مجلة الرسالة/العدد 35/قضية ابن العلقمي الوزير

مجلة الرسالة/العدد 35/قضية ابن العلقمي الوزير

مجلة الرسالة - العدد 35
قضية ابن العلقمي الوزير
ملاحظات: بتاريخ: 05 - 03 - 1934



للسيد مصطفى جواد

ذكر بعض أصحاب مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي الأسدي الوزير أنه سمعه يوما ينشد من شعره:

كيف يرجى الصلاح من أمر قوم ... ضيعوا الحزم فيه أي ضياع؟

فمطاع الكلام غير سديد ... وسديد المقال غير مطاع

وقال شمس الدين محمد بن عبد الله الكوفي الواعظ في دولة المستعصم بالله:

يا عصبة الإسلام نوحوا واندبوا ... أسفاً على ما حل بالمستعصم

دست الوزارة كان قبل زمانه ... لابن الفرات فصار لابن العلقمي

وفي سنة (655) هـ (رحل السلطان هولاكو قان) من همذان نحو العراق، فلما اتصل ذلك بالخليفة المستعصم شاور وزيره مؤيد الدين ابن العلقمي في ما ينبغي فعله فأشار عليه ببذل الأموال وحملها إليه مع التحف الكثيرة والأشياء الغريبة والاعلاق النفيسة، فلما شرع في ذلك ثناه الدويدار الصغير وغيره، وقالوا له (ان غرض الوزير تدبير حاله مع السلطان هولاكو) فوافقهم واقتصر على انفاذ شيء يسير مع شرف الدين عبد الله بن الجحوزي فلما وصل إليه أنكر ذلك وأرسل إلى الخليفة يطلب إما الدويدار وإما سليمان شاه الايواني، وإما فلك الدين محمد بن الدويدار الكبير الدين الطبرسي فلم يفعل، وأرسل شرف الدين بن الجوزي أيضاً يعتذر عن ذلك، فسار السلطان حينئذ نحو بغداد)

قال عبد الرزاق بن الفوطي بعد سقوط بغداد في أيدي التتر (ثم دخل الخليفة المستعصم بغداد يوم الأحد رابع صفر ومعه جماعة من أمراء المغول وخواجه نصير الدين الطوسي وأخرج إليهم من الأموال والجواهر والحلي والزركش والثياب وأواني الذهب والفضة والاعلاق النفيسة جملة عظيمة، ثم عاد مع الجماعة إلى ظاهر سور بغداد بقية ذلك اليوم، فأمر السلطان هولاكو بقتله فقتل يوم الأربعاء رابع عشر صفر ولم يهرق دمه بل جعل في غرارة ورفس حتى مات ودفن وعفى أثر قبره

وسبب هذه القتلة أن بعض الناس المسموعي الكلمة الاقلاء العلم قال لهولاكو: لو أصاب الأرض قطرة من دم الخليفة لانقلبت الدنيا بأهلها، فجارى هولاكو هذه العقيد بها لوضوح بطلانها

ووضع المغول السيف في أهل بغداد يوم الاثنين خامس صفر سنة 656، وما زالوا في قتل ونهب وأسر وتعذيب الناس بأنواع العذاب، واستخراج الأموال منهم بأليم العقاب مدة أربعين يوماً، فقتلوا الرجال والنساء والصبيان والأطفال، فلم يبق من أهل بغداد ومن التجأ إليهم من أهل السواد إلا القليل، ماعدا النصارى فانهم عين لهم شحان حرسوا بيوتهم والتجأ إليهم خلق كثير من المسلمين فسلموا عندم، وكذلك دار الوزير مؤيد الدين بن العلقمي فانه سلم بها خلق كثير، ودار صاحب الديوان (ابن الدامغاني) ودار حاجب باب النوبى (ابن الدوامى) وما عدا هذه الأماكن فانه لم يسلم فيه أحد إلا من كان في القنى والآبار، وأحرق معظم بغداد وجامع الخليفة المعروف اليوم بجامع سوق الغزل وما يجاوره، واستولى الخراب على بغداد، وكانت القتلى في االدروب والأسواق كالتلول، ووقعت الأمطار عليهم ووطئتهم الخيول، فاستحالت صورهم وصاروا عبرة لمن يرى، ثم نودي بالأمان فخرج من تخلف وقد تغيرت ألوانهموذهلت عقولهم لما شاهدوا من الأهوال التي لا يعبر عنها بلسان وهم كالموتى إذا خرجوا من القبور يوم النشور، من الجوع والخوف والبرد، وضرورة الاستنباط توجب الرجوع فنقول: قال عبد الرزاق بن الفوطى (فلما كان اليوم الرابع عشر من المحرم خرج الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي إلى خدمة السلطان هولاكو في جماعة من مماليكه وأتباعه وكانوا ينهون الناس عن الرمي بالنشاب ويقولون: (سوف يقع الصلح إن شاء الله فلا تحاربوا) هذا وعساكر المغول يبالغون في الرمي. وعاد الوزير إلى بغداد يوم الأحد سابع عشر المحرم وقال للخليفة: (وقد تقدم السلطان هولاكو أن تخرج إليه، فأخرج ولده الأوسط أبا الفضل عبد الرحمن في الحال فلم يقتنع به، فخرج هو والوزير ثامن عشر المحرم ومعه جمع كثير فلما صاروا ظاهر السور منعوا أصحابه من الوصول معه وأفردوا له خيمة وأسكن بها)

وأمر هولاكو بإجاعة المستعصم، فلما اشتد عليه الجوع أمر أن يقدموا له جملة من الجواهر والحلي والأعلاق النفيسة في أواني الذهب والفضة التي أخذها من دار خلافته) فاستغرب الأمر وقال: قد علمتم أن هذا ليس مما يؤكل ولا يغني من جوع) فأرسل إليه هولاكو (لم لم تجند به الجنود ولم تدفع به عن نفسك فلات ساعة مندم) ولسرد أخبار الجنود نقول: قال عبد الرزاق في حوادث سنة 640 ما صورته: (في شعبان حضر جماعة من المماليك الظاهرية والمستنصرية عند شرف الدين إقبال الشرابي للسلام عليه - على عادتهم - وطلبوا الزيادة في معايشهم وبالغوا في القول وألحوا في الطلب، فحرد عليهم وقال: (ما نزيدكم بمجرد قولكم بل نزيد منكم من نريد إذا أظهر خدمة يستحق بها ذلك) فنفروا وخرجوا على فورهم إلى ظاهر السور وتحالفوا على الاتفاق والتعاضد. . .)

وقال في حوادث سنة 649 (وفيها فارق كثير من الجند بغداد لانقطاع أرزاقهم ولحقوا ببلاد الشام) وقال في حوادث سنة 655 ما نصه (وكان الخليفة قد أهمل حال الجند ومنعهم أرزاقهم وأسقط أكثرهم من دساتير ديوان العرض فآلت أحوالهم إلى سؤال الناس وبذلك وجوههم في الطلب بالأسواق والجوامع ونظم الشعراء في ذلك الأشعار، فمما قاله المجد النشابي:

يا سائلي ولمحض الحق يرتاد ... أصخ فعندي نشدان وإرشاد

واسمع فعندي روايات تحققها ... دراية وأحاديث واسناد

فهم ذكى وقلب حازق يقظ ... وخاطر لنفوذ النقد نقاد

عن فتية فتكوا بالدين وانتهكوا ... حماه حملا برأي فيه إفساد

وكان خواجه نصير الدين محمد الفيلسوف الطوسي قد بعث - وهو في قوهستان - بقصيدة إلى المستعصم بالله يمدحه فيها ويطلب إليه الزلفى من دار خلافته، فاطلع عليها مؤيد الدين محمد بن العلقمي وأبقاها عنده وكتب إلى شمس الدين محتشم قوهستان من بلاد إيران يحذره ارتحال نصير الدين من بلاده مع احتياجه إليه في النجامة والتدبير، وإنما فعل ابن العلقمي ذلك خوفاً من ان يعرف المستعصم فضل نصير الدين الطوسي وعلمه فيستوزره مع كونهما شيعيين من فرقة واحدة، فوشى به هذا المحتشم إلى أمام الباطنية الإسماعيلية و (علاء الدين محمد بن الحسن الإسماعيلي) فاعتقله هذا في قلعة (ألموت) ولما فتح هولاكو هذه القلعة خرج نصير الدين وحضر بين يدي هولاكو فعظم موقعه في نفسه وأنعم عليه واستوزره وصار لأسرته شأن عظيم، وكان المنتظر من نصير الدين حين قدم بغداد مع هلاكو ان يبطش بابن العلقمي لإساءته إليه تحريضه عليه، ولكنه كان متعصبا للشيعة مغالياً في حبهم، حتى أنه أنقذ ابن العلقمي من الموت بأن رغب إلى هولاكو في العفو عنه، ومن الحق أن ابن العلقمي لم يخن ولم يهن في خدمة المستعصم، فلما فتحت بغداد ورأى زوال الدولة العباسية ووزارتها من المحققات؛ سعى في تنجية نفسه من الموت وداره من التحريق ودار كتبه المحتوية على عشرة آلاف مجلد من النهب، فاستشفع بنصير الدين الطوسي إلى هولاكو وأوصل إليه كتاباً فيه (ملحمة) من ملاحم الشيعة تثبت صلاح أعماله ووجاهة فتحه لبغداد، فقد قال قطب الدين الحنفي (إن مجد الدين بن طاوس وسديد الدين يوسف بن المطهر الحلي أرسلا كتاباً إلى هولاكو على يد ابن العلقمي يروونه عن علي بن أبي طالب - رض - صورته (إذا جاءت العصابة التي لا خلاق لها لتخربن يا أم الظلمة ومسكن الجبابرة وأم البلايا، ويل لك يا بغداد وللدور العامرة التي لها أجنحة كالطواويس، تنماثين كما ينماث الملح في الماء. ويأتي بنو (قنطورا) مقدمهم جهوري الصوت لهم وجوه كالمجان المطارقة وخراطيم كخراطيم الفيلة لم يصل إلى بلدة إلا افتحها ولا إلى راية إلا نكسها، فلما وصل الكتاب إلى هولاكو أمر أن يترجم له، فلما قرأه أمر لهم بسهم الأمان وسلموا بذلك من القتل والنهب)

قال عبد الرزاق بن االفوطي بعد وقعة بغداد (وأما أهل الحلة والكوفة فانهم انتزحوا إلى البطائح بأولادهم وبما قدروا عليه من أموالهم وحضر أكابرهم من العلويين والفقهاء مع مجد الدين بن طاوس العلوي إلى حضرة السلطان هولاكو وسألوه حقن دمائهم فأجاب سؤالهم وعين لهم شحنة، فعادوا إلى بلادهم وأرسلوا إلى من في البطائح يعرفونهم ذلك، فحضورا بأهلهم وأموالهم وجمعوا مالا عظيما وحملوه إلى السلطان هلاكو فتصدق عليهم بنفوسهم، وكان أهل الكوفة والحلة والسيب يجلبون إلى بغداد الأطعمة فانتفع الناس بذلك، وكانوا يبتاعون بأثمانها الكتب النفيسة وصفر المطعم وعيره من الأثاث بأوهى قيمة فاستغنى بهذا الوجه خلق كثير منهم

ولو كان ابن العلقمي قد خان المستعصم ومالأ هولاكو عليه لخشى هولاكو غدره وخاف خيانته ولم يوله الوزارة الإقليمية فانه لما رحل عن بغداد عائداً إلى بلاده فوض أمرها إلى الأمير (علي بهادر) وجعله شحنة بها والى الوزير مؤيد الدين بن العلقمي وصاحب الديوان فخر الدين بن الدامغاني ونجم الدين أحمد بن عمران الباجسري ونجم الدين عبد الغني بن الدرنوس وشرف الدين العلوي المعروف بالطويل فتوفى ابن العلقمي بعد فتح بغداد بثلاثة أشهر وذلك في مسهل جمادى الآخرة، فأمر هولاكو أن يكون أبنه عز الدين أبو الفضل وزيراً بعده

ولقائل أن يقول: إن الخيانة أنالته الوزارة الإقليمية فنقول له: قد قيل هذا، وزعم أن هولاكو قتله لخيانته، وقال له (إنا لا نأمنك وقد خنت خليفتك) ولقد كان هولاكو حذراً من الخونة مسارعاً إلى سفك الدماء، فهو إن لم يكن حرياً أن يقتله - على ظن خيانته فأنه يطرحه ويستذله فلا يوليه من ملكه شيئاً، وأن مؤرخا يبتدع قتل هولاكو لابن العلقمي لسهل عليه أن يخونه ويفجره ويسند إليه ما يشاء، ولكن الحق غير ذلك

ولى هولاكو تاج الدين بن الدرامى صدارة الأعمال الفراتية فتوفى في شهر ربيع الأول فجعل ابنه مجد الدين حسيناً عوضه وأقر أقضى القضاة نظام الدين عبد المنعم البندنيجى على رتبته وجعل لفخر الدين الدامغاني وزارة الإقليمية وجعل نجم الدين أحمد بن عمر ان المذكور ملكاً علىالأعمال الشرقية وهي الخالص وطريق خرسان والبدنيجين وأشركه مع ابن العلقمي وابن الدامغاني في الحكم فهل كل هؤلاء خونة غدرة؟ وقد يرد هذا القول بأن هولاكو لم يقتل هؤلاء الخونة لأن هوى الشعب فيهم، وضلعه معهم، فنقول: إنه قتل جماعة صبراً وهم من عظماء الشعب فيهم محيي الدين بن الجوزي الحنبلي أستاذ دار الخليفة وأبناه شرف الدين عبد الله وجمال الدين بن عبد الرحمن مؤلف مناقب بغداد وشيخ الشيوخ صدر الدين علي بن بالنيار وشرف الدين عبد الله بن أخيه وبهاء الدين داود بن المختار والنقيب شمس الدين علي بن مختار وشرف الدين محمد بن طاوس العلوي وتقي الدين عبد الرحمن بن الطبال وأكثر أمراء الترك

ومن اغرب سخرية المؤرخين أنهم أشكركوا في الخيانة تاج الدين أبا المعالي محمد بن الصلايا العلوي ناظر إربل، ولقد قال ابن الفوطي يذكر المتوفين من الأعيان بعد وقعة بغداد (وتوفى تاج الدين أبو المعالي محمد بن الصلايا العلوي ناظر إربل، قتل بحبل سياه كوه وكان قد قصد حضرة السلطان هولاكو بعد وقعة بغداد ليقر رحاله فأمر بقتله، وكان كريما جواداً فاضلا متدينا يبالغ في عقوبة من يفسد أو يشرب الخمر وليس عند المؤرخين دليل على خيانة ذلك الرجل العلوي الصالح واتهام ابن العلقمي - وان ورد في تاريخ ابن خلدون وفوات الوفيات وتاريخ أبي الفداء وغيرها - فان مصدره واحد هو سوء الظن به والحقد عليه، حتى أن ابن الفوطي لما كتب الحوادث الجامعة قال (ذكر من توفى من الأعيان بعد الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي في جمادي الآخرة ببغداد وعمره ثلاث وستون سنة، كان عالماً فاضلا أديبا يحب العلماء ويسدي إليهم المعروف، وتوفى علم الدين أحمد أخوه بعده) ووجد في الحاشية تعليق على هذا القول صورته (إلا أن خيانته لمخدومه تدل على سوء أصله) فان كانت مؤلفات ابن الفوطي بقيت على التسويد - كما ذكر العماد الحنبلي في شذور الذهب - فيظهر لنا ان المؤلف قد أثرت في نفسه إشاعة تهمة ابن العلقمي فاستدركها على نفسه مع عدم اقتناعه بصحتها في أول التأليف وبقي هذا الاستدراك مشيراً إلى ضعف الاتهام وصعوبة أمره على الإفهام.

ولم تكن حملة هولاكو على بغداد إلا حملة صليبية شرقية، فقد ذكر ابن العبري أن المسيحية انتشرت بين المغول في القرن السابع للهجرة، وأن جنكيز خان قد أوحى إليه بمحاربة الدول المسلمة، وأن امرأة هولاكو مسيحية، ويتضح ذلك من كتاب هولاكو إلى الملك الناصر ونصه كما في مختصر الدول:

(يعلم الملك الناصر أننا نزلنا بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة وفتحناها بسيف الله وأحضرنا مالكها وسألناه مسألتين فلم يجب لسؤالنا، فلذلك استوجب منا العذاب - كما قال في قرآنكم -: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وصان المال، فآل الدهر به إلى ما آل، واستبدل بالنقوش النفيسة، نقوشاً معدنية خسيسة، وكان ذلك ظاهر قوله تعالى: (ووجدوا ما عملوا حاضراً)، إننا قد بلغنا بقوة الله الإرادة، ونحن بمعونة الله في الزيادة، ولا شك أنا نحن جند الله في أرضه خلقنا وسلطنا على من حل عليهم غضبه، فليكن لكم في ما مضى معتبر، وبما ذكرناه وقلناه مزدجر. . فان أنتم أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا كان لكم مالنا وعليكم ما علينا. . . فالله عليكم يا ظالمون، هيئوا للبلايا جلباباً، وللرزايا أتراباً، فقد أعذر من أنذر، وأنصف من حذر، لأنكم أكلتم الحرام وحنثتم بالأيمان، وأظهرتم البدع واستحسنتم الفسق فأبشروا بالذل والهوان فاليوم تجدون ما كنتم تعملون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، لقد ثبت عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا أنكم فجرة، وسلطنا عليكم من بيده مقاليد الأمور مقدرة، والأحكام مدبرة. . . فسارعوا إلينا برد الجواب بتة، قبل أن يأتيكم العذاب بغتة، وأنتم تعلمون) ونقلنا في ما سبق من المقالة أن النصارى ببغداد سلموا من القتل والنهب والسلب وكل الأذى، وعين لهم أمراء من المغول يحرسون بيوتهم، وقال ابن الفوطي (وتقدم للجاثليق بسكنى دار علاء الدين الطبرسي الدويدار الكبير التي على شاطئ دجلة فسكنها ودق الناقوس على أعلاها واستولى على دار الفلك التي كانت رباطاً للنساء تجاه هذه الدار المذكورة، وعلى الرباط البشيري المجاور لها وهدم الكتابة التي كانت على البابين وكتب عوضها بالسرياني)

وقال في أخبار من عين في المراتب بعد الوقعة الهولاكية ببغداد (وعز الدين بن أبي الحديد كاتب السلة فلم تطل أيامه وتوفى، فرتب عوضه ابن الجمل النصراني) وعرض بهذه الغزوة الصليبية شمس الدين الكوفي إذ قال يرثي بني العباس:

ربع الهداية أضحى بعد بعدهم ... معطلا ودم الإسلام منسفك

ومما زاد شراسة هولاكو على المستعصم أن أحد أبناء عمه من السلاطين وهو بركة خان، كان قبل وقعة بغداد قد أسلم وراسل الخليفة المستعصم وصادقه، فاشتدت العداوة بينه وبين هولاكو من جهة السياسة والملك، ومن جهة الإسلام والوثنية وحماية النصرانية، وكان بركة خان مستوياً على شمال ارمينية وشمال جبال القبق (قفقاسية)، فلما سمع بنكاية هولاكو جد في محاربته وشرد بجنوده في وقعات عدة، كانت عاقبة أخرهن ان مات هولاكو كمداً وأسفاً لانكسار جيوشه، وانتفع مماليك مصر بهذه العداوة.

القاهرة

مصطفى جواد