مجلة الرسالة/العدد 339/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 339/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 01 - 1940



هل يستطيع هتلر أن يغزو أمريكا

(عن مجلة (كرانت هستري))

لعل أهم ما يشغل عقول رجال السياسة في أمريكا اليوم هو هذا السؤال

(إذا انتصر أدولف هتلر في الحرب الأوربية الحاضرة فهل يكون

انتصاره هذا مهدداً للولايات المتحدة من الناحية الحربية؟) وعلى

جواب هذا السؤال يكون رأينا في دخول أميركا الحرب الحالية أو

الوقوف بمنجاة منها. فإذا دخلنا الحرب فمن المشكوك فيه أن يبقى

نظامنا الاقتصادي الحر على هو ما عليه اليوم، وأن تبقى سياستنا

الديمقراطية سليمة مع الدكتاتورية التي تفرضها ضرورات الحرب.

لذلك أستطيع أن أقول إن احتمال مهاجمة هتلر لنا، من المسائل التي

نفكر فيها بروية واهتمام

فإذا كانت الضرورة تقضي علينا بأن نقف هتلر عند حده من الآن، حتى يتيسر لنا أن نفوز في الدفاع عن أنفسنا في المستقبل، فمن واجبنا بلا شك أن نعلن عليه الحرب من الغد. ولا تستطيع سلطة حربية أيا كانت أن تقول غير ذلك، ولكن هل يستطيع هتلر أن يغزو أمريكا؟ الجواب (لا) بأوسع ما تحوى هذه الكلمة من المعاني. فكل من له خبرة بالفنون الحربية والبحرية في أمريكا يعد الإدعاء بأن في مقدور هتلر أن يهاجم شواطئنا، باطلاً لا يستند إلى شئ من الحقيقة. فلننظر إلى الأسباب التي تدعو إلى ذلك

يجب أن نضع نصب أعيننا قبل كل شئ أنه لا توجد قوة تستطيع أن تهاجم شواطئنا الشرقية إلا إذا وضعت يدها على المحيط الأطلنطيقي. فهل في مقدور هتلر شئ من ذلك؟ إن قوة هتلر البحرية معروفة وهي لا تزيد على ربع القوى التي لدينا الآن، فإذا وقعت الحرب قريباً من ديارنا، وكان على هتلر أن يحارب على مسافة ثلاثة آلاف ميل دياره، فإن هذه الميزة وحدها تعد بمثابة واحد إلى اثنين أو تزيد

وقد يقول بعض الناس إن هتلر إذا انتصر فمن المحتمل أن يستولي على الأسطول الإنكليزي فكيف نستطيع أن نقفه عند حده آنذاك؟ إنني أستطيع أن أتحدث عن تجربة شخصية في هذا الموضوع، وأستطيع أن أؤكد أن الأسطول البريطاني لا يمكن أن يحاصر أو يقع في أيد غير بريطانية. فإذا قدر لهذا الأسطول المظفر أن ينهزم، فإن النتيجة لا تعدو أمراً من اثنين: إما أن يلجأ إلى شواطئ بعيدة يتحصن بها كشواطئ كندا، ويجعلها قاعدة له، أو يغرق بيد بحارته في أجواف المحيط كما تفعل قطع الأسطول الألماني اليوم

إن نابليون لم يستطع أن يغزوا أمريكا بعد انتصاراته العظيمة، وهي بعد أمة ناشئة، فهل يستطيع هتلر أن يهدد قوانا الحالية بعد هذه لحرب التي تنذره بالدمار؟ إنني أعرف كثيراً عن الحرب، وأعرف كثيراً مما لا يجوز ذكراه الآن، وأستطيع أن أؤكد أن أمريكا إذا احتفظت لنفسها بنظام حربي معقول، فليس لقوة في الأرض أن تهددها أو تتغلب على جيوشها في يوم من الأيام.

من النبات نستمد كل شئ

(عن (ديرلد ديجست))

كم نوفر من المال وكم ندخر من الجهد، إذا أتيح لنا يوماً ما أن نخرج إلى الغابات أو نتمشى في الحدائق، فتقتطف جواربنا من بعض النبات وسجائرنا من آخر، وأطعمتنا من نباتات أخر، ونتناول اللعب لأطفالنا من نبات غير هذا وذاك! هذا حديث قد تبدو عليه سمة من الهزل، أو قد يظهر شئ من الاستحالة في إمكان وقوعه، ولكنه في الحقيقة في حكم المستطاع. ففي عالم النباتات وعالم الأشجار ما يمدنا بهذا جميعه، بل وبأكثر منه إذا أردنا. فإذا تيسر أن يوجد في مكان واحد كل ما نريد من هذه المواد، كان لدينا منها (مخازن نباتية) عظيمة تمدنا بما نشاء مما يوفر لنا أسباب الراحة

فإذا ظمئت في غابة من الغابات الاستوائية، ولم تجد قطرة ماء تبل بها ظمأك، أمكنك أن تروي غلتك بينبوع من ماء النباتات، فإذا كنت تفضل اللبن على الماء فلديك شجرة البقرة، وهي شجرة تشبه شجرة المطاط، وتختلف عنه بعصيرها العذب ذي الطعم الشهي اللذيذ، ويشبه طعم اللبن إلى حد كبير

