مجلة الرسالة/العدد 33/وحشة
مجلة الرسالة/العدد 33/وحشة
للاستاذ محمود الخفيف
// ليس يمحو الوجدَ من قلبي الحزين ... كلُّ ما في الكون من آي الجمال
يتأسى كل قلب بعد حين ... ما لقلبي بات مفقود المثال؟!
شفه طول الحنين ... وتباريح الخيال
واغتدى بعد اليقين ... بين يأس واحتمال
أظلم الكون وقد كان سناه ... مشرقا في النفس اشراق الأمل
نبه القلبَ لأكدار الحياه ... وحشة تبعث في قلبي الوجل
حار قلبي في هواه ... والهوى أصل الخبل
ويحه ماذا دهاه ... فبكى بعد الجذل؟
تبسم الأزهار للصبح الوليد ... وتغنى الطير الحان السَّحر
ويلوح النور في الأفق البعيد ... فيهز البشر أعطاف الشجر
والندى در نضيد ... فوق أكمام الزَّهر
هل يرى قلبي الشريد ... حسن هاتيك الصور؟
تشرق الشمس لا أرى معنى ... يبهج النفس من معاني ضحاها
لا، ولا البدر اذ يسير الهويني ... باعث في النفس أحلام مناها
واذا العصفور غنى ... ذكرت عيني بكاها
واذا الغصن تثنج ... هيج النفس شجاها
تدمع العين برغمى أن أرى ... في ظلال الريف مغنانا الوسيم
كان مرعى اللهو فيه ناضرا ... عاطر الأنفاس مطلول الأديم
مالعيني لا ترى ... حسن مرآه القديم؟
يتراءى مقفرا ... والأسى فيه مقيم!
أسأل الدوحة عنها ذاهلا ... وأطيل السير في جنب الغدير
ثم أمضي بعد حين قافلا ... تخفق اللوعة في قلبي الكسير
أتناجى قائلا ... بين دمع وزفير كيف ولى عاجلا ... ذلك العيش الغرير؟
صرت لا أقوى على غشيانه ... ان في مرآه الوان الشجن
وكأن الورق في أفنانه ... تشتكي مثلي تصاريف الزمن
هل سوى سلوانه ... لفؤادي من سكن؟
أو سوى هجرانه ... لغريب في الوطن؟
زمن الوصل تقضى مثلما ... يتقضى في الكرى حلم بديع
وتولت بهجة العيش كما ... يسقط الزهر اذا ولى الربيع
ويح نفسي أكلما ... ذكر الشمل الجميع
بات مضنى هائما ... ذلك القلب الصديع
أترى تذكر (أيدا) عهدنا ... أم تناسته وقد طال الغياب
نفِس الدهر علينا صفونا ... وكذا الدهر نعيم وعذاب
كم حبسنا دمعنا ... ما شكا البينَ الصحاب
وارتقبنا يومنا ... في وجوم واكتئاب
اقرإي هذا وحسبي سلوة ... أن ترى عيناك هاتيك الدموع
خانني عزمي ففاضت عنوة ... وأخو الشوق لدى الذكرى جزوع
فاغفري لي صبوة ... لم تجئ بعد شروع
ولقلبي وثبة ... أشفقت منها الضلوع