مجلة الرسالة/العدد 337/فنلندا أو سوومي

مجلة الرسالة/العدد 337/فنلندا أو سوومي

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 12 - 1939



أحدث أمة في أقدم أرض

للدكتور مأمون عبد السلام

تقع فنلندا بين خطي العرض 60 - 70 شمالاً وخطى الطول 19 - 23 شرقاً، فهي في أقصى المعمورة شمالاً، وجوها أدفأ من جو البلاد التي تقع شرقيها على نفس خط العرض بسبب تيار الخليج الذي يمر بها. فمتوسط الحرارة في أبرد شهور السنة خمس عشرة درجة تحت الصفر في لابلندا شمالاً، و5 تحت الصفر في المقاطعات الجنوبية، ومتوسطها في الصيف 17 مئوية في الجنوب و14 في الشمال. ويكسو الثلج الأرض نحو مائة يوم في الجنوب ومائة وخمسين يوماً في الوسط ومائتين وعرين يوماً في لابلندا شمالاً، ويتساقط على ساحلها الجنوبي خمس وعشرون بوصة من الثلج والمطر، ونحو أربع عشرة بوصة في داخليتها الجنوبية. وكثيراً ما يشتد البرد صيفاً فيتلف الصقيع محصولاتهم كما في صيف سنة 1867 إذ أتلف المحصول فمات مائة ألف مزارع في الشتاء والذي تلاه واضطر عدد كبير من الفلاحين إلى النزوح إلى المدن للاشتغال في المصانع ليدفعوا عن أنفسهم غائلة الموت جوعاً.

وفنلندا سابعة دولة أوربية من حيث المساحة التي تبلغ 150. 005 أميال مربعة. فهي أكبر من الجزر البريطانية بما فيها ايرلندا، وهذه المساحة موزعة كما يأتي:

11. 5 % بحيرات أي 16150 ميلاً مربعاً، وأكبرها بحيرة لادوجا التي هي أكبر بحيرة في أوربا، ويصب في هذه البحيرات نهيرات صغيرة تتكون منها تتكون منها شبكة نهرية في جنوب فنلندا كلها صالحة للملاحة ويتولد من تياراتها القوية كميات هائلة من الكهرباء.

و1 , 6 % من الجزر في البحيرات أي 2385 ميلاً مربعاً.

و1 , 3 % من الجزر في البحر أي 1968 ميلاً مربعاً.

والباقي وهو 85 , 6 % عبارة عن أرض قارية.

و73. 6 % من أرض فنلندا تكسوها الغابات و6. 3 % أرض زراعية.

وتقع فنلندا بين بحر البلطيق والبحار المتجمدة الشمالية، وتحيطها الأراضي الروسية والسويدية وجزء بسيط من شمال النرويج، فهي أقصى جمهورية في شمال العالم. وتحت على جزء كبير من لابلندا، وفي جنوبها الغربي على جزائر خليج فنلندا وأرخبيل ألاند، وبه ما لا يقل عن ستة آلاف جزيرة.

وأرض فنلندا عبارة عن عدة هضاب يرتفع بعضها إلى 3750 قدماً عن سطح البحر. وكان عدد سكانها في سنة 1751 نحو 429900 نسمة فارتفع إلى 832650 بعد خمسين سنة، ثم إلى 1. 636. 95 بعد مائة سنة، وإلى 2. 520. 437 بعد مائة وخمسين سنة، وأصبح 2. 712. 562 في سنة 1904. وقد بلغ الآن ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف نسمة منهم 88. 7 % فنلنديون يتكلمون اللغة الفينية، و10. 1 % فنلنديون يتكلمون السويدية ثم ثلاثة آلاف من اللابلنديين.

وديانة الفنلنديين المسيحية ومعظمهم 96. 2 % بروتستانتيون لوثريون و1. 8 % روم أرثوذكس، والباقون وهم 2 % يتبعون ديانات مختلفة.

وفنلندا من أقدم أراضي العالم من الوجهة الجيولوجية. ونظراً لكثرة ما فيها من المستنقعات سماها أهلها بلغتهم سوومي أو سوومنما؛ وسماها السويديون فنلندا أي أرض الفِن (بكسر الفاء وسكون النون) بمعنى المستنقع.

