مجلة الرسالة/العدد 317/كتاب الأغاني

مجلة الرسالة/العدد 317/كتاب الأغاني

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 07 - 1939



لأبي الفرج الإسكندراني

رواية الأستاذ عبد اللطيف النشار

صوت

راهنت بالروح على نهروان ... لو إنني أملك هذا الرهان

هذى هي الخيل التي تشترى ... لا كوكب الشرق ولا كوكبان

الشعر للأستاذ علي الجارم بك وفيه لحن من نغمة (النشازكار) من صنعة الأستاذ محمود مصطفى

حدثنا الأستاذ محمد شعراوي بك قال: إن (كوكبان) و (نهروان) جوادان من جياد السباق، وإن الجواد الذي أراد الأستاذ الجارم بك أن يثنى عليه هو (كوكبان) ولكنه من أجل الجناس اللفظي بين كلمة (راهنت) وبين كلمة نهروان قد أبدل اسمي الجوادين فجعل الممدوح هو المذموم والعكس بالعكس

قال الأستاذ شعراوي بك: وأعجب من ذلك أن كوكب الشرق ليس جواداً ولكنه صحيفة كان يصدرها الأستاذ حافظ عوض بك ولكن الجناس اللفظي قد حمل الجارم بك على اعتبارها جواداً، وجواداً من جياد السباق وذلك ليقال كوكب وكوكبان

وانتهى شعراوي بك من حديثه إلى أنه لن يراهن على بيت واحد من الشعر ما دام الشعراء يبدلون الحقائق من أجل تلك الكلمة المدرسية العتيقة: (بين وجوه البلاغة فيما تحته خط)

وحدثنا الأستاذ عبد الغني جبرة قال إن في خيول السباق جواداً اسمه شكسبير وأنه عرض على شعراوي بك بثمن مناسب ولكنه رفض شراءه لأنه باسم شاعر. قال وقد تحامل شعراوي بك على الجارم بك تحاملاً شديداً لأن الجواد كوكبان من خيول شعراوي بك وقد كان يود أن يكون هو الممدوح لا الجواد نهروان

قال أبو الفرج: وهذا القول جائز ولكن كيف استحالت جريدة كوكب الشرق إلى جواد من جياد الرهان؟

حدثنا الأستاذ أحمد أمين قال: وهذا الباب من أبواب الشعر أثر من آثار الجناية التي جناه الأدب الجاهلي على أدب العصر الحاضر. فقد كان الجواد عند العربي بمثابة الأسطول والطيارة في العصور الحاضرة. فإذا وجد الآن شاعر في إنكلترا يباهي بالأسطول ويصفه ويتغنى بمحاسنه فلا غضاضة عليه في ذلك؛ وإذا وجد شاعر في مصر يتغنى بالدبابات الجديدة والطيارات ذات الأزيز المثير للدوافع الوطنية فهو شاعر حقاً، كما كان العربي شاعراً في وصفه الجواد وحبه إياه وقد شاركه في أخطار الموت ودخل وإياه الدول المفتوحة وجرح وإياه في الميدان، ولكن ما بال الشاعر المصري العصري يركب السيارة ويأنف من ركوب الجواد ثم يتغنى بذكر الخيل؟ وما له يذكر الرهان والسباق وهو لم يعالجهما قط، وإنما يجعل منهما وسيلة لذكر الخيل لأن العرب كانوا يذكرونها - أليس هذا مما جناه الأدب الجاهلي على أدب العصر الحاضر؟

حدثنا الأستاذ أحمد الشايب قال: لما سمعت رأي الأستاذ أحمد أمين في السيارة والجواد نظمت قصيدة أتغنى فيها بعربة (ناش) التي اشتريتها حديثاً وأنكرت ما كنت أنظمه عن الخيول التي لم أركبها قط. ومن قولي في تلك القصيدة:

صوت

ألثمانون سرعة (الفُردِ) فاذرع ... بي عرض البلاد يا ناش وثبا

أطلقت قيدها الفرامل وانسا ... ب بي (الناش) ينهب الأرض نهبا

حدثنا الدكتور زكي مبارك قال: ما رأى الناس قط تعسفاً مثل هذا. فالخيل ما تزال من عدة الحروب. وما أنكر على شاعر أن يصف ما يراه من المخترعات الحديثة، ولكن كيف جاز للمؤمنين أن يحرموا على أنفسهم ما أحله الله لهم؟ وكيف يزعم الزاعمون أن الخيل قد زالت محبتها فيجب أن يزول التغني بها؟ إن ميادين السباق في الحواضر تستنفد من الثروة ما يكفي لبناء أسطول. هذا في الحواضر وما يزال في الريف من يباهون باقتناء الخيول ويعدونها من علائم الأصالة والنبالة. وقد كان عندي جواد في سنتريس اعتدت ركوبه كلما طفت بمنازل الصبايا. وبارك الله في صبايا سنتريس! لقد أنكرت الوجاهة منذ كففت عن ركوب الجياد واستبدلت بها الطيارة والسيارة. ثم ما لهذا كله وما لأبيات الجارم بك؟ إن تربية الخيل ضرب من الفروسية التي يجب الاحتفاظ بها في كل مكان وكل زمان، وهي تقليد من تقاليد الخلفاء. وقد قال الوليد بن يزيد: تمسك أبا قيس بفضل عنانها ... فليس عليك إن رمتك أمان

فهل قرأ هؤلاء أدب الأمويين؟

قال الدكتور زكي مبارك: ولهذا البيت قصة ظريفة فقد أشفق أمير المؤمنين الوليد بن يزيد على (الجوكي) من ركوب الفاره من الجياد فأمر بتدريب طائفة من القرود وكون منها فرقة من (الجوكية) كما أمر بصيد عدد كبير من حمر الوحش فجعل منها فرقة من (البواني الغشيمة) وأبو قيس هذا الذي يذكره في شعره ليس إلا قرداً من هذه القرود

ليت المدنية التي يتغنون بها تبلغ من الرفاهية ما بلغته في العصر الأموي الذي لم يقرءوا شيئاً عنه

لم تحب الحياة زهدَ عليّ ... فجفته إلى بني مروان

ثم ضحك الدكتور زكي مبارك وقال: وسيأتي اليوم القريب الذي يعود شعراؤنا فيه إلى التغني بالخيول ولو غضب الأستاذ أحمد أمين وأنشد:

يقول بشعب بوان حصاني ... أعن هذا يسار إلى الطعان

أبوكم آدم سن المعاصي ... وعلمكم مفارقة الجنان

هكذا قال حصان أبي الطيب فليسمعنا الأستاذ أحمد الشايب ما قالته سيارته ولو أنها من طراز (ناش)

حدثنا الأستاذ عبد الغني جبرة قال: دخلت ميدان السباق فرأيت بين المشاهدين الدكتور زكي مبارك، ورأيت طائفة عظيمة من الوجهاء والأعيان وكلهم معقود النظر بالخيل التي تجري دون أن ينظر بعضهم إلى بعض. وسمعت الدكتور زكي مبارك ينشد في هذا المعنى أبياتاً لم يعلق بذهني منها غير هذا البيت في وصف ميدان السباق.

ويكون أغنانا وأعلمنا ... فيه وملء عيوننا البهم

عود إلى أبيات الجارم بك

حدثنا الأستاذ محمود مصطفى قال: إنني وإن حملت على الجارم بك في شرحه لكتاب البخلاء فما أنكر فضله في الشعر فقد جدد به مفاخر العرب وتغنى بآثارهم وبعث أمجادهم، وصان لغتهم. ومن أروع المفاخر العربية عندي العناية بالخيل فما تعني بها الأمم المحاربة، ومهما استحدث من أدوات الدفاع فسيلجأ المحاربون في النهاية إلى إيثار الخيل بالعناية. وأنشد بيت أبي الطيب:

وما الخيل إلا كالصديق قليلة ... وإن كثرت في عين من لا يجرب

وحدثنا الشاعر جبريل دننزيو قال: حدثنا السنيور موسوليني قال: ليس في نيتي أن أثير الحرب؛ ولكنها إن ثارت فسيكون المسئول عنها هو جوادي، فإن رؤية الخيل تحفز إلى الرغبة في القتال وأنشد:

صوت

وأقبل بالتصهال مهري يقول لي ... أأبقى كذا لا في اطراد ولا طرد

علام انتظاري أنجم النحس والسعد ... وحتام صمتي لا أعيد ولا أبدي

الشعر لجبريل دننزيو وفيه لحن يضرب على نغمة المترليوز من صنعة الشاعر نفسه

(يتبع)

عبد اللطيف النشار