مجلة الرسالة/العدد 33/الوزير مؤيد الدين بن العلقمي

مجلة الرسالة/العدد 33/الوزير مؤيد الدين بن العلقمي

مجلة الرسالة - العدد 33
الوزير مؤيد الدين بن العلقمي
ملاحظات: بتاريخ: 19 - 02 - 1934



هل غدر بأمته وخليفته؟

إن موضوع الخيانة العظمى التي تتهم جمهرة المؤرخين هذا الوزير بها موضوع دقيق، اذ ليس لدى من يعرض لهذا الحادث التاريخي المهم الادلة الكافية التي تخرجه بنتيجة حاسمة لا جدل فيها ولا مغالطة، وكيف يتسنى لكاتب ان يصل لحقيقة تحيط بها الشكوك وتكتنفها الظنون؟ لأن ما يظهره بعض من كتبوا او قل تعرضوا لهذا الأمر الخطير من ميل مع هوى النفس وخضوع للعواطف يزيد في التحير والتشكك. زد على هذا وقوع هذا الحادث في فترة فوضى واضطراب استولى الرعب فيها على مشاعر الناس، وكيف لا وهي فترة تقتيل وتشريد وتحريق وتدمير. وفي احوال كهذه يجب الشك، ويلزم الحذر والتنبه لاكثر ما يروي عما يقع عادة في خلال هذه الاحوال المضطربة، لأن الفزع والذعر يخرجان المرء عن الطبيعة الهادئة المتروبة التي تتطلبها رواية الحوادث ولا سيما الهامة منها، فالاضطراب والتشويش صنوان متعانقان فضلاً عن رواج سوق الشائعات، ولا سيما الباطلة منها في اوقات الانقلابات والاحداث السياسية المهمة، وسأضع الآن بين أيديكم ما تقوله المصادر الأولية عن هذا الحادث، مبتدئاً بالمصادر حسب اوليتها، وبعد ان افرغ من ذلك سأحاول جهدي المقابلة بين المصادر، ثم نقد مواطن الضعف في كل مصدر. وأبدأ بما يقوله ابن الطقطقي في صدد الكلام عن مخامرة الوزير (ونسبة الناس انه خامر. وليس ذلك بصحيح. ومن أقوى الأدلة على عدم مخامرته سلامته في هذه الدولة، فان السلطان هلاكو لما فتح بغداد وقتل الخليفة سلم البلد الى الوزير وأحسن اليه وحكمه، فلو كان قد خامر على الخليفة لما وقع الوثوق اليه).

وبعد أن ينتهي من هذا البرهان يذكر لنا روايته عن تصلب الوزير واصراره على عدم الخروج الى هلاكو. ويروي المؤرخ هذه الرواية عن ابن أخت الوزير، ومألها أن الخليفة طلب وزيره وقال له (قد أنفذ السلطان بطلبك، وينبغي أن تخرج اليه، فخرج الوزير من ذلك، وقال يا مولانا اذا أخرجت فمن يدير البلد ومن يتولى المهام؟ فقال له الخليفة لابد من أن تخرج. قال فقال السمع والطاعة، ثم مضى الى داره وتهيأ للخروج ثم خرج. . فلما حضر بين يدي السلطان وسمع كلامه وقع بموقع الاستحسان. . . . فلما فتحت بغ سلمت اليه والى علي بهادر الشحنة فمكث الوزير شهوراً ثم مرض ومات رحمه الله في جمادي الأولى سنة ست وخمسين وستمائة)

اما ابو الفدا فيقول في كلامه عن استيلاء التتر على بغداد وسبب مجيئهم (ان وزير الخليفة مؤيد الدين بن العلقمي كان رافضياً، وكان اهل الكرخ ايضاً روافض، فجرت فتنة بين السنية والشيعة ببغداد على جاري عادتهم فامر أبو بكر ابن الخليفة وركن الدين الدوادار العسكر فنهبوا الكرخ وهتكوا النساء وركبوا منهن الفواحش فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي وكاتب التتر واطمعهم في ملك بغداد) وبعد ان يذكر ما وقع بين جند الخليفة وجند السلطان وتغلب السلطان وتقدمه لحصار بغداد (خرج مؤيد الدين الوزير ابن العلقمي الى هولاكو فتوثق منه لنفسه وعاد الى الخليفة المستعصم وقال إن هلاكو يبقيك في الخلافة كما فعل بسلطان الروم ويريد ان يزوج ابنته من ابنك أبي بكر، وحسن له الخروج الى هلاكو فخرج اليه المستعصم في جمع من اكابر اصحابه فانزل في خيمة ثم استدعى الوزير الفقهاء والاماثل فاجمتع هناك جميع سادات بغداد والمدرسون، وكان منهم محي الدين بن الجوزي واولاده وكذلك بقى يخرج الى التتر طائفة بعد طائفة، فلما تكاملوا قتلهم التتر عن آخرهم)

ويجيء بعد ابي الفداء ابن الوردي وهو يأخذ عن ابي الفدا احياناً بالحرف، ولولا انه ذكر اشياء لم يذكهرا ابو الفدا لاغفلت ذكره، وهو بعد ان يذكر ما ذكره ابو الفدا عن فتنة بغداد وما ارتكب من الامور الشنيعة، وان ابن العلقمي ارسل الى هولاكو يستقدمه

يورد نص الرسالة التي ينفرد بذكرها فيقول (وكاتب التتر واطمعهم في بغداد وطمع الخبيث الغوي في اقامة خليفة علوي) (قلت) وكتب ابن العلقمي وكتب ابن العلقمي الى وزير اربل يطلعه على ذلك في رسالة (منها) أنه قد نهب الكرخ المكرم وقد ديس البساط النبوي المعظم وقد نهبت العترة العلوية واستؤسرت العصابة الهاشمية وقد حسن التمثيل بقول شخص من غزيه

امور تضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها اللبيب

قد عزموا على نهب الحلة والنيل، بل سولت لهم أنفسهم أمراً فصبر جميل.

