مجلة الرسالة/العدد 337/بنت القرية

مجلة الرسالة/العدد 337/بنت القرية

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 12 - 1939



للأستاذ محمود الخفيف

أنا بنتُ الشمسِ والفجرُ أبي ... شيِّع النَّجمَ وراقِبْ مطلعي

كمْ سبقتُ الصبْحَ في طلعتِه

وسرَقتُ السِّحرَ منْ غُرتِه

وفمي كمْ صاغَ من بَسمته

أيُّها السائلُ هذا نسَبي ... مثلَ ذا فاطلبْ وإلا فَدَعِ

مِنْ جُمانِ الطَّلِّ عِقْدي انتظما

ولَكمْ صُغتُ بِليْلِي الأنجُما

وأخي البَدْرُ رَوَى لي حُلُما

أينَ مِن رُؤيايَ سِحرُ الذَّهبِ ... ومعاني السِّحرِ والطُّهرِ معي؟

لَستُ أُحصي مَنْ هَوَوْني عَدَدا

ثمَّ لم أُشرِكْ بِقَيسي أحدا

لا ولا أرخصتُ حُبِّي أبداً

بسمةٌ منهُ قصارَى طَلبي ... وهواهُ العفُّ أقصى مطمعي

أنا أغلى عندهُ من ناظِريْه

وهوَ؟. . . هل أبخلُ بالرُّوح عليه؟

إن يَشَأُ جُدْتُ بها بَين يَديْه

طيفُ أحلامِي ودُنيا طرَبي ... وشذا رُوحي وريَّا أضلُعي

أَمَلي. . . هل دونه مِن أملِ؟

وغَداً لَيسَ سِواهُ موْئِلي

أيُّ شيءٍ قُربه لم يكُ لي؟

كلما غازلني مِن كثَب ... لاحَ لي العهدُ الذي لم يُقطعِ

حُبُّهُ لحْنِيَ أيامَ الحَصادْ

وهُيامِي كلَّ يوْمٍ في ازدياد لا أُسمِّيهِ ولكنْ في الفُؤاد

شخصُه منذُ زمانِ اللَّعبِ ... يُنبِتُ الحُبَّ بهذا الموضعِ

إنْ جفانِي في منامي طَيفُه

أوْ رَنا يوْماً لِغيْري طَرفُه

أوْ تجنَّى فتَوَالى خُلْفُه

شاعَ في جِسْميَ بَرْحُ اللهبِ ... وجفا جَنْبِيَ فيه مَضجعي

يا ابنةَ الرِّيفِ هوايَ افتَضَحا

فِيكِ كم سَفَّهْتُ غِرّاً نَصَحا

ما انجَلَى رأييَ إلا رَجَحَا

ليتني قَيْسُكِ هذا أَرَبي ... لستُ بالعابثِ أو بالمدَّعي!

تنبتُ الزَّهرَةُ فَوْقَ الجبلِ

مِثلَما تنبتُ عند الجدوَلِ

إنْ تفُزْ هذِي بماءٍ سَلْسَلِ

حسب هاتيك دموع السُّحب ... ومن الصبحِ ندِيُّ الأدمعِ

زَهرةٌ أنتِ ترُوعُ الناظِرِينْ

فوقَ خَدَّيكِ وفي هذا الجبينْ

لَمحَةُ الوَرْدِ وطيْفُ الياسَمِينْ

ووَميضٌ كوميضِ الشُّهب ... ملَء عينيكِ سَنِيُّ الموْقِع

املِكِي. . . مَنْ يَمتلكْ هذا الجمالْ

حازَ ما لنْ يُشتَرَى يوماً بمال

الجَلالُ الحقُّ في هذا الجَلال

لا تقولي قد تَدَلّى حَسَبي ... لن يَضيرَ الشمسَ قرْبُ المطلع

إيهِ بنتَ الشمسِ أُختَ القمَرِ

يا خيالِي في لَيالِي السَّمَرِ

ونَصيبي من غِناءِ الوَتَرِ بَدِّدِي بالسِّحر وهْمَ الحِقَب ... وابزغي كالشمس وارقيْ واسطعي

أسْفري كالصُّبح نُوراً وابتسامَا

واخطُري كالغُصنِ مَيْساً وَقَواما

وامْلأِي دُنياكِ سِحراً وَهُياما

أبْلغي بِالحسن أعلى الرُّتبِ ... فذُبولِ الحُسنِ في أن تَقْنعي

أينَ في غَيرِ الحِمى هَذا القوام؟

أعَلى حُبِّكِ ذو لُبٍ يُلام؟

بَعضُ صُنع النِّيل هذا الانْسجام

أينَ مِنْ لحَظِكِ بنتُ العنبِ ... كدتُ من سحري به ألا أعي!

كمْ سقانِي الخَمرَ في لفْتَتهِ

فَمضَى قَلْبيَ فِي سَكْرتِهِ

وَيْحَهُ. . . كمْ هِمتُ في فِتنتهِ

كم رَوَى لي من حَديث عجبِ ... ثمَّ نادَى مُهجتي: لا تهجعي!

صَدرُكِ النَّاهدُ يَسِبي الأعيُنا

أبْلَغُ الفتنةِ والسِّحرِ هُنا

لم تَزَلْ لِلسِّحرِ مِصرُ الموْطِنا

مُنذُ (نِفريتيتَ) لم يغتربِ ... عن ثَرى الوادي البهيج الممرعِ

أُختُ بَطليموسَ سِحرُ القيْصريْن

لَمْ تَرِثْ فِتنَتها عَنْ أبَويْن

حُسنُها للنِّيل دَينٌ أيُّ دَيْن

لِسَوَى وَادِيهِ لم يَنتسبِ ... فاتَ مِنْ يونانَ ما لمْ يَرجع

يا ابْنةَ النِّيل نَميرُ النِّيل غالي

إمْلأِي الجَرَّةَ مِنْ هَذا الزُّلاَلِ

حَدِّثِي الضفَّةَ عِنْ خَطو الغَزال

آهِ كم طفتُ بها من كثَبِ ... أُطفئ الشَّوقَ بِقلبٍ مُولعِ نظرَاتٌ بَدَأتْ في خَافِقِي

أبداً لم أعْصِ فيها خالِقي

مِلْؤها كلُّ شُعُورٍ صادِق

صَلَواتٌ لم تُحَطْ بالرِّيَبِ ... في جَنانِي لِلعِليِّ المبدِع

اكْشِفي عن هذه السَّاقِ الثيابا

ملَكَتْ لُبِّي ظهوراً واحتجابا

كيف يسهو من يرى هذا الإهابا؟

وَيْحَ خَلخالِكِ كم يصنعُ بي ... لكِ ما شئتِ فما شئتِ اصنعي

اجْتَلِي وجهَكِ في هذا النميرْ

فهْوَ مِرآةُ مُحيَّاكِ النَّضير

واضْحكِي فِي الماءِ لِلوجهِ الغريرْ

كم نفى الكرْبةَ عن مُكتّئبِ ... بِسناهُ العَبقرِيّ الأرْوعِ

أبْهَجَتْنِي صِبْغَةُ اللهِ بِهِ

إنْ زَكا الوَرْدُ فَهَلْ مِنْ مُشبِه

لِلْجنِيِّ المشتَهى مِنْ رَطْبِه؟

اخلعي كلَّ طِلاءٍ كذِبِ=لكِ مِنْ غاليهِ ما لنْ تخلعي

الخفيف