مجلة الرسالة/العدد 307/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 307/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 05 - 1939


1 - (مناوأة الخدر والنعاس) - وضع الشيء موضعه

في العدد السابق من الرسالة ختمت التعليق على محاضرة حافظ عفيفي باشا بهذه الجملة: (أما سئمتم الخدر والنعاس؟). وكان غرضي التعريض بقناعة من بأيديهم أمر الثقافة في هذا البلد بـ (الموظفين المخضرمين) مع إهمالهم الشباب القادرين المستنيرين.

وأما (وضع الشيء موضعه) فيدخل تحته كلامي على دار الآثار العربية وعلى استبعاد أهل الكفاية عندنا.

وعلى هذا المحورين سيدور بعض ما أنا كاتب في هذا الباب من الرسالة؛ وذلك بعد استئذان صاحبها وهو ممن يقصد وجه الإصلاح. ولن أطلب فيما أكتب غير الحق فلا أوثر هوىً ولا أخشى غضباً.

2 - فتور الحركة الأدبية في مصر

من غريب الاتفاق أن يصرح الأستاذ توفيق الحكيم في العدد السبق بنُعاس الأدباء إذ يقول: (كل شيء (يعني الكتب والتأليف) يمر في فتور. . . العلة البسيطة، ما من أحد في هذا البلد يبدو عليه التحمس الملتهب لشؤون الفكر والأدب. إن علة الفتور هي الأدباء أنفسهم. . . إنهم يكتبون في الأدب وكأنهم ناعسون. إن أقلامهم لا تثير في جو الفكر حراكاً. وهنا الفرق بين أدبائنا وأدباء أوربا).

إن يكتب الأدباء (كأنهم ناعسون) ذلك لا يقع موقع العلة، بل ذلك مظهر من مظاهر الفتور أو قل مظهره الأسطع. إنما العلة تذهب إلى ما وراء هذا. العلة في انطواء كل واحد من الأدباء على نفسه وتشبثه بأسلوب واحد وتهاونه بالقارئ.

ترى الأديب المصري لا يعنى بما يجري حوله كأنه المؤلف الفرد. على أن الأديب سجلّ عصره إذ يدون مجرى التأليف، وينبه الأذهان إلى كتاب أو منحى أو مذهب أو ظاهرة اجتماعية أو ضيق معنوي. ولربما فطن أديب إلى ذلك فإذا به في غالب الأمر وأكثر الحال ينوه بصديق أو يقع في عدو أو يهمل كتاباً من الكتب جهلاً بفنه أو إنكاراً لنفاسته أو اتقاء لصاحبه أو تسامياً. أما التسامي فيدل على ذهاب بعضهم بأنفسهم على كل أحد وذلك من باب الغرور، وقصة الغرور معروفة. وأما الاتقاء فيدل على ضيق الصدر بالنقد، ومردّ هذ إلى الحداثة في إقبال أمّةٍ على صناعة التأليف. وأما إنكار النفاسة فمرجعه إلى خفة الثقة بالنفس وما ينشأ عن ذلك من خشية المنافسين. وأما الجهل بفن الكتاب فلتشبث الأدباء بأسلوب واحد.

وتشبث الأدباء بأسلوب واحد أن ينجذبوا إلى طريقة من التأليف أو يهيموا بأدب من الآداب، فيقفوا عندهما ظناً منهم أن ما يليهما أو يخرج عنهما لا وزن له.

وأما تهاون الأديب بالقارئ فملمسه في تلك الكتب التي تخرج للناس وإن هي إلا طائفة من (المسترسلات) مجموعة من المقالات اللاحقة بفن الإنشاء (بمعناه المدرسي) فلن يزال الأدب عندنا قاعداً حتى يدرك الأديب أن المقالات الإنشائية لا تسوّى كتاباً: المقالات للجمهور الضخم، وفيه الأستاذ والبقال وفراش الوزارة، والكتاب للقراء. ثم إن المقالات تهبط بذوق القراء إذا كانوا من الغافلين وتفتُّ في نشاطهم إذا كانوا من العارفين. . . الكتاب ينشر ليبقى فيما أعلم، والمقالات لتذهب، على الغالب. وكل ما تعده للبقاء يستلزم الروية والاجتهاد والمراجعة بل الخلق، والخلق لا يواتيك كل يوم.