وكان يسكن هذه البلاد في الأصل اللابلنديون، فغزاهم أسلاف الفنلنديين الحاليين وأجلوهم عنها فرحلوا إلى أقصى الشمال حيث لا يزالون يعيشون في بيوت يزرعون بجوارها مساحات صغيرة من البطاطس ويقتنون بعض البقر. وهم يحبون الحياة المنزلية الهادئة ويتمسكون بأهداب الدين، فإذا مات أحدهم يحفظون جسمه في صندوق إلى أن ينزل الجليد فيذهبوا به إلى أقرب كنيسة للصلاة عليه. وهم لا يهتمون بالسياسة وما تجره من الحروب، فإذا اعتدى أحد على أراضيهم تركوها له من غير حرب.

وتعيش العائلة في حجرة واحدة مع كلابها. وغذاؤهم السمك ولحم الرنة المجفف وقليل من البطاطس ونبات الخضر الوحيد الذي ينمو في بلادهم واسمه العلمي أنجليكا أركانجيليكا وهو من فصيلة الينسون وله طعمه ورائحته فيأكلونه نيئاً أو مطبوخاً. وهم مشغوفون بشرب القهوة المحلاة بالسكر الكثير؛ وقد ألفوا شرب لبن البقر، وكانوا في الزمن السابق يشربون لبن الرنة.

ويملك اللابلنديون نحو مائتي ألف رأس من حيوان الرنة يخص أغناهم منها نحو ألف رأس، وهم يجمعونها في الشتاء ويطلقون سراحها للرعي في مايو فتسرح في الوديان للرعي وتذهب إلى العوالي في الليل هرباً من البعوض. ويعرف كل منهم قطيعه بما عليه من علامات الوسم.

وأول من اتصل بهؤلاء الناس راهب روسي اسمه تريفون في سنة 1550 فأسس دير بتشينجا فنشر الرهبان المسيحية بينهم وزرعوا الأشجار وربوا الماشية وشيدوا الكنائس على الساحل، وملحوا الأسماك وبنوا السفن وحفروا طلباً للمعادن وتاجروا مع أركانجل وأنقرس وأمستردام فكانوا يصدرون إليها أسماك السالمون الأحمر. وفي سنة 1589 أحرق السويديون الدير وقتلوا الرهبان، وبذا أصبحت بلاد اللابلنديين فريسة للطامعين من دانمركيين ونرويجيين وروسيين، وصارت مشاعاً للجميع، فكان الكل يطلبها والكل يرسل إليها عماله لجباية الضرائب من أهلها المساكين الذين كانوا يدفعون الضرائب للروسيا والنرويج والسويد في آن واحد.

وقد ورد ذكر الفنلنديين في التاريخ من سنة 2500ق. م وهم قوم من الفرع الأوجرو الفيني فهم بذلك طورانيون من العائلة الألطية الأورالية التي انتشرت في كل فنلندا ولابلندا ومقاطعات البلطيق المسماة أستونيا وليفونيا وكورلندا، وعلى ضفتي نهر الفولجا وبيرم وفولوجدا، وغرب سيبيريا بين جبال الأورال وبنيسي، وفي بلاد المجر فهم يمتون بصلة الدم؛ إلى الأتراك والبلغاريين والمجريين.

وقد كانوا في مبدأ أمرهم بدوا رحلاً يعيشون من الصيد فنزحوا غرباً واستولوا على ما هي فنلندا الآن في القرن السابع أو الثامن الميلادي، وكانوا يعيشون إذ ذاك في مجاميع مستقلة وفي قرى لا يربطها أي نظام حكومي. وكانت ديانتهم الوثنية إذ كانوا يعبدون القوى الطبيعية فجعلوا للرياح إلهاً سموه (أوكو) وآخر للغابات سموه (تابيو) وثالثاً للماء اسمه (أهتى). وكانت الشجاعة والإقدام من صفاتهم فسببوا متاعب شديدة لجيرانهم فقد هاجموا شواطئ السويد مدة طويلة فجرد عليهم ملك السويد أريك التاسع في سنة 1157 ميلادية جيشاً عرمرماً وبصحبته بطريق أوبسالا المسمى هنري الإنجليزي فغزا البلاد وأدخل أهلها في المسيحية ورجع تاركاً جزءاً من جيشه ليتمم غزو البلاد، والبطريق هنري وقساوسته ليعمد أهلها فقتل البطريق هنري بعد مدة وأصبح فيما بعد قديس فنلندا وشفيعها.

ولكن الفنلنديين دافعوا عن استقلال بلادهم ورفعوا نير السويد عنهم ثم ارتدوا إلى وثنيتهم الأولى إلى أن جاءهم في سنة 1209 مبشر إنجليزي آخر اسمه البطريق توماس فأعادهم إلى المسيحية ونجح في فصل فنلندا تقريباً عن السويد وجعلها مقاطعة تابعة رأساً للبابا.

