مجلة الرسالة/العدد 328/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 328/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 328
المسرح والسينما
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 10 - 1939



من التاريخ:

النهضة المسرحية في مصر

ونصيب الفرقة القومية منها وواجبها حيالها

الفصل الأخير:

كانت هزيمة المسرح على يد سادته وأبطاله هزيمة منكرة، هبطت بهم إلى الحضيض، ورجعت به إلى الوراء عشرات السنين، ولم يبق بد من أن يعهد بالمسرح إلى غير هؤلاء الأبطال الذين نصبوا أنفسهم سادة في مملكته. كان لابد من إنقاذ المسرح وأهله معه بأية وسيلة من الوسائل، ولقد وجدت الوسيلة واقتنعت الحكومة بها فأنشأت هذه الفرقة التي ما تزال قائمة بيننا، وعهدت بها إلى رجل لا ننكر فضله كأديب وشاعر، بيد أنا ننكر صلته بالمسرح، تلك الصلة التي تجعل منه خير من يضطلع بهذه المهمة العظيمة. هذا إلى أنه رجل مشغول بغير المسرح من الشئون؛ فلم يكن الاختيار موفقاً على أي حال. فالمسرح يريد واحداً من رجاله الذين بلوه أعظم البلاء، والذين امتحنتهم خشبة المسرح وعركت أعوادهم فوجدتها من اصلب الأعواد وأشدها قوة وعزماً وحزماً. أما الشعراء، وأما أصحاب الكفايات في الأدب والكتابة فلن تؤهلهم هذه الكفايات والمميزات لهذه المهمة، وقد تؤهلهم لخدمته بوسائل أخرى غير سيادته والتحكم في شؤونه.

على أن مدير الفرقة ليس وحده المسئول عن هذه الهزيمة الجديدة للمسرح، فإن إلى جانبه لجنة عهد إليها باختيار الروايات، فإذا اعتبرناها مسئولة عن عملها، وليس فيها إلا رجل واحد يصلح لهذه المهمة، فإننا نظلمها ظلماً مبيناً! إنها لجنة تتكون من أعضاء من ذوي الكفايات الأدبية والعلمية، لكنهم كما هو الحال مع المدير، ليست لهم صلة بالمسرح تجعلهم أحق الناس بهذه المهمة، بل لعل هذه الكفايات والمميزات التي لهم تجعلهم آخر من يصلح لها. ذلك لأن المسرح فن، وإن كان يعتمد على غيره من الفنون، إلا أن من يصلحون له يجب أن يكونوا من طراز خاص. فالمسرح يعتمد على الكتاب والأدباء والموسيقيين وغيرهم، بيد أن أحداً من هؤلاء قد لا يصلح لمهمة قيادته وسيادة شئونه، وقد يصلح له ممثل أو مخرج أو مؤلف مسرحي أو ناقد، وقد يكون هؤلاء أقل ثقافة وعلماً من أولئك الجهابذة العلماء، بيد أن روحهم الفنية الملهمة تحوطهم بسياج من القوة، وتمنحهم إحساساً فنياً مرهفاً وتجعلهم من اصلح الناس لتوجيه هذه الشئون!

قلنا إذن: إن مدير الفرقة لا يصلح لقيادتها، لأنه غريب عنها، ولو أنه أديب وشاعر. وقلنا: إن لجنة القراءة ليس فيها إلا رجل واحد صالح، على أنه مشغول هو أيضاً ولديه من المهام ما هو في نظره أجل وأسمى خطراً من المسرح، ومن ثم، فقد ساءت إدارة الفرقة، وساء اختيار الروايات؛ وفي نفس الوقت نرى جماعة الممثلين والمخرجين، وقد اطمأنوا إلى أرزاقهم، قد تركوا الحبل على الغارب، ولم يعد يشغلهم إلا قبض المرتب في أول الشهر، وإلا الإشاعات التي تدور حول الفرقة وتتناثر هنا وهناك، وإلا الزلفى إلى هذا والتقرب إلى ذاك. أما إجادة العمل فهي في المحل الأخير إن لم يكن لا محل لها من تفكيرهم!

هل نجد ما نقوله بعد ذلك إلا أن نكون مكررين لما قيل مئات المرات وكتب في الصحف وتحدث به الناس؟

يكفي أن نضرب مثلاً لشعور الفرقة بتفاهة مجهودها أنها وقد عرضت لها فرصة تقديم بعض بضاعتها أمام مليك البلاد لم تجد ما تقدمه سوى رواية (المتحذلقات) وهي فكاهة صغيرة من الأدب الغربي ذات فصل واحد!

وثمة مثل آخر، فقد دعت الفرقة أعضاء مجلس النواب لتشهدهم على أحقيتها في استمرار صرف الإعانة التي أوشكت أن تطير، دعتهم ليشاهدوا المهزلة الكبرى التي وقعت في إخراج (الجريمة والعقاب) فخرجوا ساخطين متبرمين، ولولا بقية من أمل لطارت الإعانة وطارت معها الفرقة!

ماذا نقول أيضاً، وهل نعتبر هذه الكلمة الفصل الأخير في مأساة الفرقة القومية أم أنه ما تزال هناك فصول كثيرة تستحق كثيراً من الضحك وكثيراً من الرثاء؟

(للكلام بقية)