مجلة الرسالة/العدد 3/بين السوامر والصحف

مجلة الرسالة/العدد 3/بين السوامر والصحف

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 02 - 1933


الرسالة وقراؤها:

خرجت الرسالة إلى قرائها على الحال التي سمحت بها صعوبة البدء وأثالة العمل. فاستقبلوها إستقبالا ما وقع في الظن ولا تعلق به الأمل. ولا يزال البريد يحمل إلينا كل يوم رسائل الأصدقاء والقراء تفيض بحسن الظن، وجمال العطف، وكرم التعضيد، ومحض النصيحة. ومن هذه الرسائل الكريمة ما يستحق النشر لدقة ملاحظاته، أو رقة أدبه. أو سداد رأيه؛ ولكن دورانه على الثناء والتقريظيجعل في نشره إتهاما لخلق الرسالة.

وقلما تجد أنبل عاطفة من رجل يعنى بعملك لذاته، ثم يحمِّل نفسه ووقته لجهد الكتابة إليك صفحات في تأييده وقدره، ثم لا يريد بعد ذلك أن يبوح لك باسمه!!

فإلى هؤلاء تتقدم الرسالة بموفور الشكر على ما يرجون لها من خير، وما ينيطون بها من ثقة، وتسأل الله أن يؤكد بها أسباب التوفيق حتى تتحقق الظنون وتصدق الأماني.

آراء القراء:

من الكرام الكاتبين من يطلب إلى الرسالة المزيد في التعمق والإفاضة، ومن يرغب في شيء من الفكاهة والبساطة، ورأي الأولين أن تقصر على أدب الخاصة، ورأي الآخرين أن تستدرج ذوق العامة، والرسالة ترجو أن توفق بين الرأيين، بأن تتخذ طريقها بين بين، ثم تنشر الحين بعد الحين أعداداً خاصة بما تجمع لديها من البحوث المستفيضة والدراسات العميقة والقصص الضافية.

لأشاغيل طرآنة:

للأستاذ محمد بك مسعود أثر جميل على الثقافة العامة منذ

زمن طويل. وعهد القراء بأسلوبه سائغ المورد مأنوس اللفظ

فيما نشر من صحف وألف من كتب. ولكنه منذ توفر محاكاة

الأستاذ وحيد في تحقيق اللغة. ومباراة شيخ العروبة تمحيص التاريخ، بدت على أسلوبه الصحيح أعراض الغرابة

التي تلا زم اللغويين، والإعتداد الذي يساور العلماء.

ولا نحب أن نعرض لهذه الروح المنبثة في المنظارة (الطرطوشية) وأمثالها. فإنها بين عالمين جليلين لا يجهلان أن المن يفسد العلم، وأن شهوة التغلب تظلم الحقيقة، إنما نرغب إلى الأستاذ مسعود أن يوافقنا على أن حياة اللغة في أحياء اللفظ الذي لا نظير له في مألوف الكلام، أما استبدال صيغة مهجورة بصيغة مشهورة كاستعمال أشاغيل بدل شواغل، وطرآنية بدل طارئة، وصروح مكان صراحة، وقدور في موضع قدرة، ومشيوخاء بدلاً من شيوخ، فأحياء شر من الموت، وبيان أغمض من العي!!

التجديد والتقليد:

صديقنا الهراوي على تجديده ينكر التجديد، ويزعم إن كلمتي قديم وجديد ينقصهما التحديد، وكنت أحب أن أكون في جانبه حين قرأ في الأهرام (نفثات شاعر) لصديقه وزميله الأستاذ نسيم، إذن لأخذت إعترافه بأن في الشعر جديداً وقديماً، وأن الحطيئة قد يسمى عبد المطلب وقد يسمى نسيماً: وإلا فإلى من كان ينسب هذا الشعر لو لم ينشر تحته أسم صاحبه؟

