مجلة الرسالة/العدد 306/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 306/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 05 - 1939


1 - على هامش محاضرة حافظ عفيفي باشا

كلام حق ومنطق سديد؛ وآراء في التربية والتعليم يندر أن نسمعها في هذا البلد، لأن الجرأة فيه متقاعدة والصوت المخالف يرق فجأة حين يجب الصراخ.

سرد حافظ عفيفي باشا محاضراته (الجامعة الأمريكية 28 أبريل سنة 1939) عيوب التعليم في مصر، فأخذ فيما أخذ على الشباب انصرافهم إلى السياسة عن التحصيل، وقعودهم عن مواصلة الدرس والاطلاع بعد نيل الشهادة، وشغفهم بالتوظف وقلة (ثقافتهم المعنوية)، وفي رأي المحاضر أنه لابد من إصلاح نظم التعليم. وفي رأيه أن أساس الإصلاح إنما هو إعداد المدرس الصالح.

وما أظن أحداً من أهل الفطنة والدراية يخالف حافظ عفيفي باشا في تلك الآراء، بل أعرف نفراً من المفكرين المصريين يرونها، إلا أن قصة المدرس الصالح والمربي العارف لا تتم على الوجه المرضي ما دام أمر التدريس والتربية في أيدي (أولئك الموظفين المخضرمين الذين نشأهم المستشار دنلوب على آلية التعليم حتى صارت فيهم عقيدة، وأخذهم بـ (روتين) (أي بجمود) النظام حتى أصبح لهم فطرة. . .) كما قال الأستاذ أحمد حسن الزيات في العدد السابق من الرسالة.

اطلبوا الشباب وانظروا إلى الدول الناشطة: إلى ألمانيا وإيطاليا وأمريكة الشمالية. أما سئمتم الخدر والنعاس؟!

2 - حماية نفائس دار الآثار العربية

في الرسالة رقم 304 أخبرتك بأن المسيو فييت، وهو مدير دار الآثار العربية في مصر أقبل على الإرسال بثمانمائة قطعة من نفائس الدار إلى باريس لتمد معرض الفن الإسلامي المزمع إقامته هنالك، وزدت أن وزارة المعارف وقفت دون ذلك.

ومما اتصل بي أن المسيو فييت لا يزال يسعى في إخراج تلك النفائس من الدار. وقد بينت في المقال السابق الأسباب التي من أجلها يمتنع خروجها امتناعاً. وحسب وزارة المعارف أن تتمسك بقانون دار الآثار. وحسبها أن تسأل المتحف المصري هل يأذن في خروج محفوظاته كلما قام معرض في بلد من البلدان. ولا أحب أن أعود إلى التبيين والتدليل، لعلمي أن أصحاب الأمر في وزارة المعارف يغضبون لخروج تلك النفائس غضبي لذلك، وأنهم يغارون عليها وبها يعتزون. أعلم هذا، لذلك أسألهم أن يأمروا بإعادة القطع إلى الحيطان؛ إذ بعضها لا يزال في الصناديق المجهزة للرحيل، وبعضها مطروح على الأرض ينتظر أن يفصل في أمره. رحم الله الفن. . .!

هذا وما فاتني أن أذكره لك في المقال السابق أن طائفة من نفائس دار الآثار العربية ليست مما تملكه الدار. بل هي مودعة لديها من جانب وزارة الأوقاف. وإني أعلم أيضا أن على رأس وزارة الأوقاف من يكره أن يتجوز في مثل هذا.

3 - الاعتراف بجلال الفلسفة العربية

في المجلة الفرنسية في مرسيلية (عدد فبراير سنة 1939ص185 - 189) أن الأب هكتور أساتذة المعهد الكاثوليكي في باريس ألقى محاضرات في الفلسفة العربية واليهودية للعصور الوسطى؛ ومما قاله:

(إن العرب في ذلك العهد يسبقون اللاتين بمئات من السنين؛ ومذاهبهم تنشأ وتتحول على خلاف المذهب المسيحي. بل لنا أن نتحدث عن غلبات الإسلام المعنوية للفكر اللاتيني. فإن العرب الأرسطوطاليين فتحوا الأذهان فتحاً بالرغم من الحروب الصليبية (يعني ما وراءها من الكراهية والبغض) فانبثت كتبهم فيما يلي ديارهم، فهزوا بذلك من عقولنا الراكدة وفرضوا الفكر اليوناني على اللاتين بعد أن صفوه وذهبوا به حتى الشطط.