إني أكره أن أوافق غيري على أن القراء المصريين لا يقبلون سوى أدب التسلية والإنشاء التعليمي. فإني - وان عرفت جناية منهج دنلوب وأعوانه على نشاطهم الذهني - لأعتقد أن فيهم من يرغب عن الشعر الذي لا تهب فيه عاصفة، ولا يصفق موج، وعن النقد الآخذ بالظواهر دون البواطن، وعن القصة المسرودة سرداً، وعن المسرحية الباكية أو المهذِّبة، وعن المقالة العابرة كما يُقال اليوم، وإن قلتَ: أتحرمني سائر القراء؟ قلت: لك ما تشاء، ولكن الأدب لا يحيا على أيدي قارئ يفتح الكتاب ليستعين به على ركوب قطار السكة الحديدية أو على إغماض الجفن إذا كان ممن يشكون الأرق.

هذا ومن مساوئ العلة الأولى - وهي انطواء الأديب على نفسه - أن أدباءنا يعوزهم التماسك المعنوي. فهذان حادثان كريهان وقعا هذه السنة لأديبين؛ فلم يعضد الأول إلا واحد، وأما الثاني فمن نصره؟ أين الغضب للفكر الحر؟ ألا عسى أن يذكر أدباؤنا أن الفرد مستضعف.

كل ذلك يعلل فتور الحركة الأدبية. ومجمل القول أن الكتاب لا يحدث حدثاً إلا في الندرة، إما لإغفال حملة الأقلام له أم لدقة شأنه؛ وأن القارئ الجدَّ لا يكاد يصيب أدباً رفيعاً يلهج به، وأن جمهرة الأدباء لا يضمون أصواتهم بعضها إلى بعض حتى يُحس الناس انهم مستيقظون.

بشر فارس

حفلة تأبين الملك غازي الكبرى في بغداد

كان يوم الأحد 14 مايو من أيام بغداد الغر. وما أكثر الأيام الغرّ في بغداد! وكانت حافلة بوفود العربية من كافة أقطارها. وكان الناس في كل ندىّ وقهوة ومنزل مصغين إلى صناديق الإذاعة التي لم تنقطع منذ الغداة الباكرة إلى ثلث الليل عن بث الخطب والكلمات والقصائد والمقطوعات تتخللها آيات الذكر الحكيم يتلوها المشيخة من قراء بغداد، وعلى رأسهم القارئان الأشهران الحاج محمود عبد الوهاب والمّلا مهدي

أما الحفلة الكبرى التي شدت إليها الرحال، فقد أقيمت في (بهو الأمانة) في منتصف الساعة الرابعة فافتتحها الملا مهدي بتلاوة آيات (وما محمد إلا رسول) وكان موفقاً في اختيارها، ثم أعلن عريف الحفلة الأستاذ السامرائي مدير الدعاية والنشر أن الكلام لفخامة نوري السعيد باشا الذي رحب الضيوف، وتكلم عن العرب في الجاهلية ووصف ما كانوا عليه من تأخر وجهل وما صاروا إليه بعد اتباعهم محمداً من التقدم والعلم، وعرض لوفود العراق على النبي ووصف هذه الوفادة بأنها ابتداء الصلة بين العراق والأسرة الهاشمية. ثم تكلم عن أثر العراق في نشر الإسلام وصلتهم على الأيام بهذه الأسرة الماجدة، وخلص إلى الكلام على الملك حسين وما قام به من أعمال وعلى ابنه وحفيده عليهم رحمة الله. ثم صرح بأن العراق سيواصل العمل في سبيل القضية العربية، وختم كلمته برفع الشكر إلى الأمة العربية الممثلة في وفودها.

