مجلة الرسالة/العدد 299/المسلمون والإسلام

مجلة الرسالة/العدد 299/المسلمون والإسلام

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 03 - 1939


رسالة الأزهر. . .

دار الرسالة - وبفضل الله - ملتقى مفكري الإسلام العرب وغير العرب، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، يزورونها أول ما يزورون من معاهد الثقافة بالقاهرة، فنتناقل الحديث ونتذاكر الرأي في موقف المسلمين اليوم من قراع المذاهب، وصراع القوى، واهتلاك الدول في التسلح بالعلم والدعاية والعدة، واحتفاز الأمم في التقوى بالتعلم والعمل والإنتاج، فنتبين من وراء الحديث أن الإسلام في غير بلاد العرب خلط عجيب من العقيدة السالفة، والصوفية الزائفة، والأساطير الموروثة، والتفاسير الخاطئة؛ ثم استحال هذا الخلط على تراخي الزمن وانقطاع الصلة واستعجام اللسان إلى مُر قد يعوق عن السعي، ويمنع من النظر، ويصد عن الفكر، ويذهل شاربيه عن حركة الوجود وسير الفلك. فالمسلمون في ألبانيا ويوغسلافيا من بلاد المغرب، وفي الصين وجزائر الهند من بلاد المشرق، يتميزون عن مواطنيهم بزهادة كالبلادة، وجهالة كالموت، وتوكل كالتواكل؛ ويتوهمون أن الإسلام ليس من شأنه الدنيا، وأن المسلم ليس من همه المادة، وأن ما هم فيه من رنق العقيدة وظلام الفكر وخدر الشعور إنما هو روح الدين ورضا الله وطريق الجنة. ثم لا يعدمون أن يجدوا مصدقاً لما يزعمون فيما يقرءون من الأحاديث الموضوعة والأخبار المصنوعة والأقوال الملفقة. فإن من محن الإسلام حين ضعف أهله وزال سلطانه، أن امتزجت به كل نحلة، وسرت إليه كل علة، وتراءت فيه كل حالة؛ فكل امرئ واجد فيه ما يلائم استعداده ويناسب فهمه. وإذا كان حاصلاً بين العرب وهم أصحاب الدين وأهل اللغة، فما ظنك بغيرهم ممن بلغتهم الدعوة مترجمة عن طريق الفرس أو عن طريق الترك بالتجارة أو بالفتح؟

لقد عصفت بالعالم كله عواصف هوج من السياسة والاقتصاد فلم تدع

فيه ساكناً إلا حركته، ولا بالياً إلا جرفته؛ وكان لابد للعالم الإسلامي

أن يهب على دوي هذه الزعازع، فنهض شبابه يستعدون بعدة الناس،

ويتجهزون بجهاز العصر؛ ولكن شيوخه الوانين أخذوا يعوقونهم ع الأهبة والسعي بكلام ينسبونه إلى الله والله منه برئ. ثم كان من أثر

تلك الهبة العامة وهذه الحالة الخاصة أن نفر من كل قطر من أقطار

الأرض طائفة من شباب الإسلام إلى مصر ليتفقهوا في الدين ويتضلعوا

من اللغة وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، فيكونوا شهادة صادقة لحقيقة

الإسلام، وقدوة صالحة لنهضة أهله.

ومصر اليوم وقبل اليوم هي بفضل الأزهر موئل اللغة ومعقل الدين ومشرق الهداية. والأزهر على الرغم مما يؤخذ عليه هو بفضل ما مكن الله له في التاريخ، وهيأ له من الموضع، وأتاح له من المال، أقدر على تبليغ الرسالة العظمى، وتوجيه الأمة الكبرى، وتصحيح العقيدة العليا، إذا صدق رجاله الجهاد، وأخلصوا النية، وأحسنوا العمل، وذكروا أنهم جنود الله يرمي بهم العدو في كل وقت وفي كل أرض وفي أي صورة، فيعيشون للموت كالجند، ويعملون للحياة كالقادة، ويعزفون عن الدنيا كالرسل. والإمام المراغي هو في رأينا خير من يضطلع بما يفهم المثقفون من رسالة الأزهر إذا لم ينله ما نال الأستاذ محمد عبده من اضطراب الريح حول مصباحه، وانبثاث العوائق الخازلة أمام إصلاحه؛ فإنه من أفهم الناس لمعنى الدين وروح العصر ومقتضى الحال.

ورسالة الأزهر التي يريدها الله ويرجوها الناس هي:

1 - تنقية الإسلام من العقائد الواغلة والمذاهب الباطلة والعادات الدخيلة. وسبيل ذلك أن يفسر القرآن على هدى الرواية الصحيحة، وفي ضوء العلم الحديث، تفسيراً يجمع بين ما صح من أقوال السلف، وما صلح من آراء الخلف؛ ثم يؤلف في الحديث كتاب جامع لما لا ريب فيه من الكتب الصحاح، ويستعان على شرحه وتبويبه بعلوم التاريخ والاجتماع والأخلاق والفلسفة؛ ثم يصنف في الفقه كتاب شامل على المذاهب الصحيحة يوضع متنه مواد كالقانون، ثم يشرح شرحاً فنيا يستوعب أصوله، ويستقصي فروعه، في غير حشو ولا استطراد ولا تعمية. ثم تكون هذه الكتب الثلاثة المطولة مادة الدراسة ومرجع القضاء ومصدر الفتوى؛ فتقرر في الأزهر، وتنشر في الجمهور، وتترجم إلى أكثر لغات الشرق وأشهر لغات الغرب؛ ثم ترسل إلى كل بلد يعرف الإسلام أو يريد أن يعرفه. أما ما عدا ذلك من الكتب، فما كان صحيحاً بقى في المكاتب بقاء الآثار في المتاحف، يرجع إليه الأخصائي والمؤرخ؛ وما كان زائفاً صنع به ما صنع عثمان بكل مصحف غير مصحفه

2 - إعداد الوعاظ والدعاة من أهل اللسن والخلق والورع، وإمدادهم بالثقافة الحديثة واللغات الحية، وإيفادهم إلى الأمم الإسلامية البعيدة عن مهبط الوحي وموطن العروبة. ويدخل في ذلك العناية اليقظة بالبعثات الإسلامية في الأزهر، فإنهم أقدر من غيرهم على إرشاد قومهم باللغة والقدوة والنفوذ

3 - جعل اللغة العربية لغة المسلمين كافة، فيكون لكل مسلم في الأرض لغتان: لغة لوطنه الأصغر، ولغة لوطنه الأكبر. والوسيلة أن تحمل المشيخة أقطاب الرأي في البلاد الإسلامية، بالمفاوضة أو بالائتمار، على أن يجعلوا تعلم اللغة العربية والتكلم بها إجبارياً في مراحل التعليم المختلفة، وأن تتكفل بإرسال المعلمين من المتخصصين في الأزهر، فإن في شيوع العربية بين المسلمين تمكيناً لفهم الدين وتثبيتاً لمعنى الأخوة

ذلك ما يجب أن يقوم به الأزهر؛ وذلك ما يضمن للإسلام الجدة، ويكفل للمسلمين الوحدة، ويجعل للرأي المحمدي سلطاناً يخشى في الحرب ويرجى في السلام

احمد حسين الزيات

-