مجلة الرسالة/العدد 323/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 323/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 09 - 1939



لغة الشعر وأثرها في الحروب الحديثة

عن (فيلادفيا انكويارار)

من الوسائل الهامة في أيام الحروب فن كتابة الرسائل السرية. وقد ألف مستر فليشر برات كتاباً جديداً بين فيه أصول هذا الفن منذ نشأ إلى أن ترقى وعم استعماله بين سائر الأمم.

وقول مستر برات في كتابه سالف الذكر: (إن سائر اللغات المكتوبة (شفر) وليس لرموزها معنى في ذاتها، إلا أنها تكون ذات معنى حينما تترجم بطريقة يعرف سرها الكاتب والقارئ؛ وإذا كان هذا قد غاب عن أذهان الناس، فذلك لأننا نتعلم القراءة ونحن على أبواب الحياة)

ولكي نفهم ذلك تمام الفهم، يجب أن نرجع بأذهاننا إلى العصور الوسطى، فقد كان اللذين يعرفون القراءة ندرة في تلك العصور؛ فإذا تسلم أحدهم رسالة، ذهب بها إلى شخص يعرف القراءة ليحل رموزها، كما نفعل حينما ترد علينا رسالة مكتوبة بالشفرة في هذه الأيام.

وكن طبيعياً بعد انتشار القراءة أن تظهر الحاجة إلى لغة الشفرة. أما لغة الأسرار الحربية في العصر الحديث فقد ظهرت الحاجة إليها متأخرة، ولم يصل فن الكتابة السرية إلى الدرجة القصوى من الأهمية إلا بعد نشوب الحرب العظمى. حتى أن كبار الضباط البريطانيين في حرب البوير كانوا يجدون سهولة في تبادل الرسائل باللغة اللاتينية التي تعد شفراً بالنسبة للبوير

وانتهى دور اللغة اللاتينية وبدأت محاولات كثيرة لوضع لغة سرية للميدان منذ سنة 1900 إلى سنة 1914 يراعى فيها البساطة وسرعة التلقين، وقد قامت كل من إنجلترا وفرنسا وألمانيا بدورها في هذا الشأن

فلما أعلنت الحرب العظمى في ذلك اليوم من شهر أغسطس أذاعت ألمانيا في جميع أنحائها كلمة (ولد اليوم مولود) وكانت هذه الجملة هي الرمز الذي وضعته لكلمة الحرب، ومنذ ذلك اليوم والنصر والهزيمة معلقان بصدى كلمة تسمع من وراء الحجرات لمعرفة شيء من تلك الرموز ومما يرويه مستر برات على سبيل المثال أن (فون كلوك) كان يقود جيشاً ألمانياً في مساء 2 من سبتمبر 1914، فأصدرت إليه تعليمات بالمذياع ليحول وجهته بعيداً عن باريس، متجهاً إلى جنوب شرقي فرنسا، فلم تصل إليه هذه الرسالة، ولكنها وصلت إلى الفرنسيين، حيث استطاعوا حل رموزها، وقد بادر الجنرال جوفر بتغيير الخطة التي كان قد وضعها، وتقدم الجيش الفرنسي من باريس إلى المارن حيث تم له النصر على الألمان

إن فن الشفرة على جانب عظيم من الخطورة، وله المكان الأول من اهتمام الدول وقت الحروب. فالنصر والوقيعة بالأعداء حيث تكون أسرار الكتابة في طي الكتمان، وفناء الأمم وضياع العروش والممالك، حيث تفشى هذه الأسرار

ستالين يفضل الاتجاه نحو آسيا

(عن مجلة (باريد))

لم توضح بالكلمات الخطة التي وضعها ستالين ورفقاؤه لروسيا إلى الآن. ولكنها قد تتبين بالحركات والأعمال. ونستطيع أن نحكم بناء على ما نراه من حركات ستالين، أنه يصور روسيا دائماً كإمبراطورية شرقية عظيمة، يبزغ نجمها من آسيا

وكثيراً ما يعتقد في نفسه أنه مبعوث لبناء إمبراطورية آسيوية كبيرة، تعيد الحياة إلى الأصقاع المهجورة في سبيريا، وأواسط آسيا؛ وقد سار بخطى واسعة لتحقيق أمله هذا في عشر السنوات الأخيرة

وقد يرى ستالين أنه مرسل لخلق جيل جديد من الشرقيين، يجمع بين العنصر الأسيوي والعنصر الأوربي على تخوم روسيا

وسياسة روسيا الخارجية كسياسة أميركا كلاهما مرتبط بمجرى الحوادث في أوربا وآسيا معاً. إلا أننا في الوقت الذي نرى فيه سياسة أميركا تتحول شيئاً فشيئاً على يد الرئيس روزفلت من الناحية الآسيوية إلى الناحية الأوربية، نرى مقاصد روسيا تتجه على النقيض: من الناحية الأوربية إلى الناحية الآسيوية