ثم قدم العريف دولة لطفي الحفار بك رئيس الوزارة الشامية السابقة الذي ألقى كلمة طيبة بيّن فيها عظم الفاجعة بغازي، وأثر الحسين وأسرته في تاريخ العرب، وذكر بالشكر موقف الملك غازي من الشام شماله وجنوبه؛ وأعلن أن الشام وأهله سيبقون ذاكرين له شاكرين، وصرح بوحدة المشاعر والأماني بين البلدين

ثم قدم سعادة حمد الباسل باشا فألقى كلمة افتتحها بذكر الاتفاق في الموضوع والفكر في الخطب كلها، وأن ذلك يدل على اتفاق العواطف والشعور، ثم تكلم عن ثورة الحسين وعن أسرته إلى أن انتهى إلى غازي وفيصل الثاني (الصغير بنفسه الكبير بأمته) وأثنى على حسن اختيار الوصي وعزى العراق باسم مصر وَرَجَا لَهُ التقدم والمجد

ثم تكلم جمال بك الحسيني مندوب اللجنة العربية باسم فلسطين فبيّن أن الكوارث تنشئ القوة وأن امتحان العراق بالنكبات لم يكسبه إلا قوة وصبراً. ووصف روعة المصاب بغازي وآلام البلاد العربية ولا سيما فلسطين وعمل غازي في سبيلها، وأعلن أنها لن تنسى عمله ولن تحيد عن مبدأ جده الأعظم الرسول المصطفى

ثم ألقى الأستاذ علي الجارم مندوب وزارة المعارف المصرية قصيدة دالية افتتحها بالبكاء على النضار الحرّ (فما أغنى البكاء ولا أجدى)، وعلى النبات الذي ذوى، وجذوة النار التي انطفأت ووصف (لوعة مكلوم الفؤاد) وذكر أنه الدهر (هو الدهر ما بضت بخير يمينه، يجمعنا سهواً (؟) وينثرنا عمداً) وأنه لا يفرق بين ملك وعبد، ووصف المصاب أوصاباً عامة تنطبق على كل مصاب، وتصلح لكل ميت، فهدّ (على عادته في كل رثاء) هدّ العلياء، وأطفأ نور الشمس، وفرق الأنفس، وأبكى الترك والهندا (ولا تنس أن القافية دالية). أما ما يخص به الراحل الكريم ويصفه به، فهو أنا فقدناه ريان الشباب، وأن شمائله تفيض مسكاً وآثاره نداً، وأنه كان حساماً بيد الله فصارت الأرض له غمداً، وذكر اسمه بعد فقال:

يقودهم الغازي إلى خير غاية ... فأكرم به ملكاً وأكرم بهم جندا

كأن غبار السيف في لهواتهم ... سلاف من الفردوس مازجت الشهدا

وجاء في القصيدة أبيات حلوة جيدة، ولكنها على حواشي الموضوع كقوله:

لهم في سجل المجد أول صفحة ... كفاتحة القرآن قد ملئت حمدا

ومن كتب المجد المبين بسيفه ... على جبهة الدنيا فقد كتب الخلدا

ثم خاطب (حمامة وادي الرافدين) وسألها الترفق ودعاها إلى الصبر، وتكلم عن دجلة والنيل وجاء بأبيات حلوة ثم أحس بأنه لم يقل إلى الآن شيئاً عن الملك غازي بالذات فعاد يصفه. . .

مضى الهاشمي السمح زين شبابهم ... وأعرقهم خالاً وأكرمهم جدا فتى تنبت الآمال من غيث كفه!!

واكتفى بذلك، فانتقل إلى وصف سفره إلى بغداد والقلب واجف، وسلوكه الصحراء، وعده الساعات وسأمه، وأنه جاء يقضي للعروبة حقها. ثم ختم قصيدته بالسلام على غازي وعلى الذي من بعده (كما كان يقول المتقدمون. . .) وقد كان إلقاؤه مؤثراً. وأسلوب القصيدة حلو سلس، وأن كانت في غير الموضوع، وكان في الإمكان رد معانيها إلى مواضعها من الدواوين المطبوعة. . .

