مجلة الرسالة/العدد 301/أطفال الشمس

مجلة الرسالة/العدد 301/أطفال الشمس

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 04 - 1939



للأستاذ قدري حافظ طوقان

لاحظ العلماء أن هناك شقة واسعة بين المريخ والمشتري وقالوا: من المحتمل أن يكون فيها سيار يدور حول الشمس، وقد حاولوا أن يكشفوه وأن يعرفوا شيئاً عنه عن طريق الرصد فلم يوفقوا إلى ذلك. وفي بداية القرن التاسع عشر للميلاد كشف بعض الفلكيين أجراماً صغيرة أطلقوا عليها (النجيمات) أو (الكويكبات) عرفوا منها ما يزيد على الألفين، وقد أطلقنا عليها (أطفال الشمس) لأنها صغيرة جداً بالنسبة للسيارات. وقد ظن كثيرون أن هذه الكويكبات دليل الخلل والفوضى في النظام الشمسي، وأن السيارات ستتقلص وتصبح صغيرة يجري عليها ما يجري على تلك الكويكبات التي بدورها ستؤول إلى شهب ونيازك، وعلى هذا قالوا: إن بداية الكون في الدم ونهايته في الشهب والنيازك

ولسنا بحاجة إلى القول بأن هذه الآراء لا تستند إلى علم أو دراسة بل هي مجرد تخمين لا أكثر، وقد اثبت البحث العلمي بطلانها وعدم صحتها، وتحقق لدى الفلكيين والطبيعيين أن لا خلل ولا فوضى في الكون، وأن ما يسيطر على أصغر موجوداته يسيطر على أكبرها، وأن الإنسان كلما تقدم في وسائل الرصد وتفتحت أمامه المغلقات تجلى له أن الكون بأجزائه المختلفة المتعددة لا يتعدى دائرة من القوانين والنواميس لا يتطرق إليها خلل أو فوضى! وأن ما يظهر للإنسان شذوذاً دليل على أنه لا يزال عند عتبة اليقظة العقلية، وقد عجز عن إدراك كنه هذا الشذوذ وحقيقته

إن من يحاول الوقوف على عجائب الكون ويسعى لتفهم ما يجري فيه من مدهشات وغرائب ويعمل على الإحاطة بالقوى الطبيعية المتحكمة فيه يتبّين له أن ما ظنه شذوذاً وفوضى هو في الواقع اطّرادٌ ونظام. . .

والآن. . . ما هي هذه الأطفال؟. . . وما خصائصها؟. . . وما مقامها في النظام الشمسي؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه بإيجاز

تسير هذه الكويكبات أو الأطفال حول الشمس في نفس الاتجاه الذي تسير به الكواكب السيارة، وقد حسب العلماء سعة أفلاكها وأقطارها، ووقفوا على كثير من خصائصها فوجدوا أن أكبرها (سيرس) وقطره لا يزيد على (480) ميلاً، ويليه (بالاس) الذي يبلغ قطره (306) من الأميال، ثم (فِسْتا) ويقدر قطره بِ (241) ميلاً. وهناك من الكويكبات ما لا تزيد أقطارها على ميلين، ويتراوح زمن دورانها حول الشمس بين 1. 76 و 13. 7 من السنين، أي أن طول السنة عليها يختلف؛ فبينما سنة أقرب كويكب (سيرس) تعدل 1. 76 سنة من سنينا نجد أن سنة أبعدها (هيدالاكو) تعدل 13. 7 من السنوات

أما أيامها فقصيرة جداً حسب الفلكيون أطوالها فوجدوا أن يوم (إيرس) لا يتجاوز ست ساعات و 12 دقيقة، ويوم (أونوميا) لا يزيد على ثلاث ساعات ودقيقتين، ويوم (سيرمنا) يبلغ تسع ساعات وأربعين دقيقة. وهناك مجموعة من ستة كويكبات تسير وتتحرك بطريقة غريبة بحيث تكوّن مع الشمس والمشتري مثلثاً متساوي الأضلاع. والكويكبات صغيرة جداً حسب الرياضيون أوزانها كلها (المعروف منها) فتبيّن لهم أن الوزن الكلي لا يزيد على جزء واحد من ألف جزء من وزن الأرض. وتدل الحسابات وحركات الكواكب في أفلاكها أنه لا يمكن أن يزيد المجموع الكلي للكويكبات - ما كشف منها وما لم يكشف - على جزء واحد من خمسمائة جزء من وزن الأرض؛ ولو كان الوزن أكثر من ذلك لحدث اضطراب في فلك المريخ ولما التزم طريقه الحالية ولأقصى عنها بعض الإقصاء

ولقد كشف العالم الألماني (وِتْ) في أواخر القرن التاسع عشر للميلاد كويكباً صغيراً اسمه (إيروس) يقع فلكه ضمن فلك المريخ وفي بعض الأحيان يتخطاه، ويبلغ قطره خمسة عشر ميلاً ويتم دورته حول الشمس في سنة وتسعة أشهر، طول يومه خمس ساعات وست عشرة دقيقة. وهذا الكويكب يدنوا أحياناً من الأرض حتى يصير على بعد (13840000) ميل، ولقد ساعد هذا القرب الفلكيين على رصده واستطاعوا من ذلك حساب بُعد الشمس عن الأرض وكتلة الأرض بدقة متناهية. واختلف الفلكيون في منشأ هذه الكويكبات فمنهم من ذهب إلى أنها تناثرت من صدام كوكبين، ومنهم من قال بأن سياراً حلّ به القضاء أي التمزيق والتناثر عندما اقترب قليلاً من المشتري، والحقيقة أن العلم لم يصل في هذه النقطة إلى درجة يرضى عنها العلماء ويطمئنون إليها. وقد تبدو هذه الكويكبات لا أهمية لها في علم الفلك، فهي لا أكثر من أجسام صغيرة جداً تسير حول الشمس، ولكنها في الواقع ذات قيمة وشأن في بحوث الفلك الرياضي، فمن حركاتها واقتراب بعضها من الأرض ومن دراسة تأثير المريخ على البعض الآخر من هذه جميعاً وغيرها تتكون لدى الفلكي مادة يمكن بها تحقيق بعض القياسات المتعلقة بالأرض والشمس كما تتكون لدى الرياضي مسائل طريفة في حلها شحذ للعقول ومتعة للأذهان.

(نابلس)

قدري حافظ طوقان