مجلة الرسالة/العدد 333/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 333/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 11 - 1939



في كلية الآداب

1 - جاءني صديق يدرس علماً من العلوم العقلية في كلية الآداب، جاءني يشكو. وهذا الصديق كان زميلي أيام التحصيل في جامعة باريس.

قال صديقي: أتدري ما يجري عندنا؟ قلت: خيراً! قال: إن أحد المدرسين من الأجانب لا يقنع بما تم له في جانب التدريس بفضل سعي مستشرق كبير، فها هو ذا يتلطف ليظفر بإدارة شؤون مكتبة الجامعة. وأعجب من هذا أنه يتلمس من الكلية استقدام زميل له شاب من أوربة، فيقول إنه من ذوي البسطة في اللغة العربية ومن أهل النظر في الاستشراق، وإنه لا غنى للكلية عنه في تلقين الطلبة (مناهج البحث في المشرقيات). ومما يورث الأسف أن آذان (قسم اللغة العربية) في الجامعة قد نشطت إلى هذه الأقوال. ولو تدري يا صديقي أن هذا العالم الشاب - واسمه سلومون بينيس - قد عرفناه في باريس قلت: لا أذكره. قال: إنه ذلك اليهودي اللتواني، وفي منطقه عِي. قلت حقاً لا أذكره؛ ألا تخبرني عن كفايته؟ قال: إنه لا يحمل سوى شهادة الدكتوراه من ألمانيا، وأنت تدري أن الدكتوراه الألمانية ليست بشيء يذكر إذ المعول عليه هنالك شهادة (الهابليتاتسيون)، وما الدكتوراه إلا في مرتبة (الليسانس) الفرنسية. قلت: هل ألّف الرجل شيئاً فنُعظم فهمه ونكبر عرفانه؟ قال: إنه صنَّف رسالةً في الفلسفة الإسلامية لم يشقَّ بها أفقاً ولم يكشف عن سر، فهو ممن يجري ويُجرى مَعَه. بالله خبِّرني: أكلُّ من خطر له أن يسقط إلينا يصيب الأذرع إلى العناق مشتاقة؟ ثم ماذا أقول عن هذا، وماذا يقول إخواني وجلُّهم من زملائي الباريسيين أو البرلينيين؟ إنَّ في مصر غير واحد ممن حصل في أوربة فن الاستشراق ومارسه وألَّف فيه وظفر برضا أهله وإعجابهم، وذلك فضلاً عن أن العربية لغتنا فقدُمنا فيها أثبت وبصرنا بها أعلى).

إني أنقل شكوى الزميل، وأملي أن يكون حديثه وهما من الأوهام.

2 - في كلية الآداب (معهد الدراسات الإسلامية) وهو اسم واقع على شيء غير موجود، بل على خزانة كتب (وهي غير وافية فلقد شكا إلى بعضهم أن ليس فيها (كتاب الشعر) لأرسطو، ترجمة أبي بشر متي بن يونس).

وقال لي قائل: إن الوزارة السابقة وقفت دون إخراج هذا المعهد من جانب القوة إلى جانب الفعل، وذلك دفعاً لفتنةٍ قد تقوم بين كليتين في هذا البلد. فانظر كيف تُفسد السياسة مسالك العلم.

إن معهداً للدراسات الإسلامية مما لا معدِل عنه لمصر. وقد فصلت ذلك في العدد الخاص لمجلة (المكشوف) البيروتية (10 يولية 1939) فلا أحب أن أعود إلى ما جاء هنالك. غير أني أذكِّر بعضهم أنْ ليس في مصر - وهي مصر - مجلة محض علمية موقوفة على مسائل الإسلام وشؤون العرب، على حين أن في بيروت مجلة (المشرق) وفي دمشق (مجلة المجمع العلمي العربي). وأما أوربة وأمريكة فمجلات الاستشراق تزيد فيها على الثلاثين. وأغرب من هذا أن للفرنجة في مختلف البلدان الإسلامية مجلات رفيعة الشأن، وقد ذكرت بعضها في (المكشوف).

3 - منذ تسعة أشهر أو نحو ذلك أُلِّفت في كلية الآداب لجنة لوضع المصطلحات الفلسفية باللغة العربية. وأعضاء هذه اللجنة طائفة من الأساتذة والمدرسين من مصريين وأجانب. واللجنة على قسمين: قسم للتحرير وآخر للعمل. وهذا القسم الثاني على شعب، وإحدى هذه الشعب إنما همها منصرف إلى تأليف معجم المنطق من طريق استخراج المصطلحات فالتنقيب عن أصلها اليوناني ثم الاهتداء إلى نظائرها في اللغات الإفرنجية الحديثة. ومما نوته هذه الشعبة طبع منطق كتاب الشفا لابن سينا طلباً للوصول إلى مصطلحاته وبذلها للمراجعين. هذا وأعمال سائر الشعب على ذلك النحو.

ولاشك أن مثل ذلك السعي محمود، فمن ورائه تُسد حاجات التعبير الفلسفي بقواعد صحيحة. ولاشك في أن جُل رجال تلك الشعب أهل اطلاع ومعرفة، وإن نُحِّيَ عنهم غيرهم من المشتغلين بمصطلح الفلسفة الإسلامية.

غير أن أعمال تلك اللجنة لا تزال حديثاً يُتناقل في أندية الثقافة العليا، وإن كان حديث صدق. مصداق ذلك أن شعبة معجم المنطق لم تقم في أثناء تلك المدة إلا بتصوير منطق كتاب الشفا وهو مخطوط. وهذا البطء في الإنجاز قد دعا بعض المستشرقين المتصلين باللجنة إلى أن يكتب إليها يستخبرها الخبر على ما انتهى إليَّ.

فعسى أن تمنع اللجنة الناس أن يقولوا إن مجمع فؤاد الأول للغة العربية أوفر نشاطاً من لجنة وضع المصطلحات الفلسفية في كلية الآداب.

بشر فارس

أعجب العجب

صديقنا الدكتور بشر فارس لا يسره كثيراً أن يعترف بالحق: فهو ينقل الجدل من ميدان إلى ميدان ليُنسيَ القراء موضوع الخلاف.

هو يقول بوجوب إلقاء الشعر كما يُلقى النثر، وأنا أقول إن الوزن من العناصر الأساسية في الشعر، ومن الواجب مراعاة ذلك عند الإلقاء.

هذا هو أصل الخلاف، فكيف استباح أن يعيد على سمعي مسألة بديهية تقرر أن الشاعر خير من الوازن؟ وهل يظن أن (زميله الباريسي) ممن تخفى عليهم البديهيات؟

ويقول: (إن الطرب لا يأخذ النفس اللطيفة من طريق الحس الظاهر) وهو في هذا الحكم من المخطئين: فالحواس هي أدوات النفس، ولكل صورة وجدانية أصل من الصور الحسية، وهذا بحثٌ مسهَب أودعته كتاب (التصوف الإسلامي) فلا أعود إليه: لأني أبغض الحديث المعاد، ولأني لا أحب أن أعود إلى درس هذا البحث من جديد، ولأن لمجلة (الرسالة) شواغل أهم من درس الموضوعات التي دُرست من قبل.

وأراد الدكتور فارس أن يداعب (زميله الباريسي) فسأله عن صحة (ليلى المريضة في العراق).

وأقول إن (ليلى) فوق التهكم والسخرية يا دكتور فارس فاتق الله في رأسك فقد يطيح في لحظة غضب إذا توهمت أنه يجوز المزاح مع الحب.

وتقل إني أردت أن أذيع فيكم أني مفتون بالجمال

فماذا تريدون! أتريدون أن أُفتن بالقبح كما تُفتنون؟

إن القاهرة لم تخلق فيكم شاعراً يصف أيامها الغُرِّ ولياليها البيض، وليس فيكم من تحدث عن شارع فؤاد كما تحدث طبيب ليلى المريضة في العراق، وهل ألهمتك باريس ما ألهمتْ صاحب كتاب (ذكريات باريس)؟

أحبك يا ليلى، وأحب من أجلك جميع اللائمين والعاذلين. ذكَّرتني يا بِشر بليلاي، فمتى أرى ليلاي؟ ومتى يهديك الله، أيها العذول؟!

زكي مبارك

1 - الروحانية، والفكرية

2 - اللفظة الإغريقية

1 - مما يُروى حاشية لمقالة المِعَن المِفَن الدكتور زكي مبارك الأديب المشهور في نعيم الجنة التي وُعد بها في الغد لا اليوم المتقون - خبر فرقة اسمها (الروحانية، الفكرية) تعجلت في الدنيا لذات وطيبات في الأخرى ولم تتمهل و (من طلب الشيء قبل أوانه مُنِي بحرمانه) وقد ذكر تلك الفرقة المستعجلة. . (أبو الحسين محمد بن أحمد الملَطي المتوفى سنة 377) في منصفه (كتاب التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع) وهو من الكنوز العربية التي أظهرها العربانيون - لا العربيون - منذ ثلاث سنين. وفيه من أخبار النحل ما فات كتبها المشهورة مثل مقالات الإسلاميين، والفِصَل، والملل والنحل، والفَرْق بين الفرَق.

قال الملطي: (ومنهم الروحانية وهم أصناف، وإنما سموا (الروحانية) لأنهم زعموا أن أرواحهم تنظر إلى ملكوت السموات وبها يعاينون الجنان، ويجامعون الحور العين، وتسرح في الجنة، وسموا أيضاً (الفكرية) لأنهم يتفكرون - زعموا - في هذا حتى يصيروا اليه، فجعلوا الفكر بهذا غاية عبادتهم ومنتهى إرادتهم، ينظرون بأرواحهم في تلك الفكرة إلى هذه الغاية، فيتلذذون بمخاطبة الإلهية لهم، ومصافحته إياهم، ونظرهم إليه - زعموا - ويتمتعون بالحور العين ومفاكهة الأبكار على الأرائك متكئين ويسعى عليهم الولدان المخلدون بأصناف الطعام وألوان الشراب، وطرائف الثمار. . . ولو كانت الفكرة في ذنوبهم الندم عليها والتوبة منها والاستغفار لكان مستقيما. وأما هذه الفكرة فبوبها لهم الشيطان لأنه لا يتلذذ بلذات الجنة إلا من صار إليها يوم القيامة، وهكذا وعد الله عباده المؤمنين والمؤمنات).

وذكر ذلك الكتاب صنفاً آخر (من الروحانية) أغرب من الصنف الأول وأنكر. . . قال: (ومنهم صنف من الروحانية - زعموا - أن حب الله يغلب على قلوبهم وأهوائهم وإرادتهم حتى يكون حبه أغلب الأشياء عليهم. فإذا كان كذلك عندهم كانوا عنده بهذه المنزلة ووقعت عليهم الخلَّة من الله؛ فجعل لهم السرقة والزنا وشرب الخمر والفواحش كلها على وجه الخلة بينهم وبين الله لا على وجه الحلال ولكن على وجه الخلة كما يحل للخليل الأخذ من مال خليله بغير إذنه، منهم رباح وكليب كانا يقولان بهذه المقالة، ويدعوان إليها. . . كذب أعداء الله وكيف يكون ذلك؟!).

إنه البشر حائر كيف يدين، حائر كيف يكون - لازال في حيرته! - وفي هذا الوقت في هذه (الكرة الأرضية) في هذه الاريضة الضيقة الضئيلة الحقيرة التي هي من ذنبات الشمس - أكثر من أربعة آلاف نحلة كما يقول جيو في كتابه ? ' (وكل يعظم دينه) ويقول: إن الحق عندي، والحق يسخر منهم.

ألاَ (إن الدين عند الله الإسلامَ) الصحيح.

2 - مقالة الباحث المفضال (الأستاذ محمد عبد الله العمودي) في الجزء (327) من (الرسالة الهادية) - مكتز بالفوايد، كشاف عن حقائق وسؤال منشيه حاذقي الإغريقية واللاطينية عما لا يدريه ولا ندريه من براهين فضله.

وقد تعديت في (كلمتي) السابقة البحث عن تلك اللفظة الإغريقية، وتركت مجادلة النابز في نبزه - إن كان يعني ما يعني - لأني إنما قصدت أن أبث ما بثثته، وأشكو - وقد ضيم العرب في كل إقليم - إلى سيدي (رسول الله) ما شكوته.

وأقول في هذا المقام في حكاية ذلك النبز: إن العربية الحرة ما أَمَت أو تأمت في حين. وإن لم تكن - يا أخا العرب - عِزوةٌ من العِزَواتُ التي خطها مؤرخون ولم يُحقها باحثون؛ فإن عربية محمدية إليها ننتمي لتتضاءل بل تضمحل قدامها في الكون كل نسبة.

(ن)

جوائز نوبل لسنة 1939

منحت جائزة نوبل الأدبية لسنة 1939 إلى الكاتب والأديب الفنلندي فرانز إميل سيلانبا.

ونالها في الطبيعة البروفسور أرنست أورلاندو لورانس الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، مكافأة له على اكتشاف السيكلوترون وتحسينه والنتائج التي أمكن الحصول عليها بواسطته، وخاصة فيما يتعلق بالعناصر الصناعية في محطات الإرسال الأثيرية.

أما جائزة نوبل للكيمياء في سنة 1939 فقد نالها الأستاذان بوتناندت الأستاذ بجامعة برلين، وروزيسكاتوف الأستاذ بجامعة زوريخ.

وقد كانت جائزة الكيمياء لسنة 1938 مؤجلة، فمنحها في هذا العام البروفسور كوهن الأستاذ بجامعة هيدليرج.

وقف دور انعقاد مجمع فؤاد الأول للغة العربية

أصدر حضرة صاحب المعالي وزير المعارف القرار الوزاري الآتي:

بعد الاطلاع على محضر الاجتماع الذي عقد في يوم 2 نوفمبر سنة 1939 من بعض أعضاء (مجمع فؤاد الأول للغة العربية) بشأن دور الانعقاد في هذا العام.

وبعد نظر المادة التاسعة من المرسوم الملكي الصادر في 14 شعبان سنة 1351 (13 ديسمبر سنة 1932) بإنشاء (مجمع ملكي للغة العربية).

من حيث أنه يتبين من مجموع الكتب الواردة في هذا الصدد من الأعضاء الأجانب أنه لا ينبغي الاطمئنان إلى توافر العدد الذي يكفل عقد جلسات المجمع في هذا العام.

ومن حيث أن التوجه بالدعوة مع ذلك إلى هؤلاء الأعضاء على وجه خاص، من شأنه أن يجشمهم مشقة السفر والتخلي عن الأعمال التي يعالجونها في بلادهم لو قدر لهم القرار فيها في هذه الفترة. هذا على حين لا يكفل عقد جلسات المجمع، لقلة العدد أو على الأقل انتظامها على فرض اكتمال الحد الأدنى الذي أوجبه المرسوم لصحة الانعقاد

المادة الأولى: وقف دور الانعقاد (لمجمع فؤاد الأول للغة العربية) هذا العام (1939 - 1940).

لمادة الثانية: على رئيس (مجمع فؤاد الأول للغة العربية) تنفيذ هذا القرار.

الأمير شكيب أرسلان في برلين

قالت جريدة (النهار) البيروتية:

اعتاد المذيع العربي في راديو الشرق أن يرد على أكاذيب المذيع العربي في راديو برلين على أثر تلاوة نشرة الأخبار المسائية. وقد تولى مساء الأربعاء تفنيد مزاعم راديو برلين التي طلعت بها على العالم العربي لمناسبة وصول الأمير شكيب أرسلان إلى العاصمة الألمانية والحفاوة التي قوبل بها.

وقد علقت الصحف السويسرية على زيارة الامير، فقالت إن رئيس الدعاية النازية اقترح منح الأمير شكيب لقب مواطن شرف الريخ، ولكن هتلر رفض العمل بهذا الاقتراح بحجة أن الزائر من الجنس السامي ولا يجوز أن يمنح لقباً يجعله في مستوى أبناء الريخ.

وإزاء إلحاح رئيس الدعاية رضي هتلر بمنح الأمير لقب مواطن شرف على أن يرأس الحفلة رجل غير آري فوقع الاختيار على البارون اليهودي اربنهايم الذي كان يرأس دوائر الاستخبارات في البلاد العربية في الحرب العظمى.

حول صوت من ألف عام

حمدنا الأستاذ الاعظمي قيامه ببعث ديوان الأمير تميم وإمتاع الناس به وإتحاف قراء الرسالة ببعض شعره، ولكن هل كان أفضل شعره ما عرض فيه للعباس وعبد الله بن عباس في قصيدة الرد على ابن المعتز؛ وهل ثم ضرورة داعية إلى هذا وشعر ابن المعتز في هذا الوجه لا يكاد ينتبه إليه أحد لإعراض الناس عن هذه المفاضلات السياسية التي كانت لها مناسبات درست؟ ولقد كان العباس وعبد الله بن العباس وعلي والحسين أسرة واحدة وبينهم من الحرب والتناصر ما التاريخ ممتلئ به، فما بالنا اليوم نثير فتناً حمدنا الله على موتها؟ والعجب أن الأستاذ الاعظمي قائم على جماعة الأخوة الإسلامية والدعوة لها، فهل تقوم الأخوة على تذكير الناس بهذا الجانب الطائفي من الماضي السحيق؟

محمد علي النجار

مدرس بكلية اللغة العربية