' ن نظرة واحدة إلى الحالة في أوربا تجعلنا نعذر ستالين في اتجاهه نحو آسيا، أو على الأقل اتجاهه إلى ذلك الجزء من آسيا الذي يقع على تخوم روسيا: إذ أن المساحة الشاسعة التي ستشغلها روسيا الآسيوية، وما تحوي من الموارد العظيمة لم يعرف تقديرها بصفة عامة

إن مطامع ستالين وعزيمته القوية لا تذهب إلى الاستيلاء عاجلاً على روسيا الآسيوية فحسب، ولكنها تمتد إلى الأصقاع والأقاليم المتفرقة في أواسط آسيا، خارج تخوم روسيا الحالية، حتى يكون للأجيال القادمة أرض جديدة يستغلونها بغير ثمن، بعيداً عن منازعات الدول

ويملأ الدنيا رجال الدعاية الروسية بأن روسيا السوفيتية لا تميل إلى التوسع، لأنها من الأمم الراضية القانعة. وهذا قول قد يبدو صحيحاً إذا أريد به أوربا، فحكومة السوفييت تبدو قليلة الاهتمام باسترداد أملاكها المغتصبة في أوربا، وإن كثيراً منها أخذ في ظروف قد تكون بعيدة عن الإنصاف. فإذا اتجهنا إلى آسيا وجدنا الموقف يختلف كل الاختلاف

فستالين لا ينوي استرداد الأراضي التي كانت يوماً ما في حوزة روسيا في الشرق الأقصى فحسب، ولكنه يعمل للاستيلاء على المواطن الهامة بعيداً عن الحدود الروسية الحالية أو تخومها السابقة

وقد أعلن أن الجيش الأحمر على استعداد لحماية أراضي منغوليا من أي اعتداء، والسوفييت يستغلون تلك البلاد منذ 1924، كما تفعل اليابان في منشوريا منذ 1931 على حد سواء

دخل الدكتاتورين

(عن (ذي برسباين تلغراف))

كان يتقاضى هتلر وهو مستشار الريخ 40000 جنيه في العام، فلما آل الأمر إليه في ألمانيا تنازل عن هذا المبلغ وقرر أن يكتفي بما ينال من أرباح كتابه (كفاحي)

أما ثروة الدكتاتور الألماني فهي في حيز الكتمان، إلا أنه مما لاشك فيه أن مجموع ما حصله من كتابه لا يقل عن مليون جنيه بحال من الأحوال

والمال - حتى في ألمانيا الحديثة - يعود على صاحبه بالمال، فمن الطبيعي أن تبذل المجهودات اللازمة لتنمية الثروة التي جمعها هتلر من حقوق طبع هذا الكتاب ومضاعفتها وإذا عرفنا أن الذين يديرون أمر هذه الثروة، يمتازون في عالم الاقتصاد بمعرفة الأحوال والظروف الاقتصادية قبل غيرهم تبين لنا مقدار ما يستفيدونه من استغلال هذه الثروة

ولم يستطع دكتاتور مدى التاريخ أن يجمع ثروته من مثل هذا المورد العجيب، فقد كانوا يجمعون المال من الأبواب التي يعتقدون صلاحها، وقد بذل هتلر كثيراً من نفوذه في نشر كتابه وترويجه. ومن الطرق التي يتبعها في ذلك - على سبيل المثال - أن كتاب كفاحي وإن كان القانون لا يمنع أن يباع منه نسخة مقروءة، إذا وجدت مثل هذه النسخة منه عند بائع الكتب، تعرضه لتهمة اليهودية بغير تردد

ولا يجهل أحد القانون الذي صدر في ألمانيا بإلزام كل شخص يريد الزواج باقتناء نسخة من كتاب (كفاحي)، ولكن الذي لا يعرفه الأكثرون أن هذه النسخة يجب أن تدفع ثمنها الحكومة. وبهذه الوسائل تتمشى الدعاية والمنفعة جنباً إلى جنب. فبينما لا يكلف الفوهرر رعاياه بنساً واحداً نظير خدماته بطريق مباشرة يتقاضاهم مبلغاً يتراوح بين 150000 و200000 بطريق غير مباشرة

على أن للفوهرر امتيازات أخرى غير هذه؛ فمن البديهي أن كل ما يحتاجه أو يستعمله في حياته الخاصة تلزم بدفعه الحكومة

أما موسوليني فيتقاضى من الحكومة 1500 جنيه في السنة، ولكنه يربح من الصحافة أضعاف هذا المبلغ؛ فهو يستغل باسمه صحيفة (بوبولو ديتاليا) وقد أصبح كل إيطالي يقرأ هذه الصحيفة لعلمه بأنها صحيفة الدتشي. وتقوم الحكومة بدفع مصاريفه الخاصة - كهتلر - فهو لا يحتاج إلى إنفاق شيء من ماله الخاص

ولعل أفقر الدكتاتورين هو ستالين. ويقال إنه يتقاضى 80 جنيهاً في العام. أما المبلغ الحقيقي الذي يتقاضاه فمن المحتمل أن يكون 500 جنيه على وجه التقريب

على أنه ليس لديه ما ينفق فيه هذا المبلغ، فالحكومة تقوم بدفع الثمن لكل ما يحتاج إليه