وهكذا ترى أرسطو المعرب أو قل العرب الأرسطوطاليين يعينون على تفسير العقيدة المسيحية. . . وأنه ينبغي لنا أن نصحح نظراتنا التاريخية (يعني الاعتراف بتأثير العرب في التفكير المسيحي).

(وما أقرب الفلسفة العربي من الإنساني! والدليل أن أصولها تجاوز مبادئ الإسلام والمسيحية لتصير إلى الفلسفة بمعناها الأعم. وفي هذه الفلسفة من الجلال ما جعل شراح العقيدة المسيحية يقعون تحت سليطانها. . إنما العرب أساتذة المدرسة الكبرى للفلسفة!).

4 - والمخرج الآخر؟

في الرسالة رقم 305 عجبت كيف رفضت شركة مصر للتمثيل والسينما تجديد عقد الأستاذ نيازي مصطفى المخرج الحاذق. وقد فطن صاحب الأمر الأعلى لتلك الشركة أن استبعاد الأستاذ نيازي ليس من الحكمة في شيء، فما أبطأ أن أمر بتجديد العقد وإذا الشيء بالشيء ذكر فهل نسأل من بأيديهم أمر الفرقة القومية: متى ييسر للأستاذ زكي طليمات أن يسترد عمله، وهو المخرج المصري، بل المخرج الوافر الخبرة الكثير الفن؟

حتام يستبعد أهل الكفابة في هذا البلد إذا بدت منهم الدراية؟

بشير فارس

إحياء ذكرى عبده الحامولي

عقد معالي الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف اجتماعاً للنظر في وضع برنامج للاحتفال بذكرى الفنان المرحوم (عبده الحامولي). وقد شهد هذا الاجتماع معالي مصطفى عبد الرزاق بك ومعالي جعفر والي باشا وخليل مطران بك ومصطفى بك رضا والأستاذ محمد عبد الوهاب والأستاذ زكريا أحمد وغيرهم من رجال الفن والأدب.

وقد بدأ معالي الوزير الاجتماع بإشارته إلى ما في إحياء ذكرى العظماء من تربية الشعب على الطموح، وتذوق نواحي العظمة في الغابرين من رجاله، فضلاً عما في ذلك من توجيه القلوب إلى تقدير الفن ومحبته.

وقد استقر الرأي على تأليف لجنتين فرعيتين إحداهما من الأدباء، والثانية من الموسيقيين، لدراسة النواحي الأدبية والفنية في حياة (عبده الحامولي) وعصره ثم وضع برنامج للاحتفال بذكراه.

ثم ختم معالي الوزير الاجتماع بقوله: إن وزارة المعارف ستقوم في مناسبات مختلفة بإحياء ذكرى العظماء الذين مروا في تاريخ مصر في مائة السنة الأخيرة.

المكتب الفني في وزارة المعارف

تفكر وزارة المعارف في إنشاء مكتب فني يضم طائفة ممتازة من أدباء المدرسين، ليكون صلة بين وزارة المعارف والأدب الحر، ويكون له الرأي في الكتب العربية التي تختار الوزارة أن تكون في أيدي تلاميذ المدارس. وهي فكرة نافعة تتحقق كثيراً مما دعت إليه الرسالة في مناسبات عدة. على أن النجاح في هذا المشروع مشروط بحسن اختيار الوازرة لأعضاء هذا المكتب، بحيث لا يضم إلا الممتازين حقاً من المدرسين والأدباء؛ وإنهم لكثيرون في وزارة المعارف، ينقصهم حسن الرعاية ليكونوا من عوامل الإصلاح في الأدب الجديد.

