مجلة الرسالة/العدد 318/من هنا ومن هناك
مجلة الرسالة/العدد 318/من هنا ومن هناك
لإنقاذ العالم من الحرب
(عن (سيرفس إن لايف آندورك))
ظهر في الأيام الأخيرة كتاب قيم لكلارنس ك. سترايت بعنوان الاتحاد الآن وقد كان المؤلف يمثل جريدة (نيويورك تايمس) في أوربا وقضى السنين القليلة الأخيرة في جنيف.
والمؤلف من المتحمسين في الأصل لعصبة الأمم، وهو في هذا الكتاب يبين العلل والأسباب التي قضت على الآمال العريضة التي بناها العالم في سنة 1920 لإنقاذ الديمقراطية والقضاء على فكرة الحرب، ويقدم إلى العالم الاقتراح الذي يراه لضمان السلم وتوطيد دعائم الوفاق ومن رأيه أن الحالة التي تهدد العالم الآن لا ترجع أسبابها إلى مبادئ الاشتراكية، أو الفاشية، أو الاشتراكية الوطنية، ولا ترجع أسبابها إلى مطامع الدكتاتورية وعنادها، ولا ترجع كذلك إلى إخفاق الدول الديمقراطية. فهذه كلها نتائج لا مسببات، ويرى أن السبب الجوهري لموقف اليأس الذي يقفه العالم اليوم، يرجع إلى الفوضى التي تسوق الأمم التي تضع له خطط السلام والراحة، إلى التفكير في أن يكون لها دون غيرها السيادة والسلطان.
هذا أساس الداء كما يشخصه المؤلف، أما العلاج الذي يراه لهذه الحالة، فينحصر في إيجاد نوع من السيادة الدولية على هيئة تحالف بين الخمس عشرة دولة الديمقراطية الموجودة الآن، كنواة لنظام عام تسوده حكومة عالمية.
وقد كتب لورد (لوثيان) سفير إنجلترا في الولايات المتحدة قبل تعيينه في هذا المنصب بأيام قليلة مقالا قيما في التعليق على ما جاء في هذا الكتاب قال فيه:
إن الحرب ضرورة ورثتها الأمم القوية لتحديد علاقاتها. فحيث يفشل الاتفاق الودي لا تجد الأمم القوية مفرا من الحرب للدفاع عن كيانها واسترداد حقوقها، فسواء حاولت هذه الأمم أن تعمل كل منها على انفراد أو فضلت التحالف أو الاتحاد الدولي تحت نظام خاص كعصبة الأمم فهذه الحقيقة لا تتغير.
إن قوة الأمم معناها أن الملجأ الأخير الذي تلجأ إليه، إذا لم تفلح سياسة الاتفاقات الودية مع الأمم الأخرى، هي سياسة القوة أو الحرب. ويترتب على هذه السياسة أن الحكومة ترى نفسها مسوقة إلى تضحية حقوق أبنائها واستقلالهم لزيادة قوتها واستعدادها للدفاع عن كيانها كما هو ظاهر اليوم، ومن النتائج المحققة لسياسة القوة والسيادة انتشار الفقر بين جمهور الشعب وازدياد عدد العمال العاطلين، وانتشار الفساد واليأس بين السكان.
وتقود هذه السياسة إلى الحرب الاقتصادية بين الأمم حيث تحاول كل أمة أن ترعى مصالحها الاقتصادية بصرف النظر عن مصالح الأمم الأخرى، فترتفع الضرائب وتمتنع الهجرة ويوقف تصريف رؤوس الأموال.
وهذه القيود والحواجز الاصطناعية من شأنها أن تزيد في محصول كل أمة، فيضيع التوازن بين محصول الأطعمة والخامات والقوة الصناعية، لا في هذه الأمم فحسب ولكن في العالم أجمع.
صوت من مقبرة تشيكوسلوفاكيا
(عن (ليدوفي توفيني) براج)
الأمم كالأفراد يقابل سقوط بعضها بالأسف كما يقابل موت البطل في أسفار التاريخ. ويدرك بعضها الفناء، فتنضب قواها، ويزول نفوذها شيئا فشيئا كما تتلاشى المياه وتزول في أعماق الرمال فلا يجد المؤرخ فرصة للتحدث عن مجدها وسلطانها الزائل. ومما لا شك فيه أن تاريخ بريطانيا وفرنسا منذ انتهاء الحرب العظمى ينتمي للنوع الأخير.
ففي سنة 1918 كانتا تمثلان أكبر قوة على الأرض وكانت كلمتهما هي القانون. فماذا بقى اليوم من هذه القوة؟ كل إنسان يستطيع أن يجيب على هذا السؤال بسهولة، وعلى الأخص إذا كان من سكان أوربا الوسطى، فقد أصبحوا وكأنما فصلهم عن بريطانيا وفرنسا محيط مترامي الأطراف!
