مجلة الرسالة/العدد 299/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 299/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 03 - 1939



من وحي السيرة

1 - بطل الأبطال: للأستاذ عبد الرحمن بك عزام

2 - صور إسلامية: للأديب عبد الحميد المشهدي

- 1 -

لاشك أن الإنسانية لم تعرف في تاريخها من عظمة النفس، وسمو الروح، ونبل الغرض، وقوة العزيمة، وصفاء النفس، وحسن السيرة، مثل ما عرفت في شخصية محمد صلوات الله عليه، ذلك النبي الكريم، والرسول العظيم، والمثل الأعلى للبطولة والجهاد في سبيل العقيدة والإخلاص لله!

هذه العظمة الإنسانية التي تمثلت في شخصية محمد صلى الله علية وسلم وفي سيرته، كانت وما تزال وستظل على مدى الدهر روعة تملأ القلوب وتهز مشاعر الناس في جميع العصور والأجيال سواء آمنوا أم كفروا، وتفتح لأهل الفكر والأدب والتاريخ آفاقاً مشرقة يقبسون من نورها، ويهتدون بهديها، ويجدون في كل جانب من جوانبها مادة مواتية، وثروة باقية للفكر والأدب والتاريخ. . .

والذين كتبوا في سيرة النبي وشخصيته كثيرون حتى ليخطئهم العد، وما أحسب سيرة ولا شخصية قد أخذت من عناية الكتاب والأدباء والمؤرخين في الشرق والغرب مثل ما أخذت تلك السيرة الحميدة، وهذه الشخصية العظيمة. وعلى الرغم من ذلك فما زال القول فيها جديداً، والبحث عنها طريفاً، والحديث في أسرارها مهما طال وتكرر حلو سائغ كله الروعة والجلال، يهش له القلب، وتهفو نحوه الروح، وترتاح له النفس. . .

وهذان كتابان من وحي الشخصية العظيمة، والسيرة الخالدة أسعدني بهما الحظ ونحن في مطلع الهجرة حيث يحلو الحديث عن الرسول ، ويجب التأسي بسيرته.

أما الأول فكتاب (بطل الأبطال) للأستاذ عبد الرحمن بك عزام، وهو جملة أحاديث تناول فيها المؤلف الفاضل أبرز صفات النبي فتكلم عن شجاعته، ووفائه، وزهده، وقناعته، وتواضعه، وتعبده، وعفوه، وصفحه، وبره، ورحمته، وفصاحته، وبلاغته، وحسن سياسته، وحكمته في تصريف الأمور، ونظام الحرب، ووضع الأساس لحرية الدعوة وحرية العقيدة للأديان السماوية جميعاً، ثم تكلم عن أثر الدعوة المحمدية في النفوس، وصلتها بالقلوب، وكيف فعلت فعلها في الفرد، وشمل سحرها الجماعة، فبدلت الناس غير الناس، والأرض غير الأرض، وما زلنا وما زال العالم في آثار ذلك حتى آخر الدهر.

ولقد أحسن الأستاذ المؤلف كما يقول أستاذنا المراغي إذ تناول السيرة الكريمة من الناحية الخلقية، فإن الناس أحوج ما كانوا في أي عصر من العصور إلى أن يهتدوا بأخلاق محمد، ويقبسوا من نوره. وزاد الأستاذ إحساناً إذ استخلص هذه السيرة الكريمة من الحادثات والوقائع الصحيحة في التاريخ، فلم يرسل القول دعاوى يعوزها البرهان، ويلتمس لها الدليل، بل قرن الرأي بالحجة، وثبت القول بالواقعة، واستدل للحديث بالرواية الصادقة

وإذا كان الشاعر لا يفهمه إلا شاعر كما يقولون، فالرجل لا يقدره إلا رجل كذلك، والأستاذ عزام بك رجل من أهل الجلاد والجهاد، والرأي والعزيمة، وانه ليكبر ذلك في شخصية محمد صلوات الله عليه، ويتخذه مثلاً أعلى للبطولة والرجولة، فلما وقف بقبره أخذ مأسوراً - كما يقول - بهذه البطولة، وتملكه روح لا يزال يشرق من غيابة الماضي، هو روح سيد الرجال، وبطل الأبطال، وبهذه العقيدة تحدث الأستاذ الفاضل عن النبي الكريم، فجاء كتابه صفحة مشرقة بالإعجاب والإشادة ببطولة محمد ورجولته، وما ينقصها إلا الإفاضة والاستيعاب بما يكافئ عظمة السيرة الخالدة، والأستاذ يعترف بذلك ويرجو أن تسعفه الفرصة فيفيض ويستوعب وإنا لمنتظرون.

- 2 -

أما الكتاب الثاني فكتاب: (صور إسلامية) للأديب عبد الحميد المشهدي، وهو - كما يقول المؤلف الفاضل - أفق من آفاق الحياة المحمدية، وصورها الكثيرة، مازج الحقيقة فيها الخيال، وخالط فيها الفن التاريخ، دون أن يعدو على حقائقه، أو يستر الخيال جمال الحقيقة الرائع، وجلالها الواقع.

قال المؤلف: فما أجريت على لسان الرسول ما لم يقله، ولا أخضعت اتجاه التاريخ من أجل طبيعة الأسلوب، وإنما حاولت بقدر المستطاع أن أخضع الفن ليكون في خدمة الحق والتاريخ لتبدو السيرة المحمدية في جمالها الشفاف، وفتنتها الأخاذة وأسرارها الاجتماعية، وسياستها الخالدة. وليس القصد من هذا كله إلا أن أستخرج معين السيرة من تحت جلامد التعابير الخشنة والعنعنات المملة، وكثرة الروايات الطامرة للحقائق، وأن أنظمها أسلوباً قصصياً سهلاً ليستطيع الناس أن يستوعبوا نواحي الصورة التطبيقية للشريعة الإسلامية التي جاء بها القرآن، وفصلتها سيرة سيد الأنام!

والواقع أن المؤلف الفاضل قد وفق في غرضه، واستطاع أن يصل إلى غايته في تجلية السيرة على هذا النمط الذي شرحه، وإنه لنمط قويم، ونهج قريب إلى النفوس والأرواح. وما أستطيع أن آخذ عليه في ذلك إلا بعض هفوات في الأسلوب، والتهويل في التصوير، والخروج في بعض المواقف عن حدود الحياة الإسلامية كما وصفها التاريخ. وإنك لتقرأ في صدر الجزء الثاني من كتابه حديثه عن تحرش قريش بالنبي وأصحابه، فكأنك تقرأ وصفاً لمظاهرة تسير في شوارع القاهرة هاتفة صاخبة. ولعل مرد هذا إلى ما عرف عن المؤلف الفاضل من ثورة الشباب، وإنها لثورة جامحة تتمثل لك في كتابه، بقدر ما تتمثل لك رزانة الأستاذ عزام في كتابه

وكتاب (صور إسلامية) يقع في جزئين، انتهى بهما المؤلف في الحديث عن السيرة إلى بيعة العقبة وإسلام عمرو بن الجموح من سادات يثرب، وقد وعد بالجزء الثالث عن قريب، وإنا لنرجو له التوفيق حتى يصل إلى الغاية، وينتهي إلى النهاية.

محمد فهمي عبد اللطيف