كتاب منتقى الأخبار

جاء في كتاب المفصل في تاريخ الأدب العربي للأساتذة المحترمين: أحمد الإسكندري. أحمد أمين. علي الجارم. عبد العزيز البشري. أحمد ضيف. في الصفحة 258 من الجزء الثاني (ترجمة ابن تيمية هو أحمد بن عبد الحليم ولد بحران سنة 661 هـ وقدم مع والده إلى دمشق وهو صغير. . . إلى أن قال وبلغت مصنفاته ثلاثمائة مجلداً أكثرها في التفسير والفقه والأصول والرد على الفلاسفة والمبتدعة وأشهر هذه الكتب منتقى الأخبار الخ)

وكتاب منتقى الأخبار مشهور متداول معروف بين الناس وهو في أحاديث الأحكام ونسبته لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية المشهور بتقي الدين شيخ الإسلام خطأ عظيم ولا سيما من مثل رجال هم من أعلام العلم والأدب في هذا العصر. وإني مع احترامي لمقامهم لا أرضى لهم هذا؛ ولو أنه صدر عن أناس لا شأن لهم لما نبهت عليه ولما أبهت له، وكتاب المفصل متداول بين الطلبة وغيرهم فلا يصح أن تبقى غلطة هذه شائعة فيه بدون تنبيه.

أما صاحب منتقى الأخبار فهو الشيخ مجد الدين عبد السلام ابن تمية وهو جد أحمد بن تيمية المشهور المترجم له في كتاب المفصل، وقد شرح كتاب منتقى الأخبار الشوكاني وأسماه نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار وطبع عدة مرات وكذلك منتقى الأخبار طبع منفرداً.

ونبه الشوكاني في أول شرحه على الفرق بين مجد الدين عبد السلام بن تيميه صاحب منتقى الأخبار وبين أحمد بن تيمية المشهور بشيخ الإسلام، فقال في أول كتابه: (وسميت هذا الشرح بنيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار. . . إلى أن قال: وقبل الشروع في شرح كلام المصنف نذكر ترجمته على سبيل الاختصار فنقول: هو الشيخ الإمام علامة عصره المجتهد المطلق أبو البركات مجد الدين عبد السلام المعروف بابن تيمية قال الذهبي في النبلاء ولد سنة تسعين وخمسمائة تقريباً. . . قال: وقد يلتبس على من لا معرفة له بأحوال الناس صاحب الترجمة بحفيدة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم شيخ ابن القيم الذي له المقالات التي طال بينه وبين أهل عصره فيها الخصام وأخرج من مصر. وليس الأمر كذلك. . . الخ).

هذا كلام العلامة الشوكاني وهو جلى ظاهر لا يحتاج إلى تعليق وقال صاحب كشف الظنون: (المنتقى في الأحكام لمجد الدين ابن تيمية شرحه السراج عمر بن الملتن الشافعي المتوفى سنة 804 ولم يكمله. . . الخ).

إبراهيم يسن القطان

هل تتكرر ما لنفي النفي؟

ذكر ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك أنه يشترط في عمل ما عمل ليس ألا تكون مكررة. فإن تكررت بطل عملها، نحو - ما يزيد قائم - فالأولى نافية، والثانية نفت النفي، فصار الكلام إثباتاً.

وكان على ابن عقيل قبل أن يشترط ذلك الشرط الذي انفرد به أن ينظر: هل تجيز العربية هذا الأسلوب أو لا تجيزه؟ وإني لا أذكر أنه مر على في كلام العرب منظومه ومنشوره مثل ذلك الاستعمال، وإنما يتكرر حرف النفي فيها للتأكيد، مثل قول الشاعر في تكرار ما:

لا يُنسك الأسى تأسياً فما ... ما من حمامٍ أحدٌ معتصما

ومثل قول الآخر في تكرار لا:

لا لا أبوح بحب بثينةَ إنها ... أخذتْ عليّ مواثقاً وعهودا

ولست أدري لم تقول العرب في الإثبات - ما ما زيد قائم - ولا تقول من أول الأمر - زيد قائم - وقد قامت لغتهم على مراعاة الدقة في الأسلوب، بحيث لا يزيدون فيها ولا ينقصون إلا لسبب من الأسباب.

