل التعليم فتلفت النظر حقاً، فقد شمل التعديل والتنظيم أموره وأصبح يجاري العصر الحديث كما تضاعفت ميزانيته وازداد عدد التلاميذ زيادة ضخمة.

والتعليم إجباري للأطفال من سن 6 - 13 ذكوراً وإناثاً، ومدة التعليم فيها ست سنوات في المدن وأربع في القرى، بغير أجور في المدارس العامة أو بأجر طفيف في المدارس الخصوصية

أما مدة التعليم في المدارس الثانوية فست للذكور وخمس للبنات، والتدريس فيها على غرار المدارس الفرنسية خاصة.

ومعاهد التعليم العالي الآن هي كلية الطب وطب الأسنان والصيدلة، وكلية الحقوق والعلوم السياسية، وكلية التعليم والزراعة ثم معاهد الفنون والصنائع والتعدين، والتجارة والدباغة والفنون للبنات وغيرها من المعاهد.

وأنشأ نظام البلديات، فاستطاعت مدينة طهران بفضل بلديتها الحديثة أن تقوم بإنشاء المستشفيات والملاجئ ودور الإسعاف ودور الأمومة على منوال يضارع العواصم الأجنبية، وخطت الحدائق والميادين على أجمل نظام، وشقت الطرقات في أنحاء المدينة فسهلت ميادين العمل، وشيدت بنايات على أحدث طراز.

ولا تقل باقي المدن الأخرى في إيران شئناً عن العاصمة في نواحي الإصلاح فعاد الجمال والسحر إلى البلاد التي اشتهرت بهما بفضل هذه الجهود المتضافرة.

واهتم جلالته بالأمور الزراعية، فتربة إيران غنية ومحصولاتها منوعة، وعني خاصة بزراعة القطن أخيراً وزراعة الشاي وقام بإجراءات هامة لزيادة إنتاج البلاد من بينها إنشاء مدرسة الزراعة كما أنشأ مدارس نموذجية لتعليم الناس استخدام الوسائل العصرية.

ولا يقل نشاط الحكومة في ميادين الصناعة عما ذكر فأولت عنايتها الخاصة لإنمائها فقامت معامل الصناعة في مختلف البلاد منها معامل السكر التي تكفي حاجة البلاد، ومعمل الأسمنت، ومصانع النسج والدبغ والصابون والكبريت، ومصانع السجاد التي اشتهرت بها إيران في العالم.

وأرض إيران غنية بالمناجم، فيها الحديد والرصاص والنيكل والنحاس ولزنك والزئبق والمنغانيز. كما دلت الأبحاث على أن بها الذهب والفضة والبلاتين. كما يوجد بها البوتاس والفحم لذي يستخرج بانتظام وبطريقة علمية.

على أن أوفر منتجات مناجمها البترول مما يضعها بين أغنى بلاد العالم.

ولم يفت جلالة الإمبراطور أن يهتم بطرق المواصلات. ولو عرفنا أنه شق أكثر من 27 ألف كيلو متر من الطرق المنتظمة الواسعة رغم وعورة البلاد وطبيعتها الجبلية لأدركن عظم الجهود التي بذلها.

وامتدت كذلك أسلاك التلغراف كما أنشأ محطة لاسلكية قوية تتصل بأكبر محطات العالم، كما أن بها الآن خطى الطيران، بين باريز والهند الصينية، وبين امستردام وبتافيا.

هذه هي لمحة عاجلة عن أعمال الإمبراطور. كان عمله في كل ناحية حلقاً. كانت إيران ميتة، أما الآن فقد دبت فيها الحية.

الفن الإيراني

تعتبر أصفهان - مدينة الملوك الصفويين وعاصمة فارس مدى أحقاب طويلة - من ألطف بلاد إيران بفضل قصريها العجيين، وجسورها الرائعة، وهيكلها الفخمة الفنية؛ فان النقوش والتصاوير التي على جدرانها أعجب ما عمل من نوعها، والسياح الذين يسافرون بين أصفهان وشيراز يعجبون بمجموعتين فخمتين من الهياكل.

