مجلة الرسالة/العدد 32/العلوم

مجلة الرسالة/العدد 32/العلوم

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 02 - 1934



نباتات التربة المجهرية

للأستاذ يونس سالم ثابت مدرس النبات بكلية العلوم

لا شك في أن التربة هي مصدر الحياة، واليها المرجع، وهي ليست

آهلة فقط بمختلف النبات الذي نراه في غدونا ورواحنا، ولكنها تعج

بكثير من دقيق النبات الذي لا يرى إلا بالمجهر.

وتنتمي النباتات المجهرية في التربة إلى الطحالب والبكتيريا والفطر، فالطحالب تحتوي أجسامها على مادة الخضير (الكلوروفيل) وهي المادة التي تكسب النبات اللون الأخضر والتي تساعده على أخذ المجهود اللازم لنموه من غاز الكربون الجوي عند تعرضها لضوء الشمس.

وطحالب التربة صغيرة الحجم مختلفة الشكل بسيطة التركيب تنتشر على سطح الأرض وتكسيها أحيانا لوناً أخضر أو بنياً داكناً وقد تعيش داخل التربة بعيدة عن ضوء الشمس، وفي هذه الحالة تستمد غذاءها الكربوني من مصادر غير الهواء الجوي.

والطحالب تساعد كثيراً على تهوية الأرض فعندما تقوم بعملية التمثيل الكربوني تأخذ غاز ثاني أكسيد الكربون من التربة وتطرد غاز الأؤكسيجين وبذلك تصبح التربة أكثر صلاحية لنمو الكائنات الأخرى - ويشاهد ذلك بنوع خاص عند زراعة الأرز. فقد شوهد أن وجود كميات وافرة من الطحالب في مياه حقول الأرز يجعل الماء مشبعا بالأوكسجين، ووفرته ضرورية لتنفس جذور الأرز. فإذا قلت كميات الطحالب قل المحصول.

والطحالب تزيد المادة العضوية في التربة وتقوم أحيانا بتفتيت الصخور.

أما البكتيريا فيظن كثير من الناس أنها ان هي إلا كائنات

مجهرية تسبب معظمها أمراضاً، فهي كثيرة الضرر قليلة

الفائدة، ولكن الحقيقة هي أنها في التربة على عكس ذلك حيث

نرى إن نفعها فيها أكثر من ضررها. والبكتيريا أجسام دقيقة جداً لا يرى أكبرها حجماً إلا بالمجهر حيث يكون طوله

حوالي 1100 من المليمتر. وهي تختلف في الشكل من كرية

إلى عضوية أو حلزونية وكثيراً ما توجد لها أهداب غاية في

الدقة تساعدها على الحركة.

والبكتيريا تقوم بأعمال شتى في التربة، فمنها ما يحول المواد العضوية نباتية كانت أو حيوانية إلى مواد أخرى بسيطة التركيب. ومن بين هذه الأخيرة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتشر في الجو، وكذلك غاز النشادر ذو الرائحة النفاذة الخاصة، وغاز النشادر لا يصلح غذاء لمعظم النباتات الخضراء وعلى ذلك يقوم نوع خاص من البكتيريا بتحويله إلى حمض الازوتوز، وهذا المركب الأخير يتناوله نوع خاص آخر من البكتيريا ويحوله إلى حمض الأزوتيك، وأملاح هذا الحمض (الازوتات) هي الغذاء الصالح للنبات الأخضر.

وكذلك يعلم الزارع تعد طول تجربته أن نباتاً كالفول أو البرسيم أو الترمس وأشباهها إذا زرع في أرض زاد من خصوبتها، ولذلك فهو يراعي دائماً هذه الظاهرة عند ترتيب الدورة الزراعية للمحاصيل. أما سبب ازدياد الخصوبة فهو ناتج من نشاط نوع من البكتيريا تسمى بالبكتيريا العقدية ينفذ من التربة إلى أنسجة جذور نبات الفول مثلا ويعيش هنيئا في تلك الأنسجة.

وهذا النوع يمتص غذاءه الكربوني من الجذر وغذاءه الأزوتي من الهواء الجوي الذي يوجد بين الأنسجة أي أنه لا يتغذى من الأزوت الموجود في التربة. وتكون نتيجة هذه العملية ظهور انتفاخات صغيرة أو عقد على جذور الفول. فبعد الحصاد تتحلل الجذور بما عليها من العقد فتزداد في التربة كمية الازوت المركب.

أما الفطر فهو عبارة عن خيوط دقيقة متفرعة لا لون لها تعيش بين أنسجة النبات الراقي أو بين المواد العضوية الموجودة في التربة وهي منتشرة في الطبقات السطحية ويقل وجودها في الطبقات العميقة. والفطر تقوم بتحويل المواد الكربوادراتيه (كالخَلَوُوز وغيره) إلى مواد بسيطة التركيب، واليها فقط يعزى مثل هذا العمل النافع في الأراضي الزراعية.

وفضلا عن ذلك فهي تقوم بتحويل المواد العضوية الازوتية إلى مواد أبسط منها تركيباً كالنشادر. وتساعد أيضا على إذابة المادة المعدنية الموجودة في التربة وربما فاق عملها في هذه الناحية عمل الشعيرات الجذرية في النباتات الراقية.

وهناك ظاهرة أخرى أخذت تثير كثيراً من الاهتمام في السنين الأخيرة وهي أن بعض الفطر الموجود في التربة يكون مع جذور بعض النباتات أجساما غريبة تسمى جذورا فطرية وهذه تتكون من أنسجة الجذور ومن خيوط الفطر.

ويعيش كلا الفردين (الجذور والفطر) عيشاً رغداً ما داما مجتمعين ولكن في كثير من الأحيان لا ينمو أحدهما نموه العادي إذا أقصته الظروف عن رفيقه. ويقوم الفطر في الجذر الفطري مقام الشعيرات الجذرية أي أنه يمتص المادة المعدنية من التربة ويرسل بها إلى الجذر وفي مقابل ذلك يمد الجذر خيوط الفطر بالمادة العضوية اللازم لها. فنرى اذن أن المنفعة بينهما متبادلة. فضلاً عن القيام مقام الشعيرات الجذرية فأننا نجد أن كثيرا من خيوط الفطر تهضمه خلايا الجذر وبذلك يكون الفطر مورداً داخليا لغذاء الجذر.

يونس سالم ثابت