قال بعض طلابي في الدرس: إنه يجوز أن يكون أصل ذلك الأسلوب أن شخصاُ قال (ما زيد قائم) فترد عليه قوله بقولك له (ما ما زيد قائم).

فقلت له: إني إذا رددت عليه بذلك أكون مخطئاً، لأنه حينئذ يكون منكراً لقيام زيد، فيجب أن أرد عليه بكلام مثبت مؤكد، فأقول له (إن زيداً قائم) ولا يصح أن أرد عليه بذلك النفي المتكرر غير المؤكد، وهذا أمر معروف في علم المعاني.

وقال بعض الشيوخ: إن ذلك الأسلوب لم يرد مثله عن العرب، ولكنه يصح لنا أن نقوله، وهذا يكفي في تسويغ كلام ابن عقيل فقلت له: إن مثل هذا قد مضى زمنه، ولا يمكن أن يقبله الآن أحد منا، لأن النحو موضوع لكلام العرب لا لكلامنا.

وقد رد أسلوب نفى النفي في لغة العرب على نحو آخر مقبول يدخل فيه الاستفهام الإنكاري على النفي لأجل نفيه، لأن الاستفهام الإنكاري يفيد النفي، ونفى النفي إثبات، وهذا كما في قوله تعالى: (أليس الله بكاف عبده) فهو بمعنى قولنا: - الله كاف عبده - ولكنه يفيد ذلك على أبلغ وجه وأحسن أسلوب. وقد قام الإنكار فيه مقام التأكيد اللازم في الرد على إنكارهم، بل هو أقوى من التأكيد في اقتلاع الإنكار من أنفسهم. ومن ذلك الأسلوب أيضا قول الشاعر:

ألستم خير من الركب المطَايا ... وأندى العالمين بطون راحِ

وقد قيل إنه من أجل هذا كان أمدح بيت قالته العرب، ولا شك أن الفرق كبير بينه وبين ذلك الأسلوب الذي أجازه ابن عقيل، ومع هذا نحب أن نشترك قراءة الرسالة في أمره، فلعل بعضهم يحفظ عن العرب شاهداً له.

عبد المتعال الصعيدي

وفاة السيد عبد الرحمن الإمامي

فجع المغرب الأقصى في الأيام الأخيرة بفجيعة كان لها وقع كبير في نفوس الشعب المغربي ألا وهي موت أحد علمائه الكبار السيد عبد الرحمن القرشي الإمامي في العشرين من المحرم؛ فكانت المصيبة التي ذهل الكل لها. وقد كان الفقيد رحمه الله من الساهرين على المصلحة العامة والمناضلين عنها مضحياً في ذلك بكل نفيس.

تقلب الفقيد في وظائف شتى فكان قاضياً مثل العدل والنزاهة ثم كان وزيراً لم يشهد المغرب قط مثله وزيراً صارماً

وقد قنع الفقيد رحمة الله عليه بما في يديه فانقطع لعبادة الله ونشر العلم تاركاً الدنيا ولم يخلف فيها ديناراً ولا درهماً.

وتقديراً لهذه الحياة العامرة بجلائل الأعمال قامت نخبة ممتازة من شباب جامعة القرويين وأسست لجنة دعت الناس إلى الحفلة تأبين للفقيد في اليوم الأربعين من وفاته، فكان الحفل رائعاً.

