مجلة الرسالة/العدد 317/وداع الحمراء
مجلة الرسالة/العدد 317/وداع الحمراء
(من ديوان (رجع الصدى))
للأستاذ حسن كامل الصيرفي
وقف أبو عبد الله آخر ملوك العرب في الأندلس على التلة التي أطلق عليها الأسبان (تلة الدموع) يودع غرناطة وهي تتوارى عن عينيه، وألقى النظرة الأخيرة على قصر الحمراء مغمورة بالدمع محفوفة بالتنهدات، وقد ودع بهذه النظرة الدامعة والحسرة اللاذعة مجد العرب الضائع وفردوسهم المفقود. . . وكأن دموعه تنظم في انحدارها هذه الأبيات:
وَدَاعاً جَنَّتي وقرار قُدْسِي ... ومظهر عِزَّتي وجلالَ أَمسِي
لقد طَغَت الخطوب عليّ حتى ... فقدتُك بين ضَعضعتي ويأسي
وأسْلَمني العِثارُ إلى شقاءٍ ... يقودُ الحظَّ من تعسٍ لتعسِ
وما أنا غيرُ مخلوقٍ توالتْ ... عليه كواكبُ الدنيا بنحس
تغيبُ عرائس الدنيا أمامي ... وتغربُ في مواكِبهنَّ شمسي
وتَهْوِي كل آمالي حُطاماً ... تجرُّ إلى الفناءِ حُطامَ نفسي
وتغرق في دموعي ذِكْرَياتٌ ... تذوبُ كأنهنّ حَبابُ كأس
وأعتصرُ الفؤادَ عليك حزناً ... فلا أجِدُ العزاَء ولا التأسي
دَفنْتُ بك العظائمَ خالداتٍ ... وملت أَخطُّ في الآلام رَمسي
وما أنا غيرُ آدَمَ هامَ يبكي ... على فِرْدَوْسهِ في دارِ بُؤسْ
لقد باعَ الجِنانَ بغير ذُلٍ ... وبعت أنا الجنان بخفض رأسي
حسن كامل الصيرفي