وما زعزعتني الحادثان كشامخ ... رسا بهضاب فوقه واكام

وللدهر مرنان رددت سهامها ... وقابلتها من حعبتي بسهام

فقدت صديقي اللذين تبوآ ... من الشعر أعلى ذروة وسنام

وأصبحت في جيل نبا بي ودهم ... وساء ثوابي بينهم ومقامي

وليس لهم غيري إذا جد جدهم ... وخطب الرزايا حولهم مترام

ولو شئت كانت لي زعامة شعرهم ... وكنت لمن يأتم خير إمام

شوارد تزري بالحطيئة هاجيا ... وتعي جريرا في مديح هشام

له الحمد ثم الحمد ما ذر شارق ... وما در غيم بارق برهام

وما ذرعت بطحاء مكة أينق ... تحن بأرزام لها وبغام

وما شدت إلا كوار فوق متونها ... وقيدت بشزر محصد وزمام

وبعد فأن الشاعر الذي يجعل للشعر جبلا وجملا ويتخيل الهضاب والآكام والجعاب والسهام والأرزام والبغام، ويذكر بطحاء مكة وأكوار النوق وهو في رياض الجزيرة وعلى ضفاف النيل، ويزعم أنه موئل قومه وليس من الزعامة في كثير ولا قليل؛ لا يسوغ في العدل الأدبي أن يقيد على حساب هذا الجيل: إن تعدد الأساليب في العصر الواحد أثر طبيعي لاختلاف العوامل المؤثرة في كل شاعر؛ ولكن الأسلوب الذي لا ينسجم مع أمور الحياة؛ ولا يتصل بشعور الأحياء، لا يدخل في هذه الأساليب، ولا يدل وجوده على شاعر ولا أديب.

الشبان والشيب:

كتب الأستاذ إبراهيم المصري فصلا قيما في البلاغ عن (أدباء الشباب وأدباء الجيل الماضي) نعى فيها على هؤلاء إستئثارهم بالمجد وإحتكارهم للشهرة وإنكارهم في سبيل ذلك جهود الشباب. وخشى أن يكون ذلك الأئتمار المضمر بالأدب الشاب تخوفا من انهزام أدب أنتشر لخلوالميدان، وأشتهر بطول الإعلان، فلا يجلد بطبعه للتنافس والنقد. وقال أن شيوخ الكتاب في الغرب لإخلاصهم لرساتهم الأدبية وثقتهم بملكاتهم الفنية، يسددون خطى النبوغ الناشئ، ويرفعون ذكر الشباب الموهوب، ويمهدون السبيل لخلافة الجيل الحاضر، ثم يهيب بالعزائم الفتية أن تعلن الحرب المشروعة على هؤلاء القادة الذين كسبوا هذه العناوين من غير جهد، ونالوا هذه النياشين من غير حرب.

والرسالة تقر الأستاذ المصري على رأيه وترى من الجناية على الأدب أن تطغى أثرة الكهول على هذا الطموح. وأن تكون الهيمنة على الصحافة وسيلة لكبت هذا الروح، وتعلن أنها بطبيعتها ومبدئها أن تكون ملتقى الوئام بين الجيلين، وسفير السلام بين الفريقين.

العراق ومجمع اللغة العربية:

ينام صديقانا الحصري والزهاوي ملء الجفون في قصريهما المتقابلين على طريق الأعظمية ولا يعلمان أنهما أقضا مضجع وزارة المعارف المصرية ليلة: فقد روت الصحف المحلية أن الأستاذين الكبيرين جميل صدقي الزهاوي وساطع بك الحصري رفضا ترشيحهما لعضوية المراسلة للمجمع وجرى في خلال ذلك ذكر لجنة التأليف والترجمة، فظنت السياسة أن هذا الترشيح كان إقتراحاً من لجنة التأليف والترجمة التابعة للمجمع، وإذن يكون هذا الرفض تسفيها للوزارة من جهة، ودليلا على إعراض البلاد العربية للمجمع من جهة أخرى. فأخذ الوزارة من مقال السياسة المقيم المقعد، وأصدرت بلاغا رسميا تكذب فيه أن يكون منها عرض، ومن الأديبين رفض. ووجه الوفاق بين المعارف والسياسة أن لجنة التأليف والترجمة هذه ليست تابعة للمعارف المصرية وإنما هي لجنة من لجان المعارف العراقية، تنظر في تأليف الكتب العربية ونقل المؤلفات الغربية. أما كيف دخل في اختصاصها ترشيح الأعضاء، فذلك أمر تسأل عنه وزارة (الزوراء).