قال حكيم من حكماء الرومان: الإنسان لا يكون سيئا مرة واحدة. ومما لا شك فيه ألا يكون كذلك ضعيفا مرة واحدة ومن الصعب علينا أن نعرف بالتحديد اللحظة التي أخذت فيها قوى الديمقراطية الغربية في الانحدار. فمن المحتمل أن نعزو ذلك إلى ظروف كثيرة وأسباب عديدة. لقد كان الفيلسوف الأماني (فردريك نيتشة) قليل الثقة بالقيم الأدبية للانتصارات. فكان يقول: إن الانتصارات كثيرا ما تحيط الأمة بسياج من البلادة وقد نكون قريبين من الصواب إذا قلنا إن الانتصارات تصيب الأمم بالكسل على الدوام.
إن الهزيمة ولا شك هي التي ألهبت بسياطها نشاط الأمة الألمانية وحفزتها إلى العمل. وقد عرف زعيم ألمانيا قيمة الجيش للدولة فجعل همه إذكاء روح الرجولة والقوة بين أبنائها ودعوتهم ليكونوا على استعداد للموت في أي لحظة إذا احتاج الأمر. فهذا الموقف الجديد لم يقابل من فرنسا وبريطانيا العظمى بالاهتمام ولم تتيقظا له إلا بعد سنين من النوم والإهمال. وقد ظلت بريطانيا إلى اللحظة الأخيرة مكتفية بجيشها الصغير ولم تكن لتكلف أبناءها بشيء أكثر من دفع الضرائب. فكانت النتيجة الطبيعية أن خفت صوتها في هذا العالم الذي بدأت مظاهره من سنة 1933 وقد أصبحنا نسمع الشباب في إنجلترا يتحدثون بلسان السخر والاستهتار عن قيمة الإمبراطورية التي شادها آباؤهم وأجدادهم، ويعلنون أنهم لا يريدون لإمبراطوريتهم العظيمة إلا الهدوء والسلم. أما فرنسا فعلى الرغم من جيشها الكبير فقد وقفت جامدة إزاء الفوضى التي تعم كل مكان للمحافظة على جبهتها.
إن أزمة سبتمبر الخالي تبين مقدار ما وصلت إليه عزيمة بريطانيا وفرنسا من الانحدار. فالهمة التي أبدتها الأمتان تجاه هذه الأزمة، سرعان ما تبخرت تحت تأثير حب السلامة والكسل حينما أتيحت الفرصة إلى ذلك!! لن ينسى العالم هذا الموقف العجيب. ولن ينسى صورة مستر تشمبرلن رئيس الوزارة الإنجليزية وهو ينحني من عربته غب عودته من ميونخ، ملوحا للجماهير بوريقة كتب فيها بضع كلمات، ليقول: لقد استخلصنا السلم للعالم.
لماذا يكذب الأطفال
(عن مجلة (هيجيا) بشيكاجو)
يجب أن يعلم الأطفال أن مدنيتنا قائمة على الاحترام والثقة المتبادلتين بين الناس على أساس الأمانة والشرف. ويجب أن يعرفوا أن الصدق أمر حيوي في حياة الإنسان، وأن الكاذب لن يكسب احترام مواطنيه. ولكن هل العقاب المحض هو خير الطرق لإفهامهم ذلك؟ إذا عرف الآباء لماذا يكذب الطفل فمن المحتمل أن يستطيعوا إبعاده عن هذه الصفة الذميمة دون أن يلجئوا إلى العقاب العنيف. والكذب نوعان: كذب مقصود وهو الذي يحاول فيه الطفل أن يغش الآخرين، وكذب غير مقصود وهو الذي لا يدرك الطفل ما فيه من الزيف.
فإذا جاء إنسان لآخر وقدم إليه تفاحة حمراء وحاول أن يقنعه بأنها سمراء فإنه لابد أن يصمه بالكذب إذا لم يثبت لديه أن هذا الإنسان مصاب في نظره بآفة الألوان. وهكذا الشأن في الطفل الصغير فمن واجب الآباء ألا يصموه بالكذب بغير روية، يجب أن يعرفوا قبل كل شيء لماذا لا يرى الدنيا كما يرونها بالتحديد.
قد يكذب الطفل لأنه لا يستطيع أن يدرك تمام الإدراك، أو لأنه تعوزه الدقة في النقل وسلامة الفهم في الحكم على الأشياء فمن القسوة أن يعاقب على الأكاذيب التي من هذا النوع. وقد يقود العقاب الطفل إلى حالة سيئة للغاية فيفهمه معنى الكذب ويضلل لسانه البريء عند كل قول. قد لا يفهم الطفل معنى الكذب فمن واجب الآباء في هذه الحالة أن يعذروه ويبينوا له أسبابه حتى لا يعود للوقوع فيه.
أما الكذب المتعمد، وهو الكذب الذي يحاول فيه الطفل خداع الآخرين بقصد الاحتيال والغش، ألا يوجد علاج له غير الصفع والضرب؟
إن الأسباب التي تدعو الأطفال إلى الكذب على وجه العموم هي الخوف من العقاب فيجب على الآباء أن يحيطوا أبناءهم بجو من التفاهم والعطف والمساعدة.
فحيث يتورط الطفل ولا يجد مخلصاً، حيث يعاقب ولا يفهم تماماً السبب الذي عوقب من أجله، حيث يعامل معاملة لا يفهمها عقله الصغير، تضيق الدنيا في ناظره ولا يجد غير الخداع سبيلاً للدفاع عن نفسه، والخروج من المأزق الذي وقع فيه.