ثم قرأ الأستاذ بهجة الأثري المفتش في وزارة المعارف كلمة معالي الدكتور هيكل باشا الذي أعلن أسفه على حرمانه من حضور الحفلة، ووصف أثر الأسى في جمع القلوب، وبين أن العرب كلهم أسرة واحدة كان الفقيد من أقطابها وإن الفاجعة فيه عظيمة، إذ فقده شعبه ملكاً، وفقد ابنه أباً براً. وتكلم عن اتجاه العراق إلى الوحدة العربية، واستشهد بحديث له مع فخامة نوري السعيد باشا، ثم بين رجاء العرب في العراق ومليكه الجديد، ومشاركة مصر إياه في آماله وآلامه

ثم قرأ طالب مشتاق بك طائفة من البرقيات الواردة من رفعة النحاس باشا من مصر، وسعادة الدكتور شهبندر من دمشق، والعشماوي بك، وخليل ثابت بك، والأستاذ خليل مطران من مصر، وعصبة العمل القومي من دمشق، والأستاذ صبري العسلي، ومعالي شكري بك القوتلي.

ثم ألقى الأستاذ الشيخ يوسف الخازن كلمة لبنان، فبيَّن أن روابط الجهاد تؤلف بينه وبين العراق، وذكر فضل البيت الهاشمي على العرب، وأن قد (تحدث به الركبان في الحل والجزم!) ووصف شباب غازي وضمّن كلامه أبياتاً في الشباب، ووصف جماله وذكر أن الله جميل يحب الجمال. . . وبيّن موقفه من الفتنة الاثورية بكلام كله استعارات ومجازات وتضمينات شعرية. . . وشبه غازي بهنري الرابع الذي وصفه شاعر بأنه أخذ الملك بالإرث وبالفتح معاً؛ وشبه فيصل الصغير بلويس الرابع عشر الذي ولى الملك صبياً ورجا لَهُ مثل أيام لويس، وكانت كلمته حافلة بالمعاني، وفيها وصف للفقيد.

ثم ألقى السيد بهاء الدين طوقان قصيدة الشاعر الشيخ فؤاد باشا الخطيب وهي لامية أولها (الذكر باق والعروش تزول) وصف فيها نشأة غازي في أرض الحرم، ونخوته ونفسه الأبية. ووصف حياته بأنها حلم أعقبه حيرة وذهول، ووصف حزنه على الفقيد، وتمنى أن يكون له مزامير داود ليرثه ولكنه عاجز، ووصف عيه وعجزه وتمدح بأنه الطليق الحر، ولكنه غدا اليوم مقيداً. والقصيدة قصيرة أشبه بمقطوعة من شعر الخطيب منها بقصائده الطوال

ثم ألقى مندوب الأزهر كلمته فافتتحها باسم الله، وانفرد بهذا الافتتاح المبارك دون سائر خطباء الحفلة، وبين أن للحياة مراحل أربعاً كل واحدة أوسع من التي قبلها وأطول مدة، وهن حياة الجنين وحياة الدنيا وحياة البرزخ وحياة الخلد في النعيم أو الجحيم. وتكلم عن الوحدة الإسلامية وأنها في وسائل السلام العام، وبيّن مبلغ الفجيعة بغازي والأمل في فيصل، ودعا إلى القوة ونفي اليأس. وكانت كلمة طيبة ولكنها كانت أشبه في مفتتحها ببحث علمي منها بخطبة تأبينية

ثم ألقى الأستاذ أكرم زعيتر من فلسطين كلمة حماسية قوية وصف فيها جهاد فلسطين، وتكلم عن اهتمام المليك الراحل بقضيتها، وعرض صورة خيالية مؤثرة لليالي المليك التي أحياها مفكراً في فلسطين وتوهم حديثاً بينه وبين أهله، واستنجد العراق باسم فلسطين، وطلب لها انتداب العراق وحمايته؛ وذكر أن الأمل في فيصل الصغير، ومدح حكومة العراق وشعبه.