والبحوث التي تمت في السنين الأخيرة كشفت عن نقوش عجيبة دلت على ثروة هائلة من المعلومات التاريخية، ورفعت النقاب عن آثار جميع المدنيات التي تعاقبت على أرض الفرس.

وعلى مقربة من هذه المنطقة تقع مدينة شيراز حيث يوجد قبرا الشاعرين الكبيرين: السعدي وحافظ، كما يوجد غيرهم هياكل أثرية وأعمال فنية على جانب كبير من الأهمية.

وهذه الولاية وولاية فارس كانتا مهد العظمة الفارسية قبل الإسلام، وتوجد في أزربيجان جوامع جميلة جداً، كما توجد قبور الملوك الصفويين العظيمة.

وعلى شاطئ أركس في الجنوب الشرقي من أصفهان في سهل مردخب الحالي الفسيح، حيث ترى إلى الآن خرائبها، كانت تقوم برسيبوليس التي كانت عاصمة الإمبراطورية الفارسية العظيمة منذ ألفين وخمسمائة عام، وكان ينضوي تحت لوائها عشرون ولاية، تمتد حدودها من فارجيانا في الشمال الشرقي إلى الحبشة في الجنوب الغربي، والبلقان في الشمال الغربي إلى السند في الجنوب الشرقي.

الأدب الفارسي

كان الأدب الفارسي زاخراً في كل وقت، ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة عهود، العهد الديني، وعهد الملاحم، وعهد الشعر الغنائي، ويكمل هذه الأنواع الثلاثة أدب المسرح والقصة.

وقد خضعت اللغة الفارسية لعدة تعديلات، فقد ظلت الإيرانية لقديمة اللغة الرسمية إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وهي لغة ساذجة فقيرة.

ثم تطورت بعد ذلك إلى للغة البهلوية، وهي مزيج من الإيرانية القديمة والعناصر السامية، وبقيت هي اللغة الوطنية إلى الفتح الإسلامي.

على أن اللغة الفارسية الأخيرة لم تولد إلا في القرن العاشر، حين دخل على الروح الفارسية تطور أساسي، فبعد أن كانت محض لغة دينية أصبحت لغة أدب، وصار الشعراء محل إكرام وتبجيل في بلاط الملوك وشغلوا مناصب رفيعة.

وكان الفردوسي أكبرهم وأثرهم، تجسدت فيه الروح الشرقية بشكل عجيب، وخاصة في الناحية الشعرية والغرامية، وكان شعره يزدان بالفخامة والروعة اللتين كانتا تسودان في بلاط الملوك.

ويجب أن نذكر بين الشعراء الغنائيين السعدي الذي اشتهر بكتابيه كولستان والبستان اللذين يعتبران قانون الأخلاق الفارسية حتى لقد اشتهر في العالم أجمع كما أن العالم كله يعرف البديعيات الساحرة التي ينشر بها هذا الشاعر الكبير تعاليمه في الأخلاق الدينية والإنسانية، وأننا لنلمس تحت ستار الأمثال البديعة الدليل على إخلاصه في إصلاح النفس والقلب الإنساني؛ وقد يبدو أن الشاعر يعرفهما أتم معرفة لطول ما قاسى في كثير من الملاحظة والتأمل.

ويعجبنا في السعدي حب الجمال والملاحة على الخصوص؛ وهو على وجه خاص فنان لأنه شديد الحس، يحيا بين الزهور، ويحب الملابس المتألقة، ويجمل أشخصه بجواهر متناهية الدقة في النقش، ويعطرهم بالمسك والعنبر؛ وإن يكن فنه غير فخم لكنه شديد الأناقة والرقة.

وحافظ هو أحد شعراء الفرس الوطنيين الرشيقين، وأحد الذين يفهم الغرب عنهم روح الشرقيين أحسن فهم بفلسفته الضاحكة وهزئه لساخر.

ثم عمر الخيام الذي يدين بشهرته لكتابه بالمعروف الرباعيات الذي يزخر بالسخرية والشك. وقد سببت ترجمة كتابه إلى الإنجليزية ضجة في أوربا وأمريكا حتى غدت شهرته الآن تملأ الآفاق.

مصطفى كامل

المحامي