أرى تحت الرماد وميض نار ... ويوشك أن يكون لها ضرام ومنها:

وزير رضى من حكمه وانتقامه ... بطى رقاع حشرها النظم والنثر

كما تسجع الورقاء وهي حمامة ... وليس لها نهى يطاع ولا أمر

(فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)

ووديعة من سر آل محمد ... أودعتهاا إن كنت من أمنائها

فاذا رأيت الكوكبين تقارنا ... في الجدي عند صباحها ومسائها

فهناك يؤخذ ثار آل محمد ... وطلابها بالترك من اعدائها

وكن لما أقول بالمرصاد، وتأول أول النجم واحرص) ثم يقول في شأن الرسول وكيف أرسل بالرسالة الى هلاكو (فارسل ابن العلقمي الى التتر أخاه يستدعيهم فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم (قلت) أراد ابن العلقمي نصرة الشعية فنصر عليهم، وحاول الدفع عنهم فدفع اليهم، وسعى ولكن في فسادهم، وعاضدو لكن على سبي حريمهم وأولادهم، وجاء بجيوش سلبت عنه النعمة، ونكبت الامام والأمة، وسفكت دماء الشيعة والسنة، وخلدت عليه العار واللعنة) ثم يقول عن عاقبة الوزير: وفيها أي في سنة 656هـ (توفى. . . والوزير المتبر مؤيد الدين محمد بن محمد العلقمي الرافضي، قرر مع هلاكو أموراً فانعكست عليه وعض يده ندماً وصار يركب اكديشاً فنادته عجوز يا ابن العلقمي هكذا كنت تركب في أيام المستعصم؟ ووبخه هلاكو آخراً فمات غماً وغبناً لا رحمة الله ومات ابنه بعده) أما صاحب فوات الوفيات فيذكر ان الوزير ظل مخلصاً للأستاذه حتى وقع بينه وبين الدوادار ما وقع من اختلاف، فعضدت الحاشية الدوادار فضعف أمر الوزير فرفعته الضغينة والحقد ان يسعى في ادالة الدولة فأخذ (يكاتب التتر الى ان جرأ هلاكو على أخذ بغداد وقرر مع هلاكو أموراً انعكست عليه وندم حيث لا ينفعه الندم، وكان كثيراً ما يقول. وجرى القضاء بعكس ما املته، لأنه عومل بانواع الهوان من اراذل التتر والمرتدة) ثم يستمر ابن شاكر في حديثه فيروي لنا كيف ابلغ الوزير رسالته الى التتر، فقد ابتدع خطة جهنمية قد لا تخطر لانسان فيقول المؤرخ (وحكى انه لما كان يكاتب التتر تحيل الى ان أخذ رجلاً وحلق رأسه حلقاً بليغاً، وكتب ما اراد عليه بالابر ونفض عليه الكحل وتركه عنده الى ان طلع شعره وغطى ما كتب فجهزه وقال اذا وصلت مرهم بحلق رأسك ودعهم يقرأون ما فيه. وكان في آخر الكلام (قطعوا الورقة) فضربت عنقه وهذا غاية في المكر والخزي) أما عن نهاية الوزير فيروي انه مات بعيد استيلاءالتتر على بغداد بتأثير الغنم والغيظ على ما أصابه من التتر في سبيل انتقامه من الدوادار ومشايعيه ويقول ابن خلدون في كلامه عن هلاكو (وقصد قلعة ألموت وبها صاحبها علاء الدين فبلغه في طريقه وصية ابن العلقمي وزير المستعصم ببغداد في كتاب ابن الصلايا صاحب اربل يستحثه للسير الى بغداد ويسهل عليه امرها لما كان ابن العلقمي رافضيا هو وأهل محلته بالكرخ، وتعصب عليهم أهل السنة بان الخليفة والدوادار يظاهرونهم، وأوقعوا باهل الكرخ وغضب لذلك ابن العلقمي ودس الى ابن الصلايا باربل وكان صديقاً له بان يستحث التتر للملك بغداد، وأسقط عامة الجند يموه بانه يصانع التتر بعطائهم، وسار هلاكو والتتر الى بغداد) وبعد أن يذكر فظائع التتر ببغداد وما قتلوا من أنفس أحصى عددها فبلغ المليون والثلاثمائة ألف يقول (. . . واستبقى ابن العلقمي على الوزارة والرتبة ساقطة عندهم فلم يكن قصاى أمره الا الكلام في الدخل والخرج متصرفاً من تحت آخر أقرب الى هلاكو منه فبقى على ذلك مدة ثم اضطرب وقتله هلاكو)

ويقول دحلان في كلامه عن مجيء التتر (وكان من أعظم الاسباب أن ابن العلقمي وزير المستعصم كان رافضيا وكان يريد نقل الخلافة من العباسيين الى العلويين فكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد. . أما ابن العلقمي فلم يتم له ما أراد وذاق من التتر غاية الذل والهوان، فان هلاكو استدعاه بين يديه وعنقه على سواء ما فعله مع أستاذه، ثم قتله شر قتلة، وقيل إ ' نه مات حتف أنفه غماً وكمداً)

فرحان شبيلات

الجامعة الامريكية (بيروت)