ووافق يوم الأربعين يوم الخميس 29 صفر سنة 1358 وكان يوماً مشهوداً تجلت فيه العواطف المغربية حزينة كئيبة. وقد اختارت اللجنة أن يكون محل التأبين الدار التي كان يقطنها الفقيد آخر حياته وقد افتتح الأستاذ احمد الشبيهي الحفلة مرحباً بالحضور، ثم أعقب ذلك آيات من الذكر الحكيم فسكوت مقدار قراءة الفاتحة على روح الفقيد، فمقال الأستاذ الرئيس أتى فيه على حياة القيد بإسهاب، فمقالة لوزير المعارف الأستاذ محمد الحجوي، فقصيدة لقاضي مدينة سكات أحمد سكيرج. فقصيدة لقائد قبائل أولاد جامع محمد بوعشرين، فقصيدة لعيبة سمو الخليفة السلطاني بفاس الأستاذ محمد غريط، فمقال للأستاذ لجامعة القرويين العباس المراني، فمقالة لفتى سلا أبي بكر زنبير، فمقال للكاتب بالبلاط السلطاني العربي ابن سوده، فمقال لعالم مدينة مراكش محمد بن الموقت. فخطب وقصائد كثيرة للنخبة الممتازة من طلبة الجامعة.

(فاس)

اللجنة القروية

حول تشبيه

سأل سائل من كرام العراقيين في الموصل عن وجه الشبه في تشبيه هجرة الأميرة فوزية إلى طهران بهجرة الرسول الكريم إلى المدينة في الصفحة الثالثة من عددنا الهجري الممتاز. وجوابنا أن هجرة الرسول كانت عاقبتها قوة الإسلام وعزة المسلمين ووحدة العرب، وهجرة الأميرة نعتقد أنها قبل كل شئ في سبيل الله وستكون عقابها المؤاخاة بين دولتين من أقوى دول الإسلام فرق بينهما الدار واختلاف اللغة والمذهب؛ وفي هذه المؤاخاة ضمان لحسن الجوارين بين إيران والعراق، وتوفيق لصلات التعاون بين المسلمين والعرب. والتشبيه بعد ذلك كله كما يقول البيانيون إلحاق ناقص لكامل. فلابد أن يكون وجهة الشبه في المشبه به أقوى منه في المشبه ولو ادعاء، وإلا عدل عن التشبيه إلى المشابهة 1. ع.

تصويب

وقع في المقال الأخير للأستاذ الكبير العقاد خطآن مطبعيان نصححهما معتذرين:

في صفحة 889 سطر 22 جمهرة الشعراء والصواب: جمهرة القراء وفي صفحة 897 سطر 26 يقبضون على كل زمان والصواب: على كل زمام.

ذكرى صديق

دار الفلك دورتين منذ أن ضرب القدر بينك وبيننا يا رافعي بحجاب لا نستطيع أن نظهره ولا تستطيع أنت. . . دار الفلك دورتين، والحياة ما تنفك هي الحياة، والناس من حولها فراش يتهافت على بريق من شعاعها يخطف الأبصار، ويصرف القلوب إلا عن نوازع العيش وحب البقاء، وأنا على حيد الطريق أتشوف، وآسى على قلوب رانت عليها ظلماء الحياة فما تبصر، غير قلبي. . غير قلبي وهو قد ضم على هوى لك فيه، هو به ضنين، فلا يكاد ينسى انك أنت يا رافعي. . .

يا عجباً! هذا الدار على قسوتها لذة يهفو نحوها كل قلب؛ وهذه الدنيا على ما فيها من بلاء جميلة تصبو إليها كل نفس؛ وهذه الحياة على ما نجد فيها من عناء جذابة يبسم لها كل إنسان! تلك سنة الخلق.

لو تواريت عنا ليقول فيك التاريخ كلمته، وخلصت إلى نفسك علَّ القلوب تنزع عنها سخائمها؛ ولكن ماذا كان؟

إنه لا يحزنني ألا أجد المنصف البريء، فما الخلد مرتبة تؤخذ عن شفاه الناس؛ وليس يؤلمني أن أرى طائفة من الناس تضطعن عليك وتذهب وتريد أن تنال منك ميتاً بعض ما عجزت عن وأنت حي، فالتاريخ من ورائهم له لسان صدق.

ما الإيمان، وما العقيدة، وما الصبر، وما الدأب، وما النشاط، وما الحزم، وما الجد، وما السمو، وما الكرم، وما الوفاء، وما. . . وما. . .؟ أشياء كنت تعرفها وتدين بها وترى فيه الغاية العظمى والمثل الأعلى. فرحمة الله عليك.

كامل محمود حبيب