ثم ألقى الأستاذ سليمان الأحمد (بدوي الجبل) قصيدة دالية بدأها بصور خيالية، وصف فيها مصرع الشمس، وجعل حمرة الفجر مقتبسة من دم غازي. ووصف عرس الجنان، وسدرة المنتهى. ثم وصف كيف ضمت آلام فتاها الشهيد وصور روعتها وحنانها، ووصف بغداد (دنيا الرشيد، تفني الحضارات، وتبقى كالدهر دنيا الرشيد)، وكيف لاحت فهتف الهاتفون فجنت السيوف، وانتخت في الغمود)، وانتقل إلى ذكر غازي:

وتجلى غازي فكبرت الدنيا ... وقال الجلال هل من مزيد

وبيمناه راية الوحدة الكبرى ... فميدي يا راية الله ميدي

ووصف عيد المليك، وصوّر المهرجان في دمشق، وما أعدت له من زهر الغوطة وعطورها. ثم ذكر كيف كان ذلك كله حلماً وانطوى، (فمن رأى النسر بادرته المنايا، فهوى وهو ممعن في الصعود). وبين روعة الشام لجلال الحادث: أشفقوا أيها النعاة على الشام ... ولا تجهروا بنجوى البريد

فربما كان كذباً، ربما كان اختلاقاً. ثم تحقق الخبر، ولم يبق من شك فسألهم أن (أذيعوه يرجف البر والبحر، واحملوه إلى ابن حمدان، وألموا بخالد وأمية وغسان. . . ثم انتقل إلى ذكر الملك الطفل فجعل له:

تاج بغداد والشام ولبنان ... وبحر للروم طاغ عنيد

أيها البحر بعض تيهك لست للروم ... (أنت للملك نضار بتاجه المعقود)

أيها البحر أنت مهما افترقنا ... ملك آبائنا وملك الجدود

وبين أنه: (هاشمي الهوى أحب فما داري، وعادي على هواهم وعودي) - وكانت القصيدة على الجملة أحسن ما ألقي في الشعر في هذه الحفلة، وإن كانت في أسلوبها دون الجارمية وقد اختتمها بذكر الوحدة:

ليس بين العراق الشام حد ... هدم الله ما بنوا من حدود

ووصف جيش العراق الذي يغزو قبة الفلك. . . وتسجد له الدنيا. . . وجعل الشام في ذمة الوصي على عرش العراق وذمة العراق. . .

ثم ألقى الدكتور عبد الوهاب عزام كلمة الجامعة المصرية فوصف كيف شجاها الخطب، وبين التعاون بين القطرين على بناء المجد، وذكر روعة الخطب وعظمه، ولكنا أعظم منه لأننا بنو الشدائد، وعرض إلى عبرة الخطوب وثمراتها في جمع الكلمة والوحدة، وأعلن أن هذا المصاب مصاب المسلمين كلهم، وختم كلمته بمقطوعة شعرية جيدة، بين فيها أن الرخاء بعد الشدة، وأن البدر يبزغ من بين الغيوم، وأن ضحك الأرض من بكاء السحب، وبعد غيض الماء فيض دجلة، وأن في كل خطب للفراتين دعوة إلى المجد والقوة والحياة. وكانت كلمة طيبة بإلقاء أطيب.

ثم ألقى الأستاذ الشريقي قصيدته فافتتحها بوصف حزنه، ونضوب دمعه، وأثر الحزن في دجلة:

وما الحزن إلا ما ألم بدجلة ... ففاضت دموعاً فهي تندب غازيا

وجعل غناء الأطيار مراثياً، والاقمار تبكي مؤملاً: أطلّ على الدنيا هدى وأمانيا. ووصف غازي وصفاً مجملاً: فلله من أدى الأمانة حقها ... ووهّج للضوء الذي كان خابيا

وأنه تمرس بالأخطار، وأنه فتى الأمل المزهو، وأنه خير من قاد العتاق المذاكيا، وأنه هو الفجر إشراقاً، وله الهمة القعساء، وطلب لقبره سقيا الغيث:

ويا لشهيد المجد حياه هاطل ... من الغيث لم يبرح على القبر هاميا

في أوصاف هذا سبيلها، ثم عرض للأمل ببغداد وأنها:

تواثب دهر العرب حتى ترده ... وقد كشفت عنه الأذى والعواديا

والقصيدة من باب الجارمية وإن كانت لا تحمل مثل أسلوبها وليس لها سلاستها وحلاوة ألفاظها

ثم ألقى الشاعر اللبناني الأستاذ شبلي الملاط قصيدة وصف فيها الفاجعة بغازي أحسن وصف، ولكنه لم يملك ناصية الأسلوب ولم يستطع أن يجعل ألفاظه كمعانيه فهو على الضد من الجارم، وانتقل من وصف الفاجعة التي حدد تاريخها وصور دقائقها إلى الكلام على فيصل:

بدر العروبة وابن عم محمد ... نسباً وأعرق دوحة ميلادا

وأعاد أيام الرشيد وتاجه ... واستصرخ المجد القديم فعادا

ثم انتقل إلى غازي ووصف أخلاقه وأنه يلين عند اللين ويشتد عند الشدة:

وتثور ثورة نفسه إن حاولت ... أيدي الغريب لقومه استعبادا

ثم وصف فلسطين وأطال ثم خلص إلى الكلام على نصرة غازي إياها، وعرض لذكر فيصل الصغير وندائه أباه، وتفتيشه عنه في سريره، وذكر عبد الإله والعراق ولم ينس أن يتحدث عن نفسه وأن يتشبه بـ. . . هوميروس!

ثم ألقى الأستاذ اليعقوبي قصيدة طويلة جداً ليس في مبناها ولا معناها ولا إلقائها ما يذكر بالجودة. يقول فيها:

أبا فيصل أحبب بها لك كنية ... ورب رجال لا تحب كناها

وجاء فيها (وأسفرن ربات الحجال) على لغة (أكلوه البراغيث)، وجاء فيها (ولا مرحباً في نهضة أو قضية إذا كنتم لا تحملون لواها)، وكان خيراً لو ختمت الحفلة بشبلي الملاط. ثم ختم الحفلة فخامة رئيس الوزارة العراقية بالشكر والدعاء (بغداد)

(ع. ط)

جمع الباسل

قال فاضل مشهور في قصيدة في هذه الأيام:

طرحنا رداء اليأس عنا بواسلاً ... وأن هزنا يوم العراق وأن أدّا

فجمع (باسلاً) على (بواسل) والبواسل للباسلة، لا للباسل، ولهذا البُسْل - كالبُزْل - والبسلاء، وفي الصحيح الباسلون. قال (الكتاب): (وإذا لحقت الهاء فاعلاً للتأنيث كسر على فواعل، وكذلك أن كان صفة للمؤنث ولم تكن فيه هاء التأنيث وإن كان فاعل لغير الآدميين كسر على فواعل وإن كان لمذكر أيضاً وقد اضطر فقال في الرجال وهو الفرزدق:

وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار)

وقد شذت شاذات ذكرها الصحاح والتاج. قال الأول: (أما مذكر ما يعقل فلم يجمع عليه - أي على فواعل - إلا فوارس وهوالك ونواكس، فأما فوارس فلأنه شيء لا يكون في المؤنث فلم يخف فيه اللبس، وأما هوالك فإنما جاء في المثل فجرى على الأصل لأنه قد يجيء في الأمثال ما لا يجيء في غيرها، وأما نواكس فقد جاء في ضرورة الشعر) وقال الثاني: (قد جاء أيضاً غائب وغوائب، وشاهد وشواهد، وفارط وفوارط، وخالف وخوالف)

وإن قال أدباء بسلاء: (إن بواسل كفوارس شيء لا يكون في المؤنث فلم يخف فيه اللبس) فجواب هذا القول عند (العربيات المصريات) البواسل. . .

محاضرة هامة في جمعية المهندسين الملكية

ألقى الأستاذ الدكتور محمد محمود غالي من مصلحة الطبيعيات محاضرة عن الأشعة الكونية حضرها كثير من المهندسين والعلماء يتقدمهم صاحب المعالي محمد شفيق باشا وزير الأشغال السابق ورئيس الجمعية الذي أهتم بموضوع الأشعة منذ العام الماضي عندما طرح الدكتور غالي بدار الجمعية أبحاثه القيمة عن طمي النيل، فطلب منه أن يحاضر زملائه المهندسين عن أحدث ما يعرفه في العلم التجريبي والدكتور غالي محاضر ممتاز بتبسيط المواضيع العويصة وبمهارة التحليل العلمي وقوة الاستنتاج وعظمة الاستقراء.

والرسالة تقدم لأحد أفراد أسرتها التهنئة لما يصادفه في جميع محاضراته من نجاح