فإذا احتجت إلى ملابس جديدة فلديك ما يكفيك مشقة البحث عنها، وما عليك إلا أن تمد يدك إلى شجرة (الدنتلا) وهي من أعجب أنواع الأشجار وأنفسها، فتأخذ منها ما تريد. وتتكون أفنان هذه الشجرة من لفافات صغيرة، أشبه بلفافات الورق، فإذا نشرت واحدة منها رأيتها كالصحيفة الرائعة البيضاء. أما جذع هذه الشجرة وساقها والفروع الأكبر سمكا منها فتحتوي على الأقمشة القوية المتينة المحكمة النسج. وتستعمل القطع الرقيقة من هذه المادة غلائل وأغطية للسيدات؛ أما القطع السميكة فيستعملون منها الملابس الثقيلة والسجاد وما إلى ذلك؛ وهي من القوة والمتانة بحيث تصلح لعمل الحبال والسياط

ونستطيع أن نستمد من الأشجار قبعات جميلة معدة للاستعمال وليس علينا إذا أردنا ذلك إلا أن نتسلق شجرة من شجرات البندق، لنجد في أعاليها طلبتنا من القبعات الناعمة الجميلة المحلاة بالأزهار المعدة للرؤوس

وإذا كان من السهل أن نجد في مخازن النبات ما يصلح قبعات لرؤوسنا، فأسهل منه أن نجد فيها أحذية لأقدامنا. ففي غابات المنطقة الحارة أشجار سامقة مهجورة، لا يعني بها أحد وهي صالحة تماماً لعمل أحذية متينة منها. فجذوع هذه الأشجار قوية محكمة النسج من الداخل. فإذا أردنا أن نصنع حذاءنا فمن السهل أن نقطع منها ما يغطي القدم وننظفه وننقيه ونعده للاستعمال

وقد تظن أن هذا كل ما نستطيع أن نناله من مخازن النباتات أو أننا قد أحصينا كل ما يمكن استغلاله منها، والحقيقة أننا نستطيع أن نستمد منها أشياء كثيرة لا يدركها الحصر

حتى أمواس الحلاقة تنمو على رءوس النباتات، فهل تعرف أن بذور بعض الحشائش المتسلقة تصلح لإزالة اللحى، فتجد في كل منها سلاحين حادين لا يقلان عن أقوى أنواع الأسلحة التي تصنع من الصلب

حياة الطالب في باريس

(ملخصة عن (همت جورنال) ستوكهلم)

يقيم في باريس ثلاثون ألف طالب من أبناء فرنسا، وعشرة آلاف من الطلبة الأجانب، ويقطن أكثر هؤلاء الطلاب في الحي اللاتيني حيث يخلعون عليه طابعاً عالمياً فريداً في نوعه. والطالب الفرنسي يختلف عن أمثاله في سائر الأمم. فهو مكلف بأن يعتمد على نفسه في حياته الدراسية على الدوام، وقل أن تمد له الحكومة يد المساعدة في شأن من الشؤون، فعليه إذن أن يعول نفسه مما يدخره هو وما تمده به عائلته من حين إلى حين. والطالب الفرنسي ثالث ثلاثة قيل إنهم يستطيعون أن يعيشوا على الزهيد من العيش الذي يجئ في المرتبة بعد العدم أو اللاشيء وهم الفقير الهندي والعامل الصيني والطالب الفرنسي

فإذا ما دفع الطالب نفقات المدرسة، وثمن الكتب المطلوبة منه للدراسة لم يتبق معه لمطالب المعيشة إلا النذر القليل. فيلجأ - وكذلك الغالبية العظمى من رفقائه - إلى تأجير غرفة في الحي اللاتيني بمبلغ قد لا يتجاوز جنيهاً واحداً أو ثلاثين شلناً في الشهر. ويقوم بنفسه على تحضير وجبة الصباح وعمل القهوة الفرنسية المعتادة أو القهوة الممزوجة من اللبن

ويقضي الوقت من الساعة التاسعة والنصف إلى الساعة الثانية عشرة في سماع المحاضرات، وعليه أن يتناول غداءه بعد ذلك من نقوده الخاصة. وينفق الطالب في غدائه شلناً واحداً وثلاثة بنسات في المطاعم المتوسطة. ولكن قليلاً من الطلبة الذين يستطيعون أن ينفقوا هذا المبلغ، فيلجأ بعضهم إلى تناول بعض الخضراوات أو اللحم البقري في مطعم صغير بما لا يتجاوز ستة بنسات؛ ثم ينفق بنسين في الفاكهة ونصف بنس في قدح من القهوة بأحد مشارب الحي اللاتيني، وعلى ذلك فالطالب يستطيع أن يتناول غداءه ويصرف بعض الوقت في الراحة والتنزه بمبلغ لا يتجاوز ثمانية بنسات ونصف

ويعود الطلاب من الساعة الثانية إلى الساعة السادسة بعد الظهر إلى سماع المحاضرات، فإذا انتهت هذه الفترة وانتهى معها النهار جاء وقت العشاء. ويتولى بعض الطلاب طهي الطعام بأيديهم ويذهب بعضهم إلى تناول عشائهم في مطعم معتدل الأسعار. ثم يأتي وقت السهر لاستذكار الدروس، فإذا تجولت في شوارع الحي اللاتيني وأزقته الضيقة بعد منتصف الليل أبصرت الأضواء الشاحبة تنبعث من خلال النوافذ، وقد تظل كذلك إلى الثلث الأخير من الليل

وفي مساء السبت يجد الطالب وقتاً للتسلية والمرح، فيجتمع بإخوانه في بعض المقاهي والمطاعم - إذ لا توجد نواد رسمية للطالب الفرنسي - فيستطيع أن يتناول معهم كوباً من النبيذ ويقضي بعض الوقت في التحدث. فإذا أراد تسلية أكثر من ذلك ذهب إلى بعض صالات الرقص حيث يقضي ليلة ساهرة بما لا يتجاوز شلنين.