مجلة الرسالة/العدد 3/نفسية قطة

مجلة الرسالة/العدد 3/نفسية قطة

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 02 - 1933



للكاتب الفرنسي تيوفيل جوتييه

نقلها عن الإنجليزي الأستاذ أحمد أمين

قطتي بيضاء الصدر، قرنفلية الأنف. زرقاء العين، تعيش معي على خير ما يكون الصديق لصديقه. إن نمت نامت تحت قدمي. وأن جلست على كرسي أكتب جلست هي علي متكئة تحلم، وإذا مشيت في الحديقة تتبعني وإذا أكلت زاحمتني، فحالت (أحياناً) بيني وبين لقمتي. أستودعني ذات يوم صديق لي ببغاء أخضر ريثما يعود من سفره. فأستوحش من منزلي، وشعر أنه غريب، فتسلق القفص حتى أعلاه، ثم جثم ساكتاً مرتعداً.

وكانت قطتي لم تر ببغاء قط، فكان مخلوقاً جديداً أمام عينيها، أدهشها منظره فكانت أشبه بقطة محنطة من آثار الفراعنة، وأستغرقت في التأمل كأنها تستعيد في ذاكرتها كل ما درسته من التاريخ الطبيعي على سطح الدار وفي حديقة المنزل؛ وكان ما يدور بفكرها يتجلى في نظراتها حتى لأستطيع أن أتبين من عينيها خلاصة أفكارها كما لو كانت تعبر بقول بليغ ومنطق فصيح. كانت كأنها تقول: (ليس هذا المخلوق دجاجة خضراء) ولما بلغت من درسها هذه النتيجة تركت المائدة حيث كانت ترصد الببغاء وربضت في ركن من أركان الحجرة مبسوطة الذراعين مطرقة الرأس ممطوطة الظهر، كأنها نمر يتربص غزالا ورد الغدير.

كان الببغاء يتتبع حركاتها في اضطراب، وقد نفش ريشه ورفع ساقه المرتعشةوسن منقاره على إنائه الذي يأكل فيه، وهدته غريزته إلى أن هناك عدواً يدبر الكيد له.

ثم أخذت القطة تسدد إلى الببغاء نظرات حادة وهو ينظر إليها فاهما حق الفهم ما يجول بخاطرها. فكأنها كانت تقول (لا بد أن تكون هذه الدجاجة لذيذة الطعم على الرغم من أنها خضراء).

وكنت أرقب هذا المنظر باهتمام موطناً نفسي أن أتدخل عند الحاجة.

ثم دنت القطة من الببغاء وأنفها القرنفلي يرتعد، وعيناها تضيقان، وأظافرها تنقبض وتنبسط، وعمودها الفقري يرتفع وينخفض، وأخذت تمني نفسها قرب الحصول على طعم لذيذ، كما يمني الشره نفسه إذا دعي إلى مائدة صفت عليها ألوان الطعام الشهي.

ثم انحنى ظهرها فجأة كما تحنى القوس في يد الرامي، ووثبت وثبة فإذا هي بجانب القفص. فأيقن الببغاء بما هو فيه من خطر وقال بصوت خافت رزين: (هل أفطرت يا جيمس؟) وهي كلمة تعوّد الببغاء أن يقولها كما علمه سيده. فأخذ القطة من الرعب مالا يوصف؛ فلو أن طبولاً دقت وصحافا كسرت، وطلقات نارية دوت، ما روعت القطة كما روعت من هذه الكلمة! إرتدت إذ ذاك إلى الوراء وعلى وجهها أنها غيرت كل آرائها في هذا الطائر، وكان يخيل إلى من ينظر إليها أنها تقول: (ما هذا طائراً. إن هذا إلا إنسان صغير).

هب الببغاء يغني بصوت عال، لأنه تحقق أن كلامه خير وسيلة يدفع بها عن نفسه.

نظرت القطة ألي نظرة أستفهام فلم يقنعها جوابي. فخبأت نفسها في فراشي ولم تتحرك طيلة يومها.

وفي اليوم التالي عاودتها شجاعتها فعاودت الكرة على الببغاء ولكنها لاقت في يومها ما لاقت في أمسها، فاعترفت بهزيمتهاوقررت أن تعامل هذا الطائر باحترام كما تعامل الإنسان.