وقد اضطرت السويد من جراء الحروب المتتالية بينها وبين الروسيا أن تحتل فنلندا فاحتلتها زهاء ستمائة سنة وأدخلتها ضمن مملكتها. وفي سنة 1323 جعلت حدود فنلندا هي الحد الفاصل بينها وبين روسيا. وقد نشر السويديون مدنيتهم وثقافتهم بين الفنلنديين فعلموهم الزراعة وشتى ضروب الفنون والصناعة، ومنحوهم نفس الحقوق التي يتمتعون هم أنفسهم بها.

وفي سنة 1528 أدخل جوستاف فاسا الديانة البروتستانتية في فنلندا التي رفعها الملك جون الثالث إلى درجة دوقية عظمى.

وقد خسرت فنلندا خسائر كبيرة من الحروب المستمرة بين السويد والروسيا والدانمارك.

وفي أوائل القرن السابع عشر أسس الملك جوستافوس أدولفوس مجلس النواب الفنلندي المسمى (ديات) وجعل أعضاءه من أربع طبقات: الأشراف ورجال الدين وأصحاب الأراضي والفلاحين. وقد شجع التعليم فأنشأ المدارس وأدخل الطباعة وشيد الكنائس.

وفي حكم شارلس التاسع (1692 - 1696) تحملت البلاد شدائد ومتاعب عظيمة من جراء ما حل بها من القحط والأوبئة فهلك في أبرشية (أبو) نحو ستين ألفاً في أقل من تسعة أشهر.

وفي سنة 1716 ضم بطرس الأكبر قيصر الروس فنلندا إلى أملاكه، ثم استردتها السويد بعد ذلك ولكنها تخلت عنها وعن جزر ألاند في سنة 1808 للروسيا، ونظراً لما رآه إسكندر الأول الروسي من شجاعة الفنلنديين فقد أبقى فنلندا كدولة شبه مستقلة وجعلها تحتفظ بقوانينها وعاداتها فاجتمع البرلمان الفنلندي ونادى به دوق فنلندا العظيم فأقسم على احترام دستور البلاد وديانتها وشرائعها وحريتها. واستمرت مدينة (أبو) عاصمة للبلاد حتى سنة 1821 ثم انتقلت إلى هلسنكي ولم يجتمع البرلمان بعد ذلك لمدة 56 سنة، ثم دعاه اسكندر الثاني في سنة 1863. وفي حكم اسكندر الثالث نقض الروس عهودهم وأنزلوا بفنلندا من ضروب الاضطهاد ما غرس بذور الحقد والكراهية لهم في قلوب الفنلنديين الذين حاربوا من أجل استقلالهم، فازداد الروس قسوة وطغياناً وحاولوا فرض لغتهم وديانتهم وقوانينهم قسراً على الفنلنديين وملئوا البلاد بالجواسيس، فهب الفنلنديون للدفاع عن حريتهم وأعلنوا الإضراب العام في سنة 1905 واشتركت الأمة فيه على اختلاف طبقاتها في كافة أنحاء البلاد فتعطلت المواصلات والبريد والتلغرافات والتلفونات وأغلقت المدارس ودور الحكومة والمتاجر، واضطرت الحكومة الروسية إزاء اتحاد كلمة الفنلنديين أن تجيب طلباتهم بمرسوم إمبراطوري صدر في 7 نوفمبر سنة 1905. ولكن الروسيا حاولت ثانياً حد سلطة البرلمان، فثار الفنلنديون في سنة 1908 وسنة 1910 وقاوموا الروس بشدة ورفضوا أن يتجندوا في الجيش الروسي الممقوت ودفعوا 20مليون مارك سنوياً ليعفوا من الخدمة العسكرية.

ولما استقرت نيران الحرب العظمى أعلن برلمان فنلندا حياد البلاد فقطع بذلك كل علاقة بين فنلندا والروسيا. وقد أعلن الفنلنديون أنهم لا يحاربون إلا من أجل فنلندا.

ولما أُلفت الحكومة البلشفية في الروسيا اعتقد بعض الفنلنديين أن من مصلحة البلاد الدخول ضمن الاتحاد السوفيتي فقامت من جراء ذلك حرب أهلية بين الحمر الفنلنديين والبيض من أهل فنلندا بقيادة المارشال مانرهايم بطل فنلندا الذي استولى على هلسنكي وطرد البلاشفة؛ وهو بعينه الذي يحاربهم الآن.

وفي سنة 1919 نودي بفنلندا جمهورية مستقلة لأول مرة في تاريخها، فهي بذلك أحدث أمة مستقلة في العالم.

وفي سنة 1920 التحقت فنلندا بعصبة الأمم وتنازلت الروسيا بمقتضى معاهدة دوربات عن الجزء الضيق الذي فيه ميناء بتسامو لفنلندا، وبذا أخذت في إنشاء الطريق القطبي العظيم الذي لا مثيل له في العالم.

والعَلم الفنلندي مكون من اللونين الأزرق والأبيض رمزاً إلى زرقة السماء والماء وبياض الجليد.

والفنلنديون أقوياء الأجسام وهم في الأصل ربعون ذو رؤوس مستديرة وجباه منخفضة وجلود تضرب إلى السمرة وعظام خدودهم بارزة وشعر ذقونهم خفيف؛ وشعرهم أسود لامع طويل، وهذه من صفات المغول ولكنهم تزاوجوا مع من جاورهم من الأمم فدخل فيهم الدم النوردي الأسوجي والصقلبي الروسي؛ فأصبح شعرهم بنيا أو أحمر أو أشقر، وتحسنت سحنهم عن أسلافهم.

ولا يزال الفنلنديون يحتفظون بعاداتهم البدوية التي ورثوها عن أسلافهم المغول، فهم كرماء للضيف محبون للحرية والاستقلال ميالون للانتقام، وهم أهل عفة وأمانة وطهارة وحسن خلق، يحبون وطنهم حباً يقرب من العبادة، لذلك لا يهجرون ديارهم إلا قليلاً.

والفلاح الفنلندي مجد صبور يجهد نفسه في استغلال أرضه. ويكون الفلاحون 87 % من الأمة الفنلندية. وألد أعداء الفلاح الصقيع الذي ينزل في يونيه فيتلف محصولاته الجذرية.

وقد ازدادت مساحة الأراضي المزروعة ولكنها ليست متصلة في مساحات شاسعة بل هي حقول منفصلة تتخللها غابات ومستنقعات. وتبلغ المساحة المزروعة نحو 6. 3 % من المساحة العامة. وتعمل الحكومة على إكثارها بتجفيف المستنقعات وإصلاح أرضها. ولكنها لن تبلغ أكثر من 12 % من المساحة العامة على أكبر تقدير. وتوزع الأراضي الزراعية بالنسبة المئوية الآتية:

52. 1 ملكيات فردية

39. 7 ملك الدولة

6. 5 ملك جمعيات تعاونية

1. 7 ملك جمعيات أخرى

ومحصولات فنلندا محدودة؛ فهي تقتصر على الغلال كالقمح والشعير والزمير والجويدار وبعض المحصولات الجذرية كبنجر السكر واللفت والبطاطس ونباتات العلف. وتزرع هذه المحصولات بالنسبة المئوية الآتية:

50. 7 نباتات علف

18. 9 زمير

9. 6 جويدار

5. 4 شعير

3. 3 بطاطس 12. 1 محصولات أخرى كالقمح والبنجر والكتان

وفنلندا غنية بنباتاتها، وقد درست الفلورا الفنلندية دراسة مستفيضة فقسم النباتيون البلاد إلى 28 مقاطعة بحسب ما فيها من أنواع النبات. وقد بلغ عدد الأنواع النباتية الفنلندية 1132 نوعاً موزعة كما يأتي:

318 - 400 نوع في لابلندة

508 - 651 في كاريليا

752 في فنلندا الأصلية

ولا يوجد في فنلندا نباتات ألبيه ولكنه يوجد منها في شبه جزيرة كولا 32 - 64 نوعاً.

وتبلغ مساحة الغابات في فنلندا نحو 63 مليون فدان، منها نحو 35 مليوناً ملك للدولة. وقد حصروا أشجار هذه الغابات فوجدوا أن مكعب جذوعها النامية يبلغ 57214 مليون قدم مكعب من الخشب. ومنها 60. 7 % من الصنوبر البري و28. 1 % من شجر الأسبروس و11. 2 % من خشب البيرش. ومن أشجار الغابات المهمة عندهم شجر البيرش القصير، والحور، واللارش السيبيري الذي أدخلوه في القرن الثاني عشر. ويبلغ مقدار ما يقطعونه من الأشجار سنوياً نحو ستة ملايين شجرة يلقونها في مجاري المياه المتدفقة التي يبلغ مجموع طولها في فنلندا نحو 65 ألف ميل فتعوم إلى أن تصل إلى الآلات الخاصة بقطعها ونشرها بالتيار الكهربائي المتولد من مساقط المياه استعداداً لتصديرها وصنع لب الورق ومشتقات الأخشاب منها.

ويوجد في فنلندا خمس مدارس للغابات، مدة الدراسة فيها سنتان. وتعطي جامعة هلسنكي دراسة في الغابات مدتها ثلاث سنوات. ويمكن للطالب أن يحصل منها على درجة الأستاذية والدكتوراه في الغابات. ولجامعة فنلندا غابات للتمرين. وقد أنشئت من ثلاثين سنة مضت جمعية للغابات يتبعها معهد للبحوث تديره الحكومة وتدرس فيه علوم الغابات ويتبعه عدة غابات للتجارب ولتدريب عمال الغابات. وتطبع هذه الجمعية ثلاثة أنواع من النشرات. وتنفق الحكومة الفنلندية على أبحاث الغابات مليونين من الماركات سنوياً.

وجميع مزارع فنلندا وطرقها تصرف في مصارف وخنادق عميقة. وأرضها غنية بالدبال، ولدفء جوها في الجنوب ينمو الخشخاش والبانزي والفوشيا وتكثر المزارع والحقول والضياع بما فيها من المناحل وأكوام الدريس والأخشاب المقطوعة.

ويشكر الفنلنديون الله على استقلالهم. فقد مكنهم من أن يمتلكوا أراضيهم إذ كان ذلك مستحيلاً تحت الحكم الروسي، ولكنه أصبح من الممكن في أوائل القرن العشرين أن يمتلك المزارع الفنلندي الأرض التي يزرعها فبلغ ما ملكه الزراع في سنة 1901 نحو 40 % من الأرض الزراعية والباقي أراض محكرة ولم تأت سنة 1929، حتى أصبح 90 % من أرض فنلندا ملكاً لفلاحيها. ويرجع الفضل في ذلك إلى قانون ليكس كاليو الذي صدر في سنة 1922 نسبة إلى كيوستي كاليو زعيم الحزب الزراعي الفنلندي. وبمقتضى هذا القانون أجبر كبار الملاك على بيع أراضيهم الواسعة بأثمان زهيدة جداً لصغار الزراع، فترتب على ذلك وجود طبقة وسط من صغار الملاك فأصبحت فنلندا في مأمن من انتشار الشيوعية. وتمد الحكومة صار المزارعين بالنصح والإرشاد والمساعدات المالية.

ويحصل المزارع من أرضه على جزء بسيط من غذاءه وغذاء عائلته، فهو يعتمد إذن في معيشته على ألبانه ومشتقاتها، وعلى ما يتقاضاه من الأجر من قطع الأخشاب وما يستعمله منها في بناء بيته وفي وقوده، فمن ذلك ترى أن فنلندا لا تقوم كقطر زراعي بحاجة سكانها.

ومعظم مزارع فنلندا صغيرة. ولا تزال مزارع شرق كاريليا وشمالها في حالة أولية محضة، ولكن المزارعين يقبلون على المستحدثات الزراعية بشغف، فترى كل جماعة منهم يشتركون في شراء آلة زراعية حديثة ليستعملوها شركة بينهم.

وقد توصل البروفيسور فيرتانين الأستاذ بجامعة هلسنكي إلى طريقة لحفظ العلف في الشتاء وذلك بعمل حفرة في الأرض يكوم فيها العلف الذي لم يتمكنوا من تجفيفه، ويكومون فوقه الأجزاء الخضر المتخلفة من المحصولات الجذرية المختلفة، ويرشون فوق الكومة محلولاً كيميائيا يجعل العلف طرياً ويحتفظ بخمس وتسعين في المائة من مواده الغذائية التي تبلغ في الدريس العادي 60 - 65 %. ويمتاز العلف المحفوظ بهذه الطريقة بأنه ليس له رائحة كريهة كالتي توجد في العلف المحفوظ بطريقة السيلو القديمة. ولذلك تقبل الماشية على أكله إقبالها على العلف الأخضر. وقد نجحت هذه الطريقة نجاحاً باهراً، وانتشرت في البلاد الأجنبية تحت اسم علف.

(البقية في العدد القادم